لابد أولا من تحديد معني العلمانية كما يفهمها العالم كله. وهي تقوم أساسا علي فصل سلطة الكنيسة عن الدولة. ومعني ذلك ان تختص المجالس التشريعية المنتخبة من الشعب بوضع القوانين التي تحكم شئون الناس في حياتهم الدنيوية، بينما ينحصر عمل الكنيسة في وعظ الناس، وتهذيب أخلاقهم، وتذكيرهم المستمر بالقيم الروحية. وقد أشيع خطأ ان العلمانية تحارب الأديان، وهذا غير صحيح. فهي تتيح لكل اتباع الاديان الموجودة في المجتمع ان تمارس شعائرها وعقائدها كما تشاء، لكن بشرط عدم التدخل في الشئون التشريعية »الإدارية والسياسية« التي تتولاها بعد ذلك السلطة التنفيذية، وتعمل السلطة القضائية علي تحقيق العدل فيما ينشأ حولها من نزاعات. فإذا استعرضنا بعد ذلك شريط التاريخ الإسلامي وجدنا ان فترة الخلفاء الراشدين »03 سنة« هي التي يمكن ان نصفها بأنها كانت عبارة عن حكم ديني خالص، والسبب ان الخلفاء الأربعة كانوا من صحابة الرسول »صلي الله عليه وسلم«، ومن تربوا مباشرة علي يديه، وحاولوا بكل دقة تطبيق تعاليم الإسلام علي المجتمع الناشيء حينئذ. ثم جاءت الدولة الأموية، ومجرد انتسابها للأمويين يعني تحول الخلافة الدينية إلي ملك دنيوي. صحيح انه اكتسي بطابع ديني، لكن قرارات الحكام كانت في معظمها دنيوية، بدءا من أسلوب أخذ ولاية العهد، ومرورا بتوزيع ميزانية بيت المال، وانتهاء بالتفرقة بين العرب والموالي. وقد استمرت الدولة الأموية »29« عاما. ثم جاءت بعدها الدولة العباسية، نسبة إلي العباس، عم الرسول »صلي الله عليه وسلم«. ومعني ذلك أيضا ان رئاسة الدولة قد انحصرت في أسرة واحدة، واستمر الحال علي ذلك »425« عاما، حتي سقطت بغداد في أيدي التتار سنة »656ه«. عندئذ انتقلت الخلافة العباسية، التي أصبحت صورية إلي القاهرة، بينما كان الحكام الفعليون هم المماليك، ولا يمكن القول بأن حكمهم كان دينيا بحال من الأحوال. وكان قد سبق ذلك قيام بعض أحفاد الأمويين بانشاء مملكة لهم بأسبانيا، كما قامت في المغرب خلافة للفاطميين الشيعة، وهم الذين جاءوا إلي مصر، وظلوا بها »902« سنوات، لم يستطيعوا خلالها ان يفرضوا مذهبهم الديني علي المصريين. ثم جاء العثمانيون فاستولوا علي معظم البلاد الاسلامية، هم ينتسبون أصلا إلي جدهم عثمان الأول »ت 0031م« وهم عبارة عن أسرة واحدة ممتدة، وكانوا في الواقع سلاطين أكثر منهم خلفاء، كما يحلو للبعض ان يصفوهم بذلك! تلك هي أهم الخطوط العريضة للتاريخ الإسلامي أما تفاصيل الحكم في كل فترة، ولدي كل حاكم ومدي تطابق قراراته مع الإسلام فهي مسألة تحتاج إلي تفصيل، قد يظهر منه لمن يريد ان يعمل عقله، وليس مشاعره، ان نظام الحكم في ظل هذه الدول الاسلامية قد فصل الأمور لنفسه جيدا، فأصبح الحكام يحكمون، وعلماء الدين يبصرون الناس بأمور دينهم، دون أن يكون لهم في قرارات الحكام أي تدخل، أو تأثير. كاتب المقال : نائب رئيس جامعة القاهرة السابق