في سابقة إعلامية جديرة بالاهتمام.. خصصت شبكة "إيه بي سي" التلفزيونية الأمريكية واسعة الإنتشار برنامجين سياسيين.. الأول تحت عنوان "نحن والإسلام.. أسئلة وأجوبة" والثاني كان ندوة موسعة حول "الإسلام في أمريكا".. البرنامج الأول الذي قدمته دايان سوير طرح خمسة أسئلة محددة وقدم عدة إجابات.. هذه الأسئلة هي.. ما هو الإسلام؟.. ما علاقة التطرف بالإسلام؟.. هل هناك تعارض بين الثقافة الغربية والإسلام؟.. أين صوت الإعتدال في الإسلام؟ وكيف يمكن تحقيق التعايش؟.. أما البرنامج الثاني فقدمته الإعلامية الشهيرة من أصل باكستاني كريستيان آمانبور التي أدارت حلقة نقاش ضمت ممثلين عن مختلف الجهات المناهضة منها والمؤازرة للإسلام والمسلمين في أمريكا وأوروبا شارك فيها مسلمون وغير مسلمين تحاوروا حول قضايا الجهاد والمرأة وعلاقة الإسلام بالغرب وربط الإسلام بالإرهاب وغير ذلك من قضايا خلافية. لا يمكن القول بأن البرنامجين أحاطا بكل الموضوعات.. لكن المهم أن الشبكة التلفزيونية راعت التوازن في تقديم وجهات النظر بحيث أتيحت الفرصة لإلقاء الضوء علي حقائق أساسية.. تتعلق بالدين الحنيف من حيث إحترام الأديان السماوية وأنبياء الله كافة.. ودور الحضارة الإسلامية في مختلف مجالات الحياة من علوم وفنون وإكتشافات.. ووسطية غالبية مسلمي أمريكا وإندماجهم في المجتمع المحلي وإنخراط أبنائهم في الجيش الأمريكي وتميز الكثير منهم في التجارة والصناعة والطب والبحث العلمي.. وقد نجحت سوير في تقديم صورة واقعية لنحو ثلاثة ملايين مسلم يعيشون في الولاياتالمتحدة اليوم. لكن القضايا الخلافية سرعان ما فرضت نفسها من خلال الرسائل الإكترونية التي أرسلها المشاهدون ومنها.. ما موقف الإسلام من غير المسلمين.. وهل يدعو الإسلام إلي قتال هؤلاء؟ وكيف يتفق ذلك مع مبدأ أن لا إكراه في الدين؟ وما حقيقة أن المرأة تتعرض للقمع في المجتمعات الإسلامية؟ وهل يريد المسلمون تطبيق الشريعة في أمريكا ؟ وهل يعني ذلك رجم الزاني وقطع يد السارق ؟.. قدم المحاورون وجهات نظر مختلفة حول هذه القضايا وغيرها.. لكنهم اعترفوا بأن الخلاف بين المدارس الإسلامية المختلفة.. المتطرف منها والوسطي.. يدور حول التأويل وتفسير الآيات القرآنية وأسباب نزولها وخصوصية بعضها في التعامل مع قضايا بعينها كالجهاد وقتال المشركين.. كما أشاروا إلي تأثير الفتاوي والمعتقدات التي لم يأت ذكرها صراحة في القرآن لكنها وجدت من يتبعها.. أما حلقة النقاش التي أدارتها آمانبور.. فقد شهدت حوارا ساخنا بين من أكد علي تسامح الإسلام كدين سلام وبين من إتهمه بالدعوة إلي العنف والقتال.. ولأن المشاركين من المسلمين.. فقد تباينوا في أفكارهم ومبادئهم وأتاح ذلك للمعارضين من غير المسلمين الإشارة إلي أن إختلاف المسلمين فيما بينهم حول النقاب وتطبيق الشريعة والجهاد وغير ذلك مما يعزز الشعور بالخوف من الإسلام والشك بنوايا المسلمين وفقا لأرائهم. جاء بث البرنامجين في وقت تفاقمت فيه الحملة ضد الإسلام والمسلمين علي خلفية إقامة مركز إسلامي ليس بعيدا عن موقع برجي التجارة في منهاتن وتهديد القس جونز بحرق المصحف وإعتقاد نحو خمس الأمريكيين بأن الرئيس أوباما يخفي إسلامه ومحاولة الإعلام اليميني تصوير الإسلام بأنه العدو الجديد للولايات المتحدة.. ورغم أن البرنامجين لم ينهيا الجدل الدائر حول الإسلام وتزايد ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب بشكل عام.. لكنهما سلطا الضوء علي كثير من المزاعم الخاطئة والظالمة بحق الإسلام والمسلمين.. هناك حاجة ماسة للترويج لصورة الإسلام السمحة ولرسالته الوسطية التي تحترم الإنسان وتدعو إلي التعايش والتقوي.. ولكن كيف لنا أن نفعل ذلك بينما نحن مختلفون فيما بيننا كمسلمين؟!.