في وسط جلبة الضجيج والصخب الذي لا ينتهي إلا ويبدأ من جديد بين أطياف المعارضة وأطياف المؤيدين للرئيس حول الإعلان الدستوري. جاء إنجاز مهم للدولة المصرية بنجاح الفلسطينيين في انتزاع مقعد »المراقب« في الاممالمتحدة ليتحقق انجازان للدولة المصرية في حدود اسبوع بالاسراع في توقيع اتفاق هدنة علي جبهة »غزة« المشتعلة بالنيران ثم نجاح جهود اعتماد الدولة الفلسطينية كمراقب بالأممالمتحدة ويؤكد ذلك ما سبق ان توقعناه في أن مصر الثورة سوف تكون متغيرة تماماً عن مصر »مبارك« وأنها في خضم الازمة العاتية التي تهدد الاستقرار والوئام الاجتماعي بالخطر قادرة علي التحرك بايجابية وفاعلية وصحيح أن هذا الانجاز يحسب للرئيس محمد مرسي الذي يهيل عليه المعارضون غبار النقد بالحق والباطل إلا أننا اخترنا ان نعتبر أن هذا الانجاز هو للدولة المصرية أي للامكانيات والقدرات الحاضرة والمكنونة لهذا البلد والتي باعها »مبارك« وشركاؤه بثمن بخس تم تهريبه الي الخارج، وعندما تأتي سلطة وطنية لا تبيع وطنها ولا شعبها فإنها قادرة علي أن تتبوأ مكانها بين الأمم بفضل ما حباها الله من نعم وقوة. وإذا كان هذا يعني ان مصر بمقدورها ان تحصل علي ذلك النجاح في ظل قيادات أخري إلا أن ما يحسب للرئيس مرسي هو انجازه هذا تحت القصف والتهديد والوعيد وأيضا البذاءات ويمكن لو كان »مرسي« طالبا للمقعد الرئاسي حريصا عليه لولي اهتمامه الأول والأخيرةللوضع الداخلي ولما تحقق هذا النصر للعرب والمسلمين وأيضا لمحمود عباس وحركة فتح. ولقد تعهد الرئيس بالوقوف علي مسافة واحدة من الشركاء الفلسطينيين في الضفة وغزة وجاء وقوف مصر بقوة ضد العدوان علي »غزة« الصامدة والصابرة حتي انتهي العدوان ثم الوقوف بقوة ايضاً مع الطلب الفلسطيني في الأممالمتحدة ليؤكد أن السياسة الخارجية هي سياسة تتوافق مع المصالح المصرية العليا التي استقرت منذ خمسين عاما علي دعم ومناصرة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الاولي دون توظيف هذا الدعم لمصالح ايديولوجية أو سياسية كما فعل الآخرون صدام حسين وعائلة الاسد والعائلة الهاشمية مما جعل الدم الفلسطيني يراق علي يدي الأخوة والاشقاء كما يراق علي أيدي الاعداء وفي الشهور الأخيرة وظفت كتائب المعارضة الاسرائيلية كل اسلحة الدعاية من الشائعات والافتراءات والأكاذيب لبث الشقاق بين الشعب المصري والشعب الفلسطيني وبين الدولة وحركة حماس وبينها ايضاً وبين حركة فتح رغم تعارض وتناقض تلك الاكاذيب والتي تبدو بوضوح من عناوينها. كبيع اراضي سيناءللفلسطينيين واقامة دولة فلسطينية في غزة ممتدة إلي سيناء وتهريب البترول إلي غزة بموافقة الدولة من أجل عيون »حماس« وكلها من الاكاذيب التي تم صنعها في تل ابيب وروجها إعلاميون وسياسيون مناصرون لاسرائيل حتي في الكذب والغش. بل ان هذا الموقف المصري قد اعاد الروح والثقة الي الرئيس عباس الذي خسرت القضية الفلسطينية علي يديه كل أوراقها وتراجعت إلي الوراء ولم لا تتراجع وهو يفتخر بأنه الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي لم تتلطخ يديه بدماء الاسرائيليين وعلي الرغم من ذلك فقد تلطخت يداه بدماء فلسطينييغزة وايضا مصافحة كل ايادي قادة إسرائيل الملطخة بدماء الفلسطينيين وهو الذي قام باعتقال الالاف من المقاومين في الضفة الغربية من كل الحركات الفلسطينية بما فيها حركة »فتح« لاصرارهم علي مقاومة الاحتلال والرد علي عدوانه واغتيالاته ومذابحة بل وترك العنان مفتوحا لاسرائيل لكي تقوم بالقتل والاعتقال لمن استطاعوا الهرب من أجهزة عباس الأمنية وسط تنسيق أمني مشبوه وشائن. لقد كان عباس في موقف صعب بعد انتصار حماس »غزة« بالصمود والصبر وبعد فشله العام الماضي في الحصول علي اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية وبعد مراوغاته المستمرة لافشال المصالحة المصرية وبعد المظاهرات الحاشدة التي انطلقت ضده بسبب الغلاء في الاسعار ثم لتأييد انتصار غزة والتعبير عن الوجدان الفلسطيني وجاء القرار الأممي بالدعم المصري القوي ليعيد الروح إلي عباس ويجعله قادرا علي الوقوف مجددا متحدثا باسم فلسطين وقد ساعدت الظروف التي تم تقديم هذا الطلب في 29 نوفمبر فمن جهة كانت امريكا اقل عزيمة واصرار علي الرفض كما كان في العام الماضي فقد كان من المخجل ان يتحرك الرئيس الامريكي أوباما بنفس العزم والاصرار لدعم نتانياهو. بعد الصفعات التي وجهها له نتانياهو علي مرأي من كل الامريكيين والعالم اثناء الانتخابات الأمريكية التي انتهت في أوائل نوفمبر وما كان هذا الوضع يمكن ان يصبح مستساغاً من دولة صغيرة فما بالك بالدولة العظمي في العالم.. بل ان العزيمة الاسرائيلية نفسها لم تكن بنفس القوة والاصرار بعد مفاجأة المقاومة البطولية في غزة والتي انعكست علي الوضع في الضفة الغربية وتدهور شعبية عباس الي الحضيض، وكان فشل عباس يعني وفاته اكلينيكيا من الناحية السياسية وهو أمر كان يهدد الكيان الفلسطيني في الضفة الذي يمكن ان يخضع لسيطرة المقاومين والرافضين لنهج عباس من الجهاد وحماس والشعبية وغيرهم وضعفت العزيمة الاسرائيلية خشية ان تخلق بيديها »غزة« أخري من الضفة الغربية.