يا خسارة، خلصت الاحلام، ونضب الطموح، والامل أصبح فعلا ماضيا، الدنيا اتغيرت، ولم يصبح »الصح صح، ولا »الغلط غلط«، لم تعد هناك ثوابت، ولا قواعد لأي شيء. الحياة تحولت الي سيرك كبير، ومن يرد العيش فيها ومسايرتها، فلابد أن يمتلك ادواتها ويتقن مهاراتها. فلابد أن يكون »بهلوان« يجيد المشي علي الحبل، ولا يقع، فلا أرض ثابتة تحت قدميه، واذا نظر لأسفل، أو اراد أن يستريح، أو يغمض عينيه، فسيقع في هوة سحيقة وتنكسر رقبته وعظامه، ويعيش معاقا، ولن يجد من يناوله كوب ماء. وأن يكون »حاوي« يتقن السير علي الزجاج المكسور والاشواك وإلا نزف، وتألم، وتقطع جلده وعروقه، سواء كان ماشيا أو واقفا، وستسيل دماؤه حتي الموت، ولا ينتظر أن يسعفه أحد، فمن ذا الذي سيدوس علي الاشواك لينقذه. ويتقن ايضا أكل النيران، وإلا سيتسمم مع أول لقمة ملوثة أو فاسدة يأكلها، ووقتها سيتمني الموت هربا من الألم. وأن يكون »بلياتشو « يجيد تلوين وجهه، ويبدو للاخرين ومن حوله علي غير حقيقته، فوجهه يبكي حتي لو كان سعيدا، ويضحك وقت أن يكون تعيسا، وقويا يوم ضعفه، وضعيفا حين قوته، وأن تكون دائما ملامحه ودموعه وابتسامته مزيفة ليرضي الاخرين، ويبقي طول العمر كاذبا مع نفسه وعلي الآخرين، لانه اذا حاول أن يغسل الاصباغ ويمحوها من وجهه، سيلومه الاخرون علي ضعفه، ويصفونه بالمفتري يوم قوته، فيصبح علي صدقه نادما، وسيعود الي حالة الكذب التي يحبها الناس. وان يكون »ساحر« يسحر عيون الاخرين بحيل وأفعال خادعة، ورغم انهم يعلمون في قرارة انفسهم انها خدع لكنهم سيصفقون له. وكلما كانت الحيل مغرقة في الخيال وخارج نطاق المنطق كان التصفيق عاليا ومستمرا وأصبح دائما في المقدمة. وان يكون »مروض« للحيوانات المفترسة حتي لا تلتهمه اذا ادار لها ظهره ، ويكن حريصا دائما علي أن يمسك في يد قطعة لحم وفي الاخري »كرباج«، وأن يظل يقظا طوال الوقت، ومهما كانت قدرته ومهارته فسيظل دائما جاهلا بردود افعال الحيوانات المفترسة تجاه اي حركة. فقد يهجم عليه أحدها حتي ان كان قد أطعمه حتي الشبع، ودلله حتي الثمالة، وروضه لحد الاتقان، لانه سيتربص به، وينتهز فرصة انشغاله مع غيره، وانه قد آمن شره، فسيتربص به ويلتهمه وينتزع احشاءه وسيفزع كل من يراه ويري اشلاءه واحشاءه متناثرة، ويري من يأكل لحمه حتي بعد موته وخروج روحه ولكنهم لن يقتلوا من افترسه طالما بقي داخل القفص المغلق، وبينه وبينهم اسلاك حديدية، ولن يتنبه احد لخطورته ولن يفكر في ان الدور سيكون عليه، إلا اذا قفز المفترس خارج القفص. كثيرون يجيدون لعب وممارسة هذه الادوار، وآخرون يعجزون! بالذمة دي تبقي حياه، ولا يبقي فيها أمل! [email protected]