جلال عارف كانت الصدمة شديدة، وكاد الأمر يتحول إلي فضيحة حقيقية لا تمس فقط حرية الصحافة، ولكنها تعلن أن الديمقراطية في أزمة، وأن الحريات كلها في خطر! لم يكن معقولا في وقت ننتظر فيه أن تتحصن الحريات، وأن تصدر القرارات التي تلغي الحبس في كل قضايا النشر، أن نفا بعودة الحبس الاحتياطي الذي لم يتعرض له الصحفيون منذ عهود، وأن يساق الزميل إسلام عفيفي إلي سجن طرة في انتظار استكمال محاكمته بتهم منها، إهانة رئيس الجمهورية، في واحدة من القضايا التي توعد حزب الرئيس أن يطارد بها الصحفيين، والتي شملت حتي الآن الزميلين عادل حمودة وعبدالحليم قنديل.. والبقية تأتي! وللخروج من المأزق أصدر الأخ الرئيس مرسي مرسوماً بقانون يلغي الحبس الاحتياطي في القضايا المتعلقة بإهانة رئيس الجمهورية.. وإن ظلت التهمة باقية والمحاكمات مستمرة! والحبس الاحتياطي في قضايا النشر كان قد تم إلغاؤه قبل ستين سنة بعد أن ثبت انه يستخدم كسلاح لترويع الصحفيين وأصحاب الرأي، لكن القانون كان قد أبقي عليه في حالات محددة أهمها إهانة رأس الدولة »الملك ثم رئيس الجمهورية« وقبل وفاة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كان آخر قانون وقعه هو القانون الخاص بنقابة الصحفيين، وفيه تم النص علي عدم جواز حبس الصحفيين احتياطيا في كل قضايا النشر بما فيها القضايا المتعلقة بإهانة رئيس الجمهورية. وظل الأمر كذلك حتي جاءت محاولة اغتيال حرية الصحافة بالقانون المشبوه رقم 39 لسنة 5991. وعند نظر القانون في مجلس الشعب تطوع أحد المتنطعين من أعضاء المجلس بطلب تعديل قانوني يفتح الباب مرة أخري لحبس الصحفيين احتياطيا عند اتهامهم بإهانة رئيس الجمهورية.. وتحقق ذلك بالفعل! خاض الصحفيون بعد ذلك معركة شرسة ورائعة حتي أسقطوا القانون المشبوه، لكن بقي من آثار المعركة هذه الثغرة التي تتعلق بالحبس الاحتياطي. مع ذلك فإنه علي مدي خمسة عشر عاما بعد ذلك، وحتي سقوط النظام السابق، لم يحبس صحفي احتياطيا، ولم يتم استخدام هذا السلاح ضد الصحفيين إلا يوم الخميس الماضي! ولقد تدخل الرئيس مرسي ليمنع الأمر من أن يتحول إلي فضيحة، وأعاد الأوضاع إلي ما كانت عليه قبل نحو عشرين سنة، وهي خطوة ايجابية، لكن الأزمة الحقيقية تبقي مع بقاء العقوبات السالبة للحرية في العديد من قضايا النشر، ومع الإصرار علي هيمنة الحكم علي الإعلام الوطني والصحافة القومية، ومع هذا المناخ المعادي للحريات بعد ثورة رفعت شعار الحرية وشهداء سقطوا في سبيلها!