يعتقد المحلل والمعلق الاسرائيلي »جدعون ليفي« ان الخرافة الكبري التي تهيمن علي الشرق الاوسط الآن هي المفاوضات المباشرة الفلسطينية الاسرائيلية الجارية تحت رعاية الولاياتالمتحدة. وفي فترة زمنية سابقة كان هذا المعلق يري ان هناك جدوي من المفاوضات، اما الان فانه مقتنع، من البداية، بأنها عمل من اعمال الخداع وضرب من الاحتيال وان فشلها محتوم. لماذا هذا التشاؤم الذي جاء في حديث جدعون ليفي مع المحلل الامريكي »جوهان هاري« بمناسبة صدور كتاب جديد بعنوان »معاقبة غزة« من تأليف ليفي؟. يري جدعون ليفي ان هناك اختبارا بسيطا للغاية يمكن الحكم، من خلاله، علي جدية أي مفاوضات فمن البديهي ان تفرض ضرورات السلام.. قيام اسرائيل بتفكيك المستوطنات. واذا كانت اسرائيل ستتولي تفكيك المستوطنات في القريب العاجل، فانه لابد من التوقف عن بناء المزيد منها الان.. غير ان الاسرائيليين يواصلون بناء المستوطنات حتي اثناء المفاوضات التي سبقت توقيع اتفاقيات اسلو. والان يمضي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في عمليات البناء الاستيطاني في القدسالشرقية، ولم يتوقف عن نفس النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية.. حتي في ظل التجميد الشكلي، الذي سبق ان اعلن عنه. ويؤكد جدعون ليفي ان نتنياهو مثله في ذلك مثل اولئك الذين يزعمون انهم يقفون علي يساره، ويقدمون انفسهم كبدائل ايهود باراك، زعيم حزب العمل، وتسيبي ليفني، زعيمة حزب كاديما قد عارضوا دائما اجراء محادثات سلام حقيقية، بل لقد تفاخروا بأنهم حطموا عملية اوسلو، وفي عام 7991 اصر نتنياهو بعد ان تولي رئاسة الحكومة لاول مرة، علي انه لن يواصل المحادثات مع الفلسطينيين الا في حالة واحدة فقط، هي اضافة »مبدأ« او »قاعدة للتعرض« مفادها ان اسرائيل ليست مضطرة للانسحاب من »مواقع عسكرية«. ولم يحدد نتنياهو تلك المواقع. وفي وقت لاحق، سمع الجميع شريطا مسجلا بصوت نتنياهو يقول فيه: »لعلكم تريدون ان تعرفوا اهمية هذا »المبدأ« او »القاعدة« ان هذه الاهمية تكمن في انه منذ تلك اللحظة التي اعلنت فيها هذا المطلب، وما بعدها، قررت انهاء ودفن اتفاقيات اوسلو«!!. ويساءل جدعون ليفي: اذا كان نتنياهو قد تباهي وتفاخر بأنه انهي ودفن آخر عملية سلام، فلماذا يريد للمفاوضات الجارية الان ان تنجح؟!.
ويعتقد المحلل الاسرائيلي ليفي ان مفاوضات »السلام« المزيفة الجارية الان اسوأ من عدم اجراء مفاوضات علي الاطلاق، والسبب انه اذا كانت هناك مفاوضات، لن يكون هناك ضغط دولي، وعلي العالم ان يلزم الهدوء ويتابع في صمت المناقشات الجارية، وان لا يعكر صفو المسئولين الاسرائيليين بأي شيء يزعجهم مثل مطالبتهم بالتوقيع علي المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي لان مثل هذه المطالب قد »تفسد« المفاوضات، وربما تؤدي المطالبة بمحاسبة مجرمي الحرب عن مجازر غزة او لبنان او العدوان علي اسطول الحرية »قافلة المساعدات الغذائية للفلسطينيين« الي نسف المفاوضات!. اما الاستيطان والتهويد وهدم بيوت الفلسطينيين ومصادرة اراضيهم واقتلاع مزروعاتهم واعتقالهم واغتيالهم.. فان ذلك كله يمكن ان يستمر بدون انقطاع! ولا يسبب اي انزعاج لاحد!. وهذا هو السبب في اعتقاد محلل مثل ليفي بان المفاوضات العقيمة.. هي مفاوضات خطرة، بل انه تحت غطاء مثل هذه المفاوضات.. سوف تتضاءل فرص السلام. وفي رأي كاتب هذه السطور ان الرئيس الامريكي باراك اوباما بذل جهوده لكي تبدأ هذه المفاوضات، لانه اراد قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الامريكي ان يحقق ولو في الظاهر اي »اختراق« دبلوماسي بعد فشله في العراق وافغانستان وباكستان وفي الحرب علي الارهاب. اما لماذا وافق نتنياهو علي الدخول في هذه المفاوضات، رغم انه لا يعتزم الاستجابة للاماني القومية الفلسطينية، فان المعلق الاسرائيلي ليفي يجيب علي هذا السؤال بقوله ان نتنياهو يرغب في الحصول علي تأييد امريكي لقصف ايران، ولكي يحصل علي هذا التأييد، فانه يحتاج الي تقديم خدمة شكلية او صورية او لفظية لطلبات اوباما باجراء هذه المفاوضات. وهنا يؤكد جدعون ليفي قائلا: ان الحقائق واضحة.. اذ لا توجد لدي اسرائيل اية نية حقيقية للانسحاب من الاراضي المحتلة عام 7691 او السماح للشعب الفلسطيني بممارسة حقوقه، كما انه لن يحدث اي تغيير في اسرائيل اليوم، فهي راضية عن نفسها ومطمئنة، وتشعر بتفوقها ومولعة بالحروب ومتشوقة لخوضها.
ويعتبر جدعون ليفي انه جاء وقت وضع برنامج لاعادة تأهيل اسرائيل واصلاح اوضاعها.. فالملاحظ ان معظم الاسرائيليين يؤيدون حل الدولتين وفقا لاستطلاعات الرأي، ولكنهم ينتخبون حكومات توسع النشاط الاستيطاني، وبالتالي يصبح حل الدولتين مستحيلا في الواقع العملي. ويقول ليفي ان هذا الامر يحتاج الي طبيب نفساني ليفسر لنا هذا التناقض.. فهل يتوقعون ان تهبط الدولتان من السماء؟! ويقول ايضا انه لا يوجد الان لدي الاسرائيليين سبب يدفعهم لاحداث اي تغيير في سياساتهم، فالحياة في اسرائيل تمضي علي خير ما يرام.. ولا احد يتحدث عن الاحتلال لماذا اذن يشغلون انفسهم باحداث تغيير؟ اغلبية الاسرائيليين تفكر في العطلة القادمة والسيارة الجديدة.. وما عدا ذلك من أمور.. لم يعد يثير اهتمامهم. ورغم ان الاسرائيليين تشبعوا بالتاريخ الي حد التسمم فيما يري ليفي الا انهم كثيرا ما يتغافلون عن دروسه. والميادين في شوارع اسرائيل خالية منذ سنوات.. واذا لم تكن قد حدثت احتجاجات لها وزنها علي عملية »الرصاص المصهور« الهجوم علي غزة فان ذلك يعني، في رأي ليفي، ان اليسار الاسرائيلي لم يعد له وجود.. والمجموعات الوحيدة النشطة التي تشن الحملات المستمرة هي مجموعات المستوطنين. ويرجح المحلل الاسرائيلي ان يتجه المجتمع في اسرائيل، اكثر فأكثر، نحو نظام سافر للفصل العنصري.
ومن النقاط المهمة التي يتناولها جدعون ليفي: ان اسرائيل لا تدفع اي ثمن. الاسرائيليون لا يدفعون اي ثمن لما يرتكبونه من فظائع في ظل الاحتلال، ولذلك فان الاحتلال لن ينتهي ابدا.. الا اذا ادرك الاسرائيليون العلاقة بين الاحتلال والثمن الذي سيضطرون الي دفعه، ولن يحدث في اي يوم من الايام ان يقوم الاسرائيليون بانهاء هذا الاحتلال بمبادرة من جانبهم. وفي رأي المحلل الاسرائيلي ان مقاطعة اسرائيل من جانب دول العالم لن تحل شيئا وستكون، بالنسبة للاسرائيليين، دليلا علي ان العالم »مناهض للسامية وسيظل يكره اليهود علي الدوام«!!. هنا يقرر جدعون ليفي ان يكون صريحا حتي النهاية. يقول: ان هناك نوعا واحدا من الضغط يمكن ان يعيد اسرائيل الي السلامة العقلية والامان. انه اليوم الذي يقرر فيه رئيس الولاياتالمتحدةالامريكية انهاء الاحتلال. عندئذ سينتهي الاحتلال. فإسرائيل لم تكن في اي يوم من الايام معتمدة علي الولاياتالمتحدة وفي حاجة اليها.. كما هو الحال الان. ولا تعتمد اسرائيل علي امريكا اقتصاديا وعسكريا فقط، وانما وقبل كل شيء سياسيا، فهي معزولة تماما في الوقت الحاضر، ولا تجد الدفء الا في احضان واشنطن. وكان ليفي مثل غيره يعلق آمالا علي اوباما ويأمل »ان يفعلها« ولكن كل ما صدر عنه حتي الان ليس سوي مجرد خطوات صغيرة جدا، بل ربما يمكن القول بأنه لم يفعل شيئا، وهذه الخطوات الضئيلة للغاية تعد بمثابة لاشيء في وقت تلح فيه الحاجة الي خطوات كبيرة جدا. ووفقا لتقديرات المعلق الاسرائيلي، فان الضغط الخارجي يمكن ان يكون مؤثرا علي اسرائيل اذا صدر من امريكا، اما الضغوط من جانب دول اخري، فانه يعتقد انها قد لاتكون مؤثرة. ولكن المشكلة هي انه لايوجد اي ضغط امريكي. والمجتمع الاسرائيلي لن يتغير من تلقاء نفسه. والفلسطينيون.. من الضعف بحيث لا يستطيعون تغييره. ولكن من يدري؟ يقول ليفي: لو ان احدا قال لك في اواخر الثمانينيات ان حائط برلين سوف يسقط خلال بضعة شهور، وان الاتحاد السوفيتي سوف يختفي من الوجود، وكذلك نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا.. لكنت قد سخرت من كلامه وخيالاته. مرة اخري.. من يدري ما سيحدث؟ علينا ان نكون واقعيين بالدرجة التي تكفي للايمان بالمعجزات.