يعيش المسرحيون في هذه الأيام أجواء مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته رقم (22) .. أي 22 سنة و22 مهرجاناً دولياً لم يتوقف فيها احتضان القاهرة لهذا الحدث الدولي بكل عروضه العربية والدولية .. وللحقيقة فإن دولا عربية تحرص علي المشاركة فيه بأكثر من عرض وهي دول حديثة العهد بالتجريب منها دول الخليج العربي التي لا يزيد عمر المسرح فيها علي ربع قرن ومع ذلك تأتي بعرضين في الغالب مما يعني أن هناك اهتماما بهذا النوع من المسرح .. ولعلي لا أكون مبالغا حينما أقول إنني ألاحظ تقدما في مستوي عروض هذه الدول عاما بعد عام . الأخوة العرب يرون في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي فرصة لا تعوض والاجانب لا يتغيبون عن هذا الحدث الذي يوصف بأنه أكبر تجمع مسرحي دولي يقام كل عام في مصر .. هذا الحدث رغم أهميته هو أيضا مهرجان مكلف ماليا وينفق عليه ما لا يقل عن خمسة ملايين جنيه علي أقل تقدير ويضم لجنة تحكيم من المسرحيين الاجانب اضافة الي مسرحي مصري وآخر عربي غير مئات من المشاركين من الفنانين مما يدعونا الي طرح السؤال الأتي : هل استفاد المسرح المصري من هذا المهرجان مقابل ما ينفق عليه .. وهل بدأت ثمار التجريب تؤتي أكلها؟! بداية لا ننكر أهمية هذا المهرجان والدليل أن المسرحيين العرب تقدموا كثيرا في تجاربهم عبر السنوات العشر الاخيرة علي الاقل بل لا نهضم حق أحد حينما نقول إن تجارب بعضهم تفوقت علينا وحصدت جوائز مستحقة في الدورات السابقة بل نؤكد أن بعضها سوف يفوز بجوائز في دورة هذا العام .. لكن أين نحن من هذا المهرجان وهذا التجريب .. أين نقف تحديدا ولماذا لم نحقق المأمول ولماذا لم نفز بجوائز ذات قيمة علي مدي 22 عاما ؟ الملاحظ أن المخرجين الشباب في مصر هم الذين يشاركون في المهرجان فقط وبعروض تنتج خصيصا للمهرجان وتختار لجنة المشاهدة عرضين فقط للمشاركة المصرية في المسابقة الرسمية والباقي يعرض علي الهامش ! نقول نعم لأن يتاح لعروضنا حجم مشاهدة أكبر للتعرف علي المسرح المصري عن قرب وربما اذا حسبنا تكلفة سفر العروض المصرية الي الخارج ان يرتفع المبلغ كثيرا لكن هناك ميزة أكبر في التعرف علي المسرح المصري من جمهور حقيقي لا يعرف الكثير عنا عكس ما يحدث الان لأن من يرانا هم المتخصصون في المسرح فقط الذين جاءوا مع فرقهم المشاركة في المهرجان . وأعود من جديد لسؤالي .. اذا لم نكن نستفيد بالقدر المطلوب فلماذا نقيم هذا المهرجان وننفق عليه الكثير من الأموال؟! من الواضح أننا لا نمتلك أي دراسات عن التجريب في مصر ولا نملك أرقاما عن أوجه الاستفادة المصرية من المهرجان .. ولا نسعي لدراسة الجمهور المصري وهل يقبل علي هذه المهرجانات أم لا .. نحن نفتقد لقاعدة معلومات عن المشاركات المصرية ومفهوم التجريب عندنا ما يزال في منطقة الاستغناء عن الحوار والاعتماد علي الصورة فقط والخروج عما هو مألوف وان شئنا الدقة لا مانع أن يتحرر الممثل من بعض ملابسه وان يترك لجسده العنان وان يلجأ الي الأداء الحركي والتعبيري أي التعبير بلغة الجسد .. هذا هو المفهوم السائد عندنا للتجريب .. اذن لم نتعلم شيئا بل قلدنا العروض الاجنبية علي طريقة (كوبي - بست) فلماذا ننفق كل هذه الأموال علي مهرجان يستفيد منه غيرنا .. المطلب الوحيد هو رصد هذه الظاهرة وتأثيرها علي المسرح المصري الذي استفاد في الشكل الخارجي فقط وأهمل المضمون وبالتالي وصلنا الي شئ عجيب وهو مشاركة مخرجين شباب ربما لأول مرة يخرجون للمسرح مع أن القاعدة تقول إن المجرب هو شخص قدم عشرات التجارب ثم فكر في تقديم عرض تجريبي فيه خلاصة تجاربه .. لماذا دائما يبقي المنطق معكوسا واللامنطق هو الذي يسود .. من فضلكم أرصدوا وسجلوا أبحثوا عن المنطق حتي لا تصبح أموالنا مثل دخان في الهواء !