لافتة معلقة علي الحائط تقول: »الدفع بالتقسيط علي 12شهراً«. اللافتة انتشرت أخيراً في اليونان بعد أن أوشكت الدولة علي إعلان إفلاسها! إعلان »الدفع بالتقسيط« ليس مرفوعاً علي واجهة المحلات التجارية، كما قد تتصوّر، وإنما الجديد والطريف أنها تواجهك بمجرد دخولك غرفة الاستقبال في معظم عيادات كبار الأطباء في أثينا وغيرها من المدن اليونانية! الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها إحدي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي انعكست بشكل مباشر علي دخل ومصروفات المواطن اليوناني، بصفة عامة، والمواطن الفقير.. بصفة خاصة وحادة. واضطر كثيرون إلي إعادة شد، وتضييق الحزام حول بطنه بالاستغناء عن الكثير من »الكماليات« وهي الخطوة التي سبقت التخلي عن بعض أهم الضروريات التي كان من المستحيل في أيام سابقة الاستغناء عنها.. علي رأسها بالطبع التردد علي عيادات الأطباء بحثاً عن علاج للأمراض والأوجاع! ولأن الأطباء في اليونان لا يعيشون في برجهم العاجي الخيالي، وإنما تأثروا بدورهم بالأزمة التي يعاني مرضاهم منها. فإذا كان هناك من المرضي من »جاء علي نفسه« واضطر إلي تأجيل الذهاب إلي عيادة الطبيب توفيراً لأتعابه وتوفيراً أيضاً لفاتورة الأدوية التي سيحددها له، فإن الأطباء أنفسهم فوجئوا بأن تردد المرضي علي عياداتهم، والاتفاق علي إجراءات عمليات جراحية كبيرة أو صغيرة.. قد تضاءل بشكل كبير خلال الشهور العديدة الماضية! واقتنع الأطباء بأن الأزمة الاقتصادية بلغت من الحدة لدرجة أن الكثير جداً من المرضي تحمّلوا أوجاعهم، وتجاهلوا خطورة أمراضهم، واضطروا إلي توفير قيمة فواتيرها لصرفها علي بنود أخري أكثر إلحاحاً، وأهمية.. وكأن العلاج والشفاء من الأمراض لا يتصدران قائمة الأولويات والضروريات المعيشية؟! وقامت نقابة الأطباء اليونانيين بالبحث والفحص والتمحيص في أسباب ومبررات الكساد الذي يخيم حالياً علي عيادات الأطباء الأعضاء، فتبين لها أن ضآلة السيولة في جيوب وأيدي المرضي اضطرتهم إلي الابتعاد عن العيادات، وفي حالة اشتداد الألم فإنهم يلجأون إلي »الوصفات البلدية الأثرية« التي كان يتعاطاها اليونانيون القدماء للشفاء من أمراضهم! وحتي إن لم تُجد تلك الوصفات البدائية في توفيرالعلاج، فإن البعض كان يضطر إلي تحديد أوجاعهم وتشخيص أمراضهم لمديري الصيدليات، في محاولة يائسة لإقناعهم بصرف الأدوية بدون »روشتة« لأن إمكانياتهم المادية تحول دون ترددهم علي عيادات الأطباء! والحل؟ ابتكره البعض وتحمس له البعض الآخر ، ويتلخص في وضع لافتة في مدخل عياداتهم تبشر المترددين عليها بإمكانية تشخيص الأمراض، ووصف علاجها، وإجراء عملياتها الجراحية، بالتقسيط المريح الذي يمتد لشهور و سنوات! وتقول صحيفة »تانيا« أن أكثر المتحمسين لنظام التقسيط هم أطباء الأسنان الذين يعانون أكثر من غيرهم نتيجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة الحالية. ونقلت الصحيفة اليونانية عن طبيب أسنان قوله:» إن متوسط ما يصرفه المواطن لعلاج أسنانه يتراوح بشكل روتيني بين 200و400»يورو« سنوياً. أما إذا احتاج المريض إلي عمليات جراحية، أو إلي تركيبات صناعية لأسنانه فإن التكاليف ستكون باهظة يستحيل تحمّلها مع استمرار تفاقم أزمة اختفاء السيولة النقدية الحالية من الأيدي والجيوب! فسعر تركيب »الكوبري« العادي يمكن أن يصل إلي 3200يورو.. وهو ما يعجز كثيرون عن دفعه. والكساد في اليونان ضرب أيضاً عيادات ومستشفيات الجراحة بمختلف تخصصاتها. والحل وجدوه أو يسعون لإيجاده من خلال الاتفاق مع البنوك لكي توافق علي منح المرضي قروضاً يسددون منها بالبطاقة الائتمانية تكاليف الجراحات، والإقامة في المستشفيات الخاصة والعامة. فمثلاً.. المستشفي الرئيسي في أثينا »إيازو« اتفق مع البنك الوطني اليوناني علي نظام دفع تيسيري تحت اسم:»إقامة صحية«، ويوفر إقامة كاملة في المستشفي لمدة يومين بعد إجراء الجراحة، ويسدد المريض بالكارت علي أقساط لمدة ستة شهور أو أكثر إلي جانب الفائدة طبعاً. ولأن الأزمة ترهق الميسرين أيضاً، فإن معظمهم اضطروا إلي اللجوء إلي المستشفيات العامة بدلاً من الخاصة لرخص أسعار الأولي عن الثانية. ورغم التيسيرات المتاحة لنظام الدفع، فإن نقابة الأطباء سجلت تراجع إيرادات المستشفيات، والمصحات، والعيادات الخاصة، بنسبة20٪علي الأقل خلال عام 2009 وهو ما شجع علي ابتكار المزيد من اللافتات الإعلانية والتشجيعية، أطرفها وأظرفها لافتة رفعها أطباء، داخل عياداتهم، تبشر المرضي ب: » إدفع 3 زيارات تحصل علي الرابعة.. مجاناً«! إبراهيم سعده [email protected]