كان الدعاء عبادة في قوله تعالي »وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين« (غافر 06) وفي حديث الرسول صلوات الله عليه وسلامه »الدعاء عبادة«.. إذا كان الدعاء عبادة وهو يشتمل علي الاستغفار، فيكون الاستغفار في حد ذاته عبادة، وكيف لا يكون؟ إن جوهر الدعاء هو إظهار الضراعة لله عز وجل »ادعوا ربكم تضرعا وخفية« (الأعراف 55) وتضرعا أي تذللا تجهرون به وخفية أي تسرون به.. والمؤمن حين يستغفر ربه فإنه يتضرع إليه ويسترحمه ويسأله العفو، وفي أدعية الرسول صلي الله عليه وسلم ما يؤكد هذا المعني »اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فأعف عني« وكذلك »اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني« وقد وصف الرسول هذا الدعاء بأنه يجمع لقائله الدنيا والآخرة.. فنحن نتعبد لله بالاستغفار »وأن استغفروا ربكم« (هود 3) والله يثني علي من يستغفره في الأسحار أي قبل الفجر »والله بصير بالعباد. الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار. الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار« (آل عمران 51-71).. وفي سورة الذاريات يقول عز من قائل »إن المتقين في جنات وعيون. آخذين ما اتاهم ربهم انهم كانوا قبل ذلك محسنين. كانوا قليلا من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون. وفي أموالهم حق للسائل والمحروم« (الذاريات 51-91) فالله جعل الاستغفار في الأسحار من الإحسان، وهو من صفات المتقين.. وسيد الاستغفار كما يقول الرسول صلوات الله عليه وسلامه »اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا علي عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت« وعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الرسول كان يكثر من الدعاء قبل موته »سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه«.. وعن رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه »يتنزل ربنا تبارك وتعالي كل ليلة إلي سماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فاستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتي يضئ الفجر«. ولأن الاستغفار في جوهره ضراعة واسترحام للمولي عز وجل، فلعل هذا يلقي ضوءا علي الحديث الشريف والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفروا الله تعالي فيغفر لهم« فالله يحب من عباده أن يتضرعوا له وأن يسألوه العفو والمغفرة »واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين« (الأعراف 502) وتضرعا أي تذللا، ودون الجهر من القول أي بين الأسرار والجهر، والغدو هو النصف الأول من النهار، والآصال جمع أصيل وهو النصف الثاني من النهار، ولا تكن من الغافلين عن ذكر الله في جميع الأوقات.. وقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صعد المنبر يوما ليدعو الله أن ينزل عليهم المطر، فلم يزد علي الاستغفار وقراءة الآيات في الاستغفار، ثم قال »لقد طلبت الغيث بمخارج السماء التي يستنزل بها المطر« ولعل أمير المؤمنين استحضر في ذهنه الآية الكريمة »استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا« (نوح 01-11) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول »والله إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة«.. والله يدعونا في مواضع كثيرة من كتابه الحكيم ان نستغفره »واستغفروا الله إن الله غفور رحيم« وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: العجب ممن يهلك ومعه النجاة.. قيل وما هي؟ قال: الاستغفار..