أساتذة التربية: احترام المعلم مرهون بإلغاء الدروس الخصوصية وتوفير حياة گريمة له مدرس رياضيات يصيب تلميذ بكسر في ذراعه ببولاق الدكرور، واخر ينهال ضربا علي طالب بعصا خشبية ومدرسة تعتدي علي تلميذة بالشلوت.. كان ذلك اهم الاتهامات التي تضمنها البلاغ الذي تقدمت به المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة للنائب العام لتدين فيه التعدي علي طلاب وتلاميذ المدارس بفصول وزارة التعليم بعد التصريحات التي أدلي بها وزير التعليم بمجلس الشوري والتي أكد خلالها علي ضرورة عوده هيبة المدرس. وامام هذه الوقائع التي تضمنها البلاغ يتضح أن المدرسين اعتقدوا ان تصريح الوزير هو بمثابة فيتو لممارسة الضرب والعنف البدني ضد التلاميذ من أجل استعادة الهيبة والاحترام المفقود..لنجد أنفسنا أمام معادلة صعبة وهي كيفية تحقيق الهيبة والوقار للمدرس من خلال اسلوب تربوي قويم يحافظ علي القيم التعليمية والتربية بدون الاهانة والسب والضرب كما تعودنا عليه في الماضي عندما كان المدرس هو الاب الثاني للتلميذ الذي يوجهه ويرشده الي الثواب واذا عاقبه فيكون العقاب ليس مبرحا أو مهينا. " الاخبار" تناقش خبراء التربية وعلماء الاجتماع والمدرسين وأولياء الامورلفك رموز وشفرات هذه المعادلة حتي تعود العلاقة الحميمية مرة أخري بيناهم عنصرين في العملية التعليمية وهما "المدرس وتلميذه". في البداية يجب التأكيد أن مسلسل الضرب والاعتداء في المدارس لا يزال مستمرا، سواء كان الاعتداء منصبا من المدرسين علي التلاميذ أو العكس أو حتي بين المدرسين وبعضهم البعض ، وقد جاءت مؤخرا واقعة اعتداء مدرس علي تلميذ وضربه ضربا مبرحا لعدم حفظه آيات من القرأن الكريم لتؤكد أن العنف والضرب هو اسلوب الحوار في المدارس، وان المدرسين لا يزال في اعتقادهم ان الهيبة لا تتحقق الا من خلال استخدام العصا لترهيب الطلاب واجبارهم علي الخوف من المدرسين، وفي هذا السياق تقول أمينة حسين مدرسة علوم أن المدرس لا يكتسب هيبته بالعصا ، وانما بقوة شخصيته وقدرته علي التواصل وفهم طلابه ومعرفته بالوقت الذي يتطلب الشدة والوقت الذي يجب أن يتعامل باللين وكذلك معرفته بالفروق الفردية والعقلية للطلاب وكيفية التعامل مع كل نوعية علي حده . أسباب العنف ومن جانبه يري عبد الفتاح حسني مدرس لغة عربية أن وزارة التربية والتعليم تمتلك العصا السحرية لمنع استخدام العصا في ضرب التلاميذ حيث بامكانها أن تقوم بتطوير المناهج والغاء الحشو الذي لا فائدة منه تماما ، فهذا الحشو والمعلومات الزائدة يخلق حواجز وعوائق تمنع وصول شرح المدرس الي تلاميذه ومن ثم قد يلجأ الي العنف والضرب كوسيلة لوصول المعلومة، ومن هنا ينبغي علي الوزارة أن تعيد النظر مرة أخري في مناهجها بحيث تعتمد علي الفهم بدلا من الحفظ والتلقين ومن ثم سيجد المدرس سهولة في توصيل المعلومة ويشعر الطالب أيضا بعدم تواجد ضغوط واقعة عليه. وتعترف مني عبدالله مدرسة دراسات ومواد اجتماعية أنها كانت تلجأ في بعض الاحيان الي استخدام العقاب البدني مع تلاميذها كوسيلة للمذاكرة والاجبار علي الالتزام الا انها اكتشفت بأن الضرب يأتي بتيجة عكسية تجعل التلاميذ يكرهون المدرسة والمدرس والمادة في آن واحد كما يؤدي الضرب ايضا الي اصابة الطلاب بنوع من التبلد وعدم الخوف ومن ثم يخرج بعض المدرسين عن أعصابهم بشكل أكبر ، وتري مني أن الحل الوحيدوالبديل للعقاب البدني هو العقاب النفسي والذي وجدت فيه نتائج ايجابية كالحرمان من الفسحة المدرسية أو تأدية واجبات بشكل اكبر من الزملاء أو الوقوف لفترة معينة داخل المقعد أو استدعاء ولي الامر، وتضيف انها كانت تلجأ في نفس الوقت الي تشجيع الطلاب المجتهدين وتوزيع هدايا عينية علي المتفوقين. من أجل تحفيزهم وفقا لميثاق شرف المهنة الذي من المفترض أن نلتزم به. وفي الوقت ذاته أبدي اولياء الامور تخوفهم من بلطجة وتهور بعض المدرسين وتقول نيفين شاكر ربة منزل إنها تستغرب من لجوء بعض المدرسين الي الضرب خاصة أن الوزارة تسمي بوزارة التربية والتعليم، وهذا يعني ان التربية تتحقق بالتوجيه والارشاد وليس بالعنف والضرب ،ويتفق معها خالد فوزي محام في ان الضرب كمبدأ تعليمي مرفوض موضحا انه قام بنقل ابنه من مدرسه الي أخري بسبب تعمد مدرس ضرب ابنه لاجباره علي الذهاب اليه لتلقي دروس خصوصية، ويشير أن المدرسين تناسوا أن المدرسة مكان للتربية والتعليم والتوجيه والارشاد وليس مكانا لاحداث عاهات مستديمة للتلاميذ. هيبة المدرس محفوظة ومن أجل وضع حلول لهذه المشكلة التي تهدد أبناءنا أكد الدكتور محمد عبد الظاهر أستاذ التربية والعميد السابق لكلية التربية جامعة طنطا ان هيبة المدرس لا تعني استخدام العصا من أجل تحقيق الهيبة والوقار والاحترام، ففي العقود الماضية كانت هيبة المدرس محفوظة لا يجوز لاحد الاقتراب منها أو التقليل من شأنها بالرغم من عدم استخدام العصا، مشيرا الي ان تحقيق المعادلة بين فرض الهيبة وعدم اللجوء الي الضرب والعنف ليست بالامر الصعب المستحيل ولكن من الممكن الوصول اليها وفك شفراتها، ويتطلب ذلك عدة اجراءات اولها أن يكون المعلم من خريجي كلية التربية وليس أية كلية أخري حتي يكون مدركا لقواعد التربية السليمة ومدي دوره في توجيه واعداد وتقويم أجيال من النشء سوف يقوم عليها أساسات أمة بأكملها في المستقبل، كما يجب أن يدرك أن الضرب والعنف من شأنهما خلق جيل معقد كارها ذاته ومجتمعه ومحيطه ويشير انه لكي يستعيد المدرس هيبته لابد من النظر الي مهنة التدريس علي انها مهنة وليست وظيفة، فاذا كان هناك عيوب في كليات التربية فيجب اصلاحها، حتي لانقتل المريض للقضاء علي المرض، فمهما كانت العيوب في الكليات التربوية وفي خريجيها فلابد من معالجتها، فلابد ان تكون كلية الطب هي التي تنجب اطباء وكلية الشرطة تخرج ضباط شرطة، وكذلك لابد ان تكون كليات التربية هي التي تفرز للمجتمع مدرسين. ويضيف . عبد الظاهر أنه يجب أيضا أن يتم توفير حياة كريمة للمدرس حتي يتخلص من الاعباء والضغوط المادية الواقعة عليه ، فمع تزايد هذه الضغوط يزداد احتقان وغضب المدرس ومن ثم قد يلجأ البعض من المدرسين الي استخدام العنف مع التلاميذ كوسيلة للتنفس عن الضغوط المكنونة، ويعبر الواقع عن صدق هذا الكلام ، فماذا ننتظر من مدرس بعقد يتقاضي 150 جنيها شهريا أو مدرس يعمل بالحصة ؟!!، لذلك يطالب د. عبد الظاهر بضرورة اعادة النظر في دخول المدرسين مرة أخري حتي يتم التغلب علي ضغوطه ، وبالتالي يجب علي وزارة التربية والتعليم التي تنفق ملايين الدولارات في أشياء وهمية ان توجه هذه الاموال في توفير الحياة الكريمة للمدرس الذي أصبح في ذيل قائمة الشرائح الاجتماعية. الدروس الخصوصية ويري الدكتور محمد المفتي أستاذ التربية والمناهج بكلية التربية جامعة عين شمس أن المدرس يجب أن يلتزم بمبدأ الصواب والعقاب بعيدا عن العقاب البدني والعنف في التعامل مع الطلاب ليستطيع بذلك أن يؤدي رسالته ويستعيد مكانته المرموقة بين المهن الأخري،مشيرا الي هيبة المدرس أمام تلاميذه تعتبر أمرا بديهيا لا نقاش فيه ، فهذه الهيبة ليست مكتسبة ولكنها فطرية وينادي د. المفتي بضرورة اتخاذ إجراءات جادة من قبل وزارة التربية والتعليم لمنع الدروس الخصوصية حتي تظل صورة المعلم أمام طلابه صورة ايجابية تعكس دوره كمربي للنشء يعلمهم الصواب ويصحح لهم الخطأ، ويتفق د. المفتي مع تصريحات د. احمد زكي بدر وزير التربية والتعليم والتي أكد خلالها علي ضرورة عودة الهيبة والمكانة للمدرس مرة أخري بعد أن تم إهدارها علي مدار الأعوام السابقة ، ويري الدكتور المفتي أن عودة الهيبة للدرس مرة أخري مرهون بحزمة من الدعائم التي نجعل المدرس عنصرا فعالا في العملية التعليمية،ويأتي في مقدمة هذه الدعائم ضرورة تمكن المدرس من مادته التخصصية وقدرته علي تنمية الجانب المعرفي والجانب العقلي لطلابه، كما ينبغي علي المعلم أن يتمسك أيضا بأخلاقيات مهنة التعليم والتزامه بميثاق شرف المعلم والذي يتضمن تحلي المعلم بقيم مجتمعه ومراعاته للموضوعية في معاملة طلابه وتلاميذه بحيث يلتزم الحياد ولا يفرق بين الطلاب علي أساس المستوي الاجتماعي أو الاقتصادي أو قدرات الفهم والاستيعاب أو تلقي الدروس الخصوصية. منظومة التعليم وبلهجة شديدة اكدت د. عزة كريم أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاحتماعية و الجنائية أن هيبة المدرس لا تعود بالكلام ولكن يجب أن نبحث أولا عن أسباب تواجد هذه الهيبة قبل ذلك واندثارها حاليا؟ مشيرة أن وضع المدرس داخل المدرسة الان هو السبب الرئيسي في ضياع هذه الهيبة متسائلة: كيف يحصل المدرس علي هيبته من تلميذ محتاج اليه كل أول شهر بسسب الدروس الخصوصية ، موضحة انه في الماضي كان المدرس هو الذي يساعد التلاميذ غير القادرين ويساهم في دفع تكاليف ومصروفات الدراسة لهم أما الان فالوضع تبدل تماما!!. وتضيف د. عزة أن هيبة المدرس لن تتحقق الا من خلال تحسن الوضع المالي للمدرس بحيث يستغني عن الدروس الخصوصية بالاضافة الي تطوير المناهج وتنقيتها وفلترتها لان الحشو المتواجد بداخلها تجعل علاقة التلميذ بالمدرس علاقة غير سوية وينشأ بينهم توترات ومشاحنات قد تصل الي العنف والضرب أحيانا من كلا الطرفين، كما ينبغي أيضا العمل علي الغاء تكدس الفصول لانه من الطبيعي جدا ان الضغوط ستزداد علي المدرس من كل جانب عندما يشرح في فصل عدد تلاميذه يتجاوز 60 تلميذا، فمن المؤكد ان الامور ستخرج عن زمامه وتحكمه ومن المؤكد ان المدرس سيلجأ الي الضرب والعنف لفرض شخصيته، لذلك فان وضع حلول للتكدس سيساهم في حل مشكلة العنف ، لتؤكد د. عزة في النهاية ان المشكلة ليست في الضرب من عدمه ولكن في الظروف الاجتماعية المحيطة بالمنظومة التعليمية بأكملها ، فمع وضع أيدينا علي مناطق جروح وشروخ هذه المنظومة وتحديد العلاج السليم سنسير بالتعليم في مصر الي بر الامان. لغة الحوار ومن جانبها أكدت د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ان الوزارة يجب أن توفر للمدرس أساليب تجبر التلميذ علي احترام مدرسه بدلا من الضرب والعنف البدني ، وقد يتحقق ذلك من خلال اسلوب الثواب والعقاب ،كما يجب علي المدرس أن يحترم نفسه أمام تلاميذه وأن يكون صاحب شخصية ثقافية تعليمية تعي دورها في تكوين شخصية النشء ودورها في اعداد قيادات المستقبل، ومن ثم يعود المدرس القدوة لتلاميذه مرة أخري كما كان في الماضي عندما كان يوجد لقب " أم المعلمين" التي يمنح لمدرسة كل عام وأضافت انه للاسف الشديد أن العلاقة الحميمة والأمن مفقودان بين المعلم وطلابه ، وعلي المعلم أن يراجع سلوكه وطريقة تعامله مع طلابه والعكس صحيح بان يعود الاحترام والهيبة للمعلم حتي يستطيع القيام بمهمته التربوية والتعليمية. وتشير الي لغة الحوار التي غابت الامر الذي اثر سلبا علي التعليم، حيث ان الطالب لا يجد لغة حوار بين الاهل وذلك في ظل الحالة الاقتصادية السيئة، ولم يعد يعلم ما هي لغة الحوار حيث ان الاسرة اصبح صوتها عاليا والحوار اصبح منعدما، الامر نفسه اثر علي العملية التعليمية، حيث ان المعلم ما هو الا مواطن يعاني والحالة الاقتصادية تؤثر عليه بشكل كبير، وهذا بالطبع يجعل حالته عصبية بصفة دائمة، الامر الذي يجعله لا يستخدم اسلوب الحوار في حديثه، ويعتمد علي الشدة كما فقد المعلم هيبته، بعد ان اعتمد علي الدروس الخصوصية، مما جعله تحت سيطرة الطالب الذي يدفع له، واحيانا يمد عليه يده، بسبب انه لم يعد قدوة له مما جعل الحوار بينه وبين الطالب منعدما ، وحل محله لغة العنف بصورة واضحة، وكل ذلك انعكس علي حالة المجتمع بأسره، لذلك تحسين الوضع الاقتصادي للمدرس امر حتمي سيقضي علي المشاكل السابقة.