ملحمة عطاء جديدة تضاف الي بانوراما الخير في مصر.. تجربة متميزة تؤكد مدي قوة التكافل الاجتماعي والتعاون الوثيق بين ابناء الشعب.. محاولة فريدة تهدف الي زرع الامل في نفوس الشباب ورسم الابتسامة علي الشفاه.. انها حفلات الزفاف الجماعي التي انتشرت مؤخرا بصورة كبيرة في مجتمعنا علي يد فاعلي الخير من أصحاب القلوب الرحيمة والجمعيات الاهلية لمد يد العون والمساعدة للشباب والفتيات غير القادرين علي تكاليف ومصروفات الزواج.. وتوفر لهم جميع المستلزمات بدءا من فستان الفرح حتي حفل الزفاف.. لتتحول هذه الحفلات الي مهرجانات للخير تختفي فيها الفروق الفردية، وتساهم أيضا في القضاء علي الآفات الاجتماعية التي أصابتنا مؤخرا كارتفاع المهور وغلو " الشبكة" وتأخر سن الزواج وانتشار ظاهرة العنوسة.. "الاخبا"ر ترصد التجربة في السطور القادمة وتطلع علي أراء الخبراء.. في البداية تقول د. سحر الصديق -رئيسة جمعية الحلم العربي -أن المهور وارتفاع تكاليف الزواج بالإضافة إلي تضاعف تكاليف المعيشة أصبحت تمثل معوقات أمام الشباب الراغبين بالزواج في مجتمعنا، وقد أصبح الزواج بالنسبة للكثيرين حلما لا يمكن حتي التفكير به، لأنه أمر مستحيل يصعب تحقيقه في ظل الظروف المادية الراهنة، ومن هنا تبنت الجمعية منذ عام 2006 فكرة إقامة حفلات للزواج الجماعي كوسيلة لخفض تكاليف الزواج، فضلا عن الفوائد الاجتماعية الكثيرة التي يحققها هذا النشاط الاجتماعي الذي تحول شيئا فشيئا إلي ظاهرة تتكرر سنويا، ويستفيد منها آلاف الشباب من ذوي الدخل المحدود.. وتضيف د. سحر أن الجمعية قامت بتنظيم أكثر من حفل زفاف جماعي خلال الاعوام السابقة، ويشمل التنظيم مساعدة العروسين بكل مستلزمات الزواج مثل المساهمة بالادوات الكهربائية والادوات المنزلية وفساتين الخطوبة والفرح، واعداد حفل العرس بتجهيز الفراشة والاضاءة والمقاعد والاتفاق مع عدد من أشهر مطربي الغناء في مصرلاحياء الحفل ، وتوضح أن البعض من أهالي المنطقة كان يتخوف في بادئ الامر من حفلات الزفاف الجماعي لاننا لم نتعود عليها، ولكن مع نجاح أول حفل أقامته الجمعية بمنطقة " الطوابق بالجيزة" سارع الشباب غير القادر علي الزواج بالتقدم الي الجمعية والمطالبة بتقديم بعض التيسيرات التي تساعده علي دخول عش الزوجية محاربة العنوسة ومن جانبها أكدت شاهيناز محمد مسئولة بجمعية رسالة الخيرية أن الجمعية تقوم بعمل حفلات للزفاف الجماعي كل شهر بناء علي مقابلات يجريها اعضاء الجمعية للمتقدمين من الشباب لدراسة حالتهم الاجتماعية والتعرف علي ظروف الاسرة ومعرفة أهم الاحتياجات اللازمة لاتمام حفل العرس، وأضافت أن الجمعية تسعي حاليا الي تنظيم سبع قوافل تجوب محافظات مصر لتجهيز الآلاف من الشباب الراغب في الزواج ولكن امكانياتهم المادية تقف عائقا امام ذلك، وقد فرضت فكرة التجول في المحافظات نفسها علي أجندة الجمعية بعد ان لاقت الفكرة نجاحا هائلا في القاهرة الكبري.. اما جمعية مصر المحروسة فتقوم بتجهيز العرائس اليتامي من خلال تنظيم حفل عرس جماعي لأكثر من 50 فتاة سنويا ، وتقول هبة السيد مسئولة الجمعية ان التجهيز يشمل أيضا التبرع المادي للشباب المتقدم بمبالغ تتراوح من 5 آلاف الي 7 آلاف جنيه أو التبرع العيني مثل (الغسالة والثلاجة والسجاد والبوتاجاز وقطن واقمشة التنجيد وأحيانا الشبكة)، كما تقوم الجمعية أيضا بعقد ندوات قبل الزواج لمناقشة قضايا كيفية اختيار شريك الحياة ومعرفة افضل الطرق لتحقيق السعادة الزوجية، كما تتواصل ايضا الجمعية مع الشباب المتزوج لحل المشكلات والخلافات الزوجية التي تنشب بعد الزواج وتهدد كيان الاسرة . تكافل وتضامن يري علماء الاجتماع أبعادًا أخري للأعراس الجماعية بخلاف المساهمة في حل أزمة "العنوسة "، وهي زرع قيم التضامن والتكافل وعدم الإسراف في نفوس الشباب والفتيات المشاركين في الزواج الجماعي بعد سنوات طويلة من اتجاه المجتمع إلي وضع شروط تعجيزية لإتمام الزواج بفرض مهور غالية للشباب بها إضافة إلي تجهيز بيت وأثاث وفق شروط قاسية. ويقول د. شريف عوض أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس إن حفلات الزواج الجماعي هي مشروعات لها قيمة وهدف كبير في المجتمع، وهي تعد محاولة لحل جزء من الأمراض الاجتماعية التي انتشرت في مجتمعاتنا الآن، ومنها تأخر سن الزواج لعدم قدرة الشباب علي تحمل تكاليف ونفقات ذلك، مما يكون له أثر سلبي من الناحية الإنسانية والاجتماعية وبالتالي تساهم أيضا هذه الحفلات في حل مشكلة العنوسة التي انتشرت بشدة في المجتمع المصري بعد أن أكدت الاحصاءات والتقارير الحكومية عن وجود 9 ملايين عانس في مصر .. وينادي د. شريف بإنشاء صندوق للزواج تتبناه الجمعيات الأهلية ويتوجه له جزء من أموال الزكاة، ويساهم فيه رجال الأعمال والشركات،فليس هناك مانع من إنشاء جمعية خيرية في كل حي من الأحياء تقوم بدراسة حالة الشباب المقبل علي الزواج، ومعرفة متطلباته، ومحاولة الإسهام في حل مشاكله حتي يبدأ الشاب حياته الزوجية بلا ديون تنغص عليه حياته، وتقلل من فرحته بالزواج كي يعيش مستقرًا نفسيًا واجتماعيًا.. وأكد د. حمدي عبدالعظيم - أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الادارية- أن سن الزواج في مصر ارتفع لدي الشباب والفتيات بسبب تعقد العادات الاجتماعية والتكاليف المالية التي تقف عائقاً دون الزواج في سن مبكرة. ومن ثم فان حفلات الزفاف الجماعي التي ينظمها المجتمع المدني المتمثل في أهل الخير ورجال الاعمال والجمعيات الخيرية ستساهم في تخفيف أعباء الزواج عنهم وخلق سلوكيات جديدة تشجع الشباب علي الإقدام علي الزواج.