»التوقف في المحطات قليل، إذا قيس بطول الطريق!!« الاثنين: الحياة الشاقة لها جمالها وروعتها، وللكفاح والتعب والجهاد روعته وجماله إذا كان حافزاً علي مزيد من الجهد والعناء، والبدء من جديد، ولم يصبح باعثاً علي الركود واليأس والاستسلام.. إن الاستسلام أسوأ ما يفعله الإنسان، إنه قرين الموت والانحدار، أما الذي يصمد وينهض من جديد، فهو الإنسان الجدير حقاً بالحياة! منذ أيام زارني رجل في منتصف العمر، أو جاوزه بكثير، وروي لي جزءاً من حياته، قال إنه سقط ونهض، سقط ونهض ثلاث مرات في حياته، وهو الآن يحاول أن ينهض من جديد.. وقال لم أحزن ولم أستسلم، ولم يتولاني اليأس، لم أفقد ابتسامي وأملي وقدرتي، وهاأنذا أبدأ من جديد، لم ألعن الحظ، لأن هذا الحظ نفسه واتاني مرات عديدة، فلماذا لا أغفر له إذا تخطاني مرة؟ وكون الحياة في جوهرها لمحات من النجاح والتطلع والجهاد، يعطيها قيمة أكثر، والمهم ألا يفقد الإنسان هدفه، والأيام والشهور والسنوات معدودة، تلك التي يقضيها الإنسان تطلعاً وانتظاراً وكفاحاً ليست إلا الطريق، وما السعادة إلا المحطات التي يتوقف فيها الإنسان بعض الوقت يستمتع بما بلغ من نجاح، والتوقف في المحطات قليل، إذا قيس بطول الطريق.. في المحطات تشعر بالراحة والهناء، مدتها قليلة هذا صحيح، ولكنك لم تكن بالغها ما لم تتحمل عناء الطريق، وأكثر الناس يشكون الحياة، ويقولون إن شقاءها لا يكافئ حلاوتها، وهذا صحيح، ولكن لمحات السعادة إذا زادت علي ما هي عليه أصبحت اعتياداً لا تثير في الوجدات ما تثيره فيه وهي قصيرة مخطوفة، من إحساس عميق، إنه حينئذ يستنشقها حتي آخر نفس فيها، فإذا طال الاستنشاق فقدت جمالها وحلاوتها. قال صاحبي لو عددت اللحظات والأوقات التي سعدت فيها، طوال عمري الذي يبلغ الخمسين، لا أري أنها تزيد علي بضعة أيام، قلت له: ولكنها بضعة أيام موزعة علي طول الطريق، قال لو حسبت أيام العناء والحزن والكفاح والألم.. وقطعت عليه الحديث، وقلت له: لوجدتها بقية العمر، ولكن لا تنسي أن هذه الأيام السعيدة القليلة هي حصاد العمر، والثمرة الناضجة، ولو طالت أكثر من ذلك، لم تصبح حصاداً بل كانت زرعاً وسقياً وعناية بالنبات والثمر والزهر والشجر، إن الحياة إذا شئت شبهتها بالبستان، كم من الوقت يحتاجه البستاني حتي يثمر بستانه، وكم من الوقت يحتاج إليه لكي يجني فيه الثمر؟ إنه يحتاج إلي اثني عشر شهراً، إلا أياماً، يعد فيها بستانه، يحرث أرضه ويحضر البذور ويروي ويسهر ويراقب ويقاوم الآفات، أما الأيام التي اختزلتها من العام، فهي أيام الحصاد.. أيام السعادة وجني الثمار. سعيد الحظ.. وسيئ الحظ! الثلاثاء: حينما تفكر بهدوء وتأمل، وبعد دراسة شاملة، تصل إلي قرارات أفضل، وحينما تفكر في عجلة ومن غير تأمل كاف، أو دراسة واضحة، تصل إلي قرارات سطحية، لا تكاد تثبت حينما تتعرض للتجربة والتطبيق. قلت هذا لصديق جاء يشكو من أن كل قرار يتخذه في شئونه الخاصة ينقلب عليه، ويأتي بنتائج سيئة غير التي توقعها وقدرها.. وسكت لحظة ثم قال في مرارة: أنا سيئ الحظ!! قلت: ليس هناك إنسان سيئ الحظ، وإنسان سعيد الحظ، إنما هناك قواميس وقواعد تسير بها وعليها الحياة، وما نحسب الحظ السيئ يطارد إنساناً، ولا يطارد آخر، وما نحسب أن الحظ السعيد يحتضن إنساناً ويتخلي عن إنسان.. ولكن هناك عقلاً شامل النظرة، يري بعمق، ويفهم بإدراك سليم، وعقلاً مندفعاً متهوراً لا يهمه إلا الظاهر من الأمور، وقلما يبحث فيما وراءها، فتكون النتيجة أن يتعثر ويتخلف! قال صديقي: أليس العقل الأول هبة من السماء، وهو والحظ السعيد سواء، وأليس العقل الثاني لعنة من السماء، وهو والحظ السييء سواء! قلت: هذا الكلام صحيح من حيث الظاهر، ولكنني لم أتكلم عن الذكاء، ولكنني تكلمت عن التأني والتعقل، والدراسة عن فهم، والانتفاع بتجارب الآخرين، وهذه كلها يمكن اكتسابها بالتعليم والمران، وحمل النفس علي شيء من الروية والأناة.. الصراع بين الإنسان والزمن! الأربعاء: في هذا العصر العجيب، يحاول الإنسان أن يتغلب علي الزمن، وعلي كل شيء يقف في طريقه، وهذه المحاولات تبدو واضحة في البحوث التي تجري الآن علي خريطة الجينات في الجسم البشري أملاً في الوصول إلي التغلب علي جميع الأمراض، وإيجاد علاج شاف لكل منها، وإطالة عمر الإنسان إلي مائة وخمسين عاماً، وهذه ظاهرة قوية تفوق قدرة الإنسان، خاصة أن ما يريد تحقيقه يحاول عن طريقه اختراق الحجب، وقهر المستحيل في سبيل الخلود. والإنسان في هذا القرن لا يقنع بأن يكون مصيره في الحياة مثل مصير من سبقوه، فأخذ يكافح الطبيعة، لعله يتغلب علي الأمراض، ويحمي نفسه من الموت، ولكنه لم يصل إلي هذه المعجزة، ولن يصل إليها، إنما يحاول ذلك في سكرة الانتصار، فيخال له أنه قادر علي تحقيق الخلود! والموت هو سر النظام في الحياة، ولو كنا في هذه الحياة من الخالدين، لما تنافسنا في سبيل لقمة العيش، ولما حاول الإنسان أن يخترع شيئاً يختصر به الزمن، ويوفر لنفسه الراحة، ولو كنا من الخالدين لما اهتممنا بقياس الزمن، باليوم والشهر والسنة، أو بحساب الأجيال، ولو أن الإنسان كان خالداً، لكانت الحياة فوضي، ولا معني لها، وما تأنقنا في الطعام واللباس، ومظاهر الترف في حياتنا، ولما خشي الإنسان علي نفسه من البرد أو الحر، ولما حاول أن يحافظ علي صحته. والعلماء الآن يعكفون بكل إمكاناتهم، لاكتشاف الجينات التي تسبب الأمراض، ويعلنون بين الحين والآخر ما توصلوا إليه من معرفة، والناس جميعاً تتجه إليهم بعقولهم وقلوبهم، وينتظرون ما هو قادم في الطريق، من أنباء جديدة، قد يكون فيها شفاء لجميع الأمراض، فيرتاح المرضي من آلامهم وأحزانهم وقلقهم، كل هذا شيء جميل، ولكن هل يستطيع الإنسان أن يحقق لنفسه الخلود، وأن ينتصر علي الطبيعة، ويتغلب علي المستحيل، هيهات هيهات أن يفعل! باب الدخول إلي الحياة الخميس: زارني طالب يتملكه الغيظ، قال وهو في قمة انفعاله: آمنت الآن أن الذي ينجح هو الطالب الذي يلعب!! قلت: أنت مخطئ.. لا ينجح إلا المجد الذي أدي واجبه.. قال مؤكداً: لقد بذلت في هذا العام أضعاف ما بذلته في أعوام سابقة، ومع ذلك فإنني لم أجب علي الأسئلة كما يجب، بينما كان حولي طلاب لم يبذلوا بعض ما بذلت، وأكدوا لي أنهم أجابوا علي الأسئلة كلها.. قلت: لقد علمتني التجربة أن الطالب الذي يؤكد أنه أجاد في الامتحان.. ليس علي قدر كاف من التعمق في فهم دروسه، أما الذي يحتاط في الكلام، ولا يؤكد أنه أجاب الإجابة الكاملة، فهو الطالب الدارس عن وعي وإتقان.. سكت قليلاً ثم سأل: وماذا تقول في الغش، إنه يقع في بعض الأحيان، فيتساوي الذي عرف الإجابة عن جهد وتحصيل بمن عرفها خطفاً من هنا وهناك.. قلت: إن الغش ليس وسيلة شريفة، وهو محظور بحكم القانون، وأنا لا أنكر أنه يقع في بعض الأحيان، ولكن عقوبته تكون قاسية إذا كشف أمر الطالب. إن الامتحان باب الدخول إلي الحياة، والحياة السوية عمل وأمانة، وليس في الغش عمل ولا أمانة، وقلما أنصف الغش صاحبه إلا لمحة من الوقت، وقلما خان العمل صاحبه لمحة من وقت! العقل يفسد الحب! هو »يحتويها بين ذراعيه، ويطبع علي جبينها قبلة تفيض بالحب والحنان«: هي: تحبني!! هو: »يتأمل وجهها الملائكي، ويحس بأنفاسها تتردد حارة في عمق«: ألا ترين شيئاً في عيني!! هي: أري حبك.. هو: إذن.. لماذا تسألين؟ هي: أخاف أن تنساني في زحمة عملك!! هو: كيف أنساك.. وقد وهبتك روحي وقلبي.. هي: أرجوك.. اذكرني دائماً، وأنت بعيد عني.. هو: صورتك لا تفارق خاطري أبداً، أراها في وجوه من أقابلهم من الناس.. هي: ووجوه النساء أيضاً!! هو: لا توجد بين نساء العالم امرأة تضاهيك في جمالك ورقتك وأنوثتك.. هي: كلام يسعدني، وحبك يحميني من نفسي، ومن كل إغراء حولي.. هو: وحبك يحميني أنا أيضاًَ.. هي: أحياناً تداهمني الشكوك والهواجس.. وأشعر بالخوف! هو: الحب طمأنينة وليس خوفاً.. هي: بل هو خوف.. وليس طمأنينة!! هو: الحب حصن يحمي من يعيش فيه.. هي: كم من الحصون سقطت!! هو: أنت تخطئين في تفسير الحب.. هي: ما الحب إلا خيال.. قصور يبنيها المحبون في خيالهم، ثم يهدمونها بأيديهم!! هو »يطرق وجهها بيديه ويطيل النظر في عينيها الزرقاوين«: الحب خيال وواقع، وإذا كان خيالاً فقط لما أحببتك بقلبي وعقلي!! هي: ولكن العقل يفسد الحب.. هو: العقل يصون الحب، ويحفظه من الهزات والعواصف.. هي: إذن.. بماذا تفسر شعوري بالخوف؟ هو: أنا لا تثقين في حبي.. هي: أثق ولا أثق!! هو: الحب والثقة نادراً ما يجتمعان.. الثقة جدار سميك، والحب طوفان جارف، إذا جاء هدم هذا الجدار.. هي: معني ذلك أنني لن أتخلص أبداً من شعوري بالخوف.. هو ولماذا تريدين التخلص منه، إنه شعور جميل، ومطلوب في الحب، حتي يشعله، ويزكي ناره، إنه تعبير صادق عن اللهفة والشوق والغيرة، ولولا الخوف في الحب، لخبت شمعته وانطفأ نورها.. ما هي الديمقراطية؟ يمكن تعريف الديمقراطية الآن، بأنها حكومة من الشعب يتولاها أعظم الأحزاب حظاً من التنظيم، تدير الأمور لمصلحة أوسع الطبقات نفوذاً.