جمال الغيطانى علاقة نجيب محفوظ بالمكان فريدة في التراث الانساني، ليس لانه بقي ملازما للمدينة التي أحبها وعاش فيها، حتي انه لم يغادرها إلا قسرا، مرة إلي اليمن واخري إلي يوغسلافيا بتكليف، وثالثة إلي لندن لاجراء جراحة في القلب، لم يزر الاقصر واسوان، كانت روحه في القاهرة، لقد اكتشفها اديبا وبدونه كانت القاهرة القديمة الحاوية للذاكرة المصرية ستظل مجهولة، علاقة محفوظ بالقاهرة علي مستويين، الأول واقعي وتحوي أماكنه التي احبها وخلال صحبتي الطويلة له دونتها كتابة وبالصوت والصورة في التليفزيون البريطاني عام 8891، ومن خلال حلقات تجليات ادبية في قناة دريم التي اعددت فيها خمس عشرة حلقة عن قاهرة محفوظ، اماكنه الحميمة والخاصة والتي لا يعرفها غيري نتيجة صحبة طويلة ونادرة ونشأة في نفس المكان، المستوي الثاني هو ابداعه شخصيات واحداث رواياته، وهنا نجد حضورا حيا للقاهرة، من كان سيعرف زقاق المدق لولا محفوظ، ذلك الزقاق الصغير، المجهول، والذي وضعه محفوظ في ذاكرة العالم الانسانية والادبية؟ في كل دول العالم الكبيرة والصغيرة يتم التعريف بالأماكن التي عاش فيها كبار ادبائهم وعلمائهم، توضع لوحات صغيرة توضح وتشرح، ولكن كانت زيارتي لأماكن دستويفكسي وتشيخوف مؤثرة في بطرسبورج وموسكو، وأيضا جلوسي مكان همنجواي وايوللينير في مقهي الدوماجو الفرنسي، أو في ركن ساير بمقهي الفلور، التقي بكثيرين في الجمالية اجانب، مصريين، عرب، يبحثون عن السكرية، عن زقاق المدق، ولا يعرفون، دفعني ذلك إلي احصاء أماكن محفوظ منذ عدة سنوات، ومطابقة الواقع علي ما ابدعه، واعددت مشروعا اطلقت عليه »المزارات المحفوظية« وقدمته إلي الدكتور عبدالعظيم وزير محافظ القاهرة، وتحمس الرجل الذي كان مثقفا بحق، محبا لمحفوظ، شكل لجنة من وزارة الثقافة واتحاد الكتاب وكل من له صلة، ثم جري ما جري، وذهب الرجل بعيدا عن منصبه وراح معه المشروع، ومع صعود الاخوان واحتلالهم الدولة أصبح الأمل ضعيفا في تخليد محفوظ أو غيره، إلا ان الأمل في وزير الثقافة المستنير الدكتور صابر عرب، أتمني أن يتم مشروع المزارات وعندي جميع تفاصيله، وأيضا اعلان زقاق المدق محمية ثقافية، اتمني استئناف العمل في المشروعين، بذلك نخلد محفوظ تخليدا حقيقيا، بدلا من تذكره بالندب والبكاء وحزن اليوم الواحد ثم.. النسيان.