سمىر غرىب كل الأسباب السابق توضيحها في المقالتين السابقتين هي أسباب شخصية لعدم منح المجلس الأعلي للثقافة لجائزة ما في بعض، أو كثير، من الأحيان لأكثر مستحقيها. لكن هناك أسبابا أخري لها علاقة بنظام الجوائز ذاته. وهو نظام مرتبك علي كل حال. أود أن أشير هنا بداية إلي مفارقة قانونية، وهي أن الذي يمنح جوائز الدولة مجلس ليس له قانون وإنما صادر بموجب قرار جمهوري (رقم 150 لسنة 1980) بينما جوائز الدولة منذ إنشائها وحتي اليوم تنظمها قوانين كما سنوضح حالا. وكان يجب معالجة هذه المفارقة قبل صدور القرار الجمهوري بإنشاء المجلس الأعلي للثقافة، وما زال واجبا حتي الآن وغدا. سوف أتعرض لهذا الموضوع فيما بعد. نذكر أن هذه الجوائز كانت في البداية ولفترة طويلة علي مستويين فقط: التقديرية والتشجيعية. ذلك منذ صدور قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة، جمال عبد الناصر، بالقانون رقم 37 لسنة 1958 بإنشاء »جوائز الدولة للإنتاج الفكري ولتشجيع العلوم والعلوم الاجتماعية والفنون والآداب«. كان الذي يمنح هذه الجوائز المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب. كان المفهوم واضحا في كل درجة. فالتقديرية طبقا لنص القانون »لمن تكون له مؤلفات أو أعمال أو بحوث سبق نشرها أو عرضها أو تنفيذها، وأن يكون لهذا الانتاج قيمة علمية أو فنية ممتازة وأن تظهر فيه دقة البحث والابتكار، وأن يضيف الي العلوم أو الفن شيئا جديدا ينفع الوطن خاصة والانسانية عامة«. بينما ترك القرار بالقانون الجائزة التشجيعية »لأحسن المصنفات والأعمال التي أنتجوها« إلي المتقدمين إليها. كانت قيمة الجائزة التقديرية في بدايتها 2500 جنيه، بينما كانت التشجيعية 500 جنيه بقيمة ذلك الوقت. تضاعفت هذه القيمة بعد 22 سنة! بصدور القانون رقم 161 لسنة 1980 لتصل التقديرية إلي 5000 جنيه والتشجيعية إلي ألف جنيه في عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني زاد مستويا الجائزتان السابقتان مستويين جديدين هما: جائزة مبارك، التي تم تغيير اسمها الي جائزة النيل في ابريل 2011 بعد قيام ثورة يناير المجهضة، وجائزة التفوق. تقدم فاروق حسني عام 1998 بعد مرور عشر سنوات علي توليه وزارة الثقافة، إلي الحكومة بمشروع إنشاء جائزتين جديدتين في فروع الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، هما: جائزة مبارك وجائزة التفوق. تبنت الحكومة المشروع بالطبع وأضافت عليه الجوائز العلمية التي تصوت عليها أكاديمية البحث العلمي. وسن مجلس الشعب القانون رقم 24 لسنة 1998 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 37 لسنة 1958 بإنشاء جوائز الدولة، وقضي التعديل بإنشاء الجائزتين التي يصوت عليها كل من المجلس الأعلي للثقافة وأكاديمية البحث العلمي. كانت قيمة جائزة مبارك في بداياتها 100 ألف جنيه، وكانت قيمة جائزة التفوق 25 ألف جنيه. ورفع القانون ذاته قيمة الجائزة التقديرية إلي 50 ألف جنيه، والتشجيعية إلي عشرة آلاف جنيه. أي تضاعفت قيمة الجوائز عشرة أضعاف بعد 18 سنة بينما تضاعفت مرة واحدة من قبل بعد 22 سنة !! وما مرت بعد ذلك سوي سبع سنوات (فقط) حتي تضاعفت قيمة جائزة مبارك مرة لتصل إلي 200 ألف جنيه وتضاعفت قيمة الجائزة التقديرية لتصل إلي 100 ألف جنيه، وتضاعفت قيمة جائزة التفوق لتصل إلي 50 الف جنيه، والتشجيعية إلي 20 ألف جنيه وذلك بصدور القانون رقم 2 لسنة 2005. وما هي إلا ثلاث سنوات فقط بعد آخر مضاعفة لجوائز الدولة حتي عاجلنا فاروق حسني باقتراح مضاعفة الجوائز مرة أخري، فصدر القانون رقم 117 لسنة 2008 برفع قيمة جائزة مبارك إلي 400 ألف جنيه، وقيمة الجائزة التقديرية إلي 200 ألف جنيه، والتفوق إلي مائة ألف جنيه والتشجيعية إلي 50 ألف جنيه!! أي أنه في الفترة التي تولي فيها فاروق حسني وزارة الثقافة تمت مضاعفة جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية 12 ضعفا ما كانت عليه قبل توليه الوزارة وتم استحداث جائزتين جديدتين تمت مضاعفة قيمتهما المادية مرتين.. أرأيتم كيف أحب فاروق حسني ونظام الرئيس السابق مبارك »المثقفين« كل هذا الحب المادي؟ وقد يتساءل خبيث آخر: أرأيتم كيف تم إغراء »المثقفين« بدخول الحظيرة بكل هذا الإغراء؟ بعيدا عن الحب والإغراء يمكن لي أن أقول إن مبرر إنشاء جائزة مبارك بالذات كان سياسيا أولا وثانيا. وأنا أكتب هنا شهادة شخصية بصفتي شاهد عيان. أولا: جاءت هذه الجائزة ضمن خدمات وزير الثقافة الأسبق للرئيس السابق وضمن هدفه الخاص والمخطط في التقرب منه وضمان استمراره وزيرا لأطول فترة ممكنة. وقد نجح بتفوق في تحقيق هذا الهدف. هنا لا أقصد إطلاقا الهجوم علي وزير الثقافة الأسبق، الذي عملت معه منذ دخوله الوزارة وحتي خروجه منها. لكن هذه شيمتي عند الكتابة، أن لا أكتب سوي الحقيقة مجردة كما وصلت إليها أو وصلت لي. وضمن هذا الهدف المسلسل جاء اقتراح فاروق حسني برفع قيمة الجائزة إلي 400 ألف جنيها، وصدر بذلك القانون رقم 2 لسنة 2005. وفي الوقت نفسه لا يمكن تجاهل فائدة إنشاء جائزة مبارك ورفع قيمتها المادية علي المبدعين والباحثين المصريين. ثانيا: لمضاهاة جوائز كبري في المجالات الثقافية بدأت في الظهور في أكثر من دولة. وكان منطق الوزير هنا أن مصر يجب أن تمنح أكبر جوائز الدولة لمبدعيها. لكنه منح أكبر جوائز الدولة باسم رئيس الدولة، وكأن اسم رئيس الدولة أكبر من اسم الدولة ذاتها.