الحديث عن السياسة الخارجية المصرية ينتابه احيانا كثيرة الكثير من اللغط، وخاصة بشأن الدور المصري أو أولويات هذه السياسة. الكل يبدي الرأي، أو »يفتي« سواء كان متخصصا أو متابعا للأحداث أو مجرد هاوي كلام في السياسة، ولا مشكلة في ذلك. ولكن المشكلة فيمن يسخرون وجهة نظرهم حسب أهوائهم لا حسب التقييم الموضوعي السليم، والذي يأخذ في الاعتبار متغيرات سياسية وأقتصادية عالمية وأقليمية علي مدي 05 عاما من الزمن. كل يريد أن يوقف الزمن حسب توجهه السياسي أو حسب هواه ومزاجه ورأيه الشخصي. وليس من منطلق مصلحة دولة كانت وستظل لها وضعها الخاص القوي والمؤثر واللاعب الرئيسي في المنطقة. ومن هنا تأتي أهمية الدراسة الصادرة عن المجلس المصري للشئون الخارجية للدكتور السيد أمين شلبي وهو الدبلوماسي القدير والمحنك والتي صدرت تحت عنوان »السياسة الخارجية المصرية: ثلاثة عهود »جمال عبدالناصر - أنور السادات - حسني مبارك«. وتتناول الدراسة موقف السياسة الخارجية لمصر في سياق البيئة الاقليمية والدولية والواقع المصري الذي جرت وأديرت فيه هذه السياسة«. فلكل وقت قضاياه ولكل عصر أولويات مصلحة بلاده وتوجهاته داخليا واقليميا وعالميا. أمر طبيعي ألا تكون قضايا مصر والعالم في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كما هي في السبعينات أو الثمانينات ولن تكون قضايا وأوضاع هذين العقدين كما هي الآن. الدراسة تحمل عنوانا لسياسة مصر الخارجية في عهد الرئيس عبدالناصر »الجمهورية العربية«، وفي عهد الرئيس السادات »مصر أولا«، بينما في عهد الرئيس مبارك »البحث عن التوازن«. حيث كان الهدف الرئيسي أمام الرئيس مبارك استعادة الاستقرار الي الواقع السياسي والاجتماعي، وتصحيح العلاقة مع العالم العربي. وكان من أقوي التحديات التوصل الي صيغة تجمع ما بين استمرار علاقة مصر ومكانها التقليدي في العالم العربي، وبين استمرار التزامها بسلام تعاقدي مع اسرائيل. وقد أتبعت مصر سياسة تحلت بالصبر وتوازن أمكنها التوصل الي حل هذه المعادلة. ورغم التغير في البيئة الاقليمية وما صاحبها من تغير جذري في النظام الدولي بانتهاء الحرب الباردة، استطاعت مصر ان تكون قوة استقرار وسط العواصف التي تحيط بالمنطقة وعدم استدراجها الي مواجهات. وأصبحت القوي الرئيسية في العالم تنظر اليها كعامل استقرار وتعتمد عليها وتنسق معها في مبادراتها بالمنطقة وخاصة القضية الفلسطينية والتي تعد محورا أساسيا في السياسة الخارجية المصرية. يقول الدكتور السيد أمين شلبي في دراسته. حين نحاول أن نلخص دوافع السياسة الخارجية لمصر خلال عهود ناصر والسادات ومبارك والإعتبارات الموضوعية والشخصية التي صاغتها فسنجد انه في الوقت الذي كانت فيه سياسة ناصر الخارجية من رؤيته الشخصية وتقييمه لدور مصر في بنيتها الاستراتيجية الأوسع، وما تميز به عهده من صعود حركات التحرر والاستقلال الوطني، فان سياسة السادات الخارجية قد تركزت أساسا علي مصالح مصر المباشرة وتأثرت بفهمه وتقديره للإرتباطات الاقليمية والدولية التي تخدم بشكل أكثر هذه المصالح. أما سياسة مبارك الخارجية فقد تحددت من يومها الأول بضرورات الوضع الداخلي. والواقع انه اكثر من أي وقت مضي صيغت السياسة الخارجية ووجهت بعناية كأداة لخلق الظروف الاقليمية والدولية التي تخدم عمليات البناء الداخلي في هذا السياق. فان المراقب يستطيع ان يدرك العلاقة الوثيقة التي تطورت خلال عهد الرئيس مبارك بين استمرار السياسة الخارجية المصرية كعنصر استقرار في منطقتها وبين جهودها لكي تواجه وتعالج بشكل فعال تحدياتها الداخلية. والمعني والدرس المباشر لهذه العلاقة هو أن نجاح مصر في تحقيق أهدافها الداخلية، إنما هو في صالح الأمن والاستقرار لمنطقة لها مثل هذا التأثير والارتباط بالاستقرار والأمن الدوليين.