اضطرتني ظروف الكتابة الصحفية، وما تتطلبه من البحث الدائم عن كلمات تصلح للمعاني التي أريد التعبير عنها بالدقة اللازمة، ان أرجع إلي أحد منتجات مجمع اللغة العربية، وهو بعنوان »معجم ألفاظ الحضارة الحديثة ومصطلحات الفنون« الصادر 0891 باشراف المرحوم بدر الدين أبوغازي عضو المجمع آنذاك، ومقرر لجنتي ألفاظ الحضارة والفنون. فماذا وجدت وخاصة فيما يتعلق بموضوع الثياب وألفاظها الحديثة التي أقر المجمع استخدامها، وحدد تعريفا دقيقا لها؟ والملاحظ أولا علي ما سوف أورده في هذا المقال المختصر من ألفاظ المجمع، التي قد تثير العجب والدهشة والاستغراب، ان أي لفظ منها لم ولن يستخدم في حياتنا اليومية، ولا في أدبياتنا الثقافية، ومعني ذلك انه مع الأسف جهد ضائع، وعمل لا جدوي منه علي الاطلاق. ومن ذلك: »ثوب البحر« وتعريفه: ثوب تلبسه جماعة المصيفين علي الشواطيء للاستحمام. والمقصود طبعا »المايو« و»الثوب الحاسر«: ثوب نسائي يرتفع إلي ما فوق الركبة. والمقصود »الميني جيب« الذي ظهر لفترة ثم اختفي من مجتمعاتنا العربية. و»السترة«: الجزء العلوي من الحلة للرجال. والمقصود »الجاكتة« و»السروال«: لباس داخلي للرجال. وهذا غير دقيق لانه يعني في مصر شيئا، وفي البلاد العربية المجاورة شيئا آخر! و»الطاقية«: غطاء للرأس من الصوف أو القطن يتخذ في المنزل عادة، ولست أدري ماذا يقول المجمع عن طاقية الفلاح التي يرتديها خارج البيت طوال اليوم؟! و»الفرجية«: ثوب لرجال الدين سابغ واسع طويل الكمين. وهو غير واضح علي الاطلاق. و»المبذلة« حلة يلبسها الأطفال فوق ملابسهم وقت اللعب. وأنا هنا أتحدي أي صاحب عيال ان يتعرف علي تلك المبذلة؟! و»المرولة«: ثوب يقي ملابس الاطفال. وهنا اختار المجمع الموقر ان يستخدم الكلمة بالواو وليس »مريلة« الشائعة بيننا بالياء؟! كما انه قصرها علي الأطفال في حين ان الكبار يستخدمونها عند غسيل الأواني بالمطبخ! أما ما نعرفه جميعا باسم »الجيبة« التي ترتديها الفتيات فقد فضل المجمع تسميتها »النصفية« وتعريفها جزء من الثوب النسوي للنصف الأدني من الجسم؟! الملاحظة الثانية: ان المجمع معذور. لأنه ينطلق من تصور ساكن أو جامد للغة، ولا يدرك العاملون فيه ان اللغة كائن حي يشبه البحر في تموجه الدائم وحركته المستمرة. وكما البحر تماما، يقذف أحيانا ببعض الزبد علي الشاطيء، فإنه يستقبل باتسمرار مياه الأمطار المتجددة. لذلك فإن الامساك بألفاظ اللغة وتحديد معانيها يرتبطان دائما بلحظة معينة، وفترة زمنية محددة. وأخيرا فإن القواميس لم تعد عملا تأمليا تتم صياغتها في المكاتب المغلقة، وانما هي عمل جماعي وفني مركب، تشترك فيه المستحدثات الالكترونية، إلي جانب الفكر العلمي المتطور، والرصد الحي والشامل لحركة اللغة في المجتمع نفسه.