أوشك التصييف أن يكون عادة ملازمة لكل الناس ومن جميع الطبقات، وقد أدت التسهيلات الكثيرة التي تقدمها الهيئات والمؤسسات والجمعيات للشباب من العمال والموظفين، الي نشر هذه العادة، وتأكيد الالتزام بها لما هو عائد منها من فوائد نفسية وصحية، ووعي وشعور بجمال الحياة الاجتماعية، وتبادل الثقافة والفهم. وليس التصييف هو اللهو والعبث، وقد يكون جانب منهما ملازما له، ولكنه لا يجب أن يكون خالصا لهما، وإلا أصبح ضاراً بالصحة، وتكوين الشخصية واستقامتها، وفقد السبب الاساسي له. في التصييف جانب لابد منه من اللهو والعبث البرئ، ولكن الجانب الأكبر منه لابد أن يكون لبناء الصحة، وإلتزام العادات الحسنة، والبعد عن الاسراف في السهر والمغالاة في تناول الطعام.. وقضاء الوقت في الفراغ. ان الاجازة الصيفية ليست الفراغ فالفراغ قاتل، ولكنها الراحة والاستجمام، وتغذية العقل والجسد، والنفس والروح، وهي في عبارة موجزة، التخلص من مهام العمل المفروض علينا، وإفساح المجال للاهتمامات والهوايات التي لا يتسع لها وقت العمل طوال السنة. هذه الهوايات والاهتمامات ليست العبث واللهو، ولكنها بعض الغذاء الضروري لتنمية القدرات والملكات، وإحكام التوازن بين حاجات السعي للرزق، وهي مفروضة، وبين متعة الجسد والعقل والروح، وهي لا فرض فيها ولا إجبار. والكثيرون لا يصيفون، أعني لا يبرحون مكانهم في الصيف، ولكن الكثيرين ايضا يسافرون الي المصايف، وهؤلاء هم الذين أعنيهم، بعضهم أو الكثرة الغالبة منهم لا يرتبون أمورهم مقدما، ولكن ينتظرون إلي آخر لحظة، فيذهبون في عجلة ولهفة لتأجير المكان، ثم يعودون في عجلة ولهفة لحزم امتعتهم، وإغلاق البيت، وقد يعودون لاقتراض نفقات التصييف، لا تخطيط سابقاً ولا نظام، كل شئ في وقته، كل شئ في عجلة، وفي العجلة ينسون اشياء كثيرة، ينسون إغلاق الغاز، او اغلاق الابواب والنوافذ، او ينسون دفع فواتير الكهرباء والتليفون، وقد يتعرضون بسبب العجلة والاندفاع إلي حوادث في الطريق. بل إن بعضنا لا يكون علي نية السفر في الصيف، ثم تطرأ النية في آخر وقت، ولأسباب تبدو غريبة للعقلاء، فيكون التصييف مثلا للتقليد أو لمكايدة أو لتظاهر، وليس للاقتناع أن الراحة ضرورية، وأن التصييف مقصود به صحة الجسم والنفس. أن التخطيط في حياة الاسرة لابد منه، ومع التخطيط يكون النظام والاقتصاد، وقد لاحظت ان الاسر في أوروبا وأمريكا، يخططون للصيف قبل حلول الصيف بشهور، ويدخرون من مصروفهم طوال العام، ما يكفل لهم قضاء إجازة ممتعة لا يترتب عليها ديون أو التزامات، ولاحظت أن الاسر عندنا أو أكثرها، تقول دائماً إذا سئلت، لماذا لا تخطط لحياتها: خليها علي الله!! والاجازة الصيفية معناها، وقت الفراغ أمام مئات الألوف من التلاميذ والطلاب، وقد سعدت بما فعلته بعض المحافظات، من تدبير بعض الأعمال العامة التي يمكن ان ينفق فيها الشباب طاقته الكبيرة، وبقي أن يفكر الشباب بأنفسهم ولانفسهم في مجالات نافعة، فمهما تكن الأعمال التي اقترحتها أو دبرتها المحافظات، فإنها لا يمكن أن تمتص الآلاف من الشباب في القري النائية، إنهم يستطيعون أن يقدموا خدمات متعددة لقراهم ولأبنائها.. التوعية الاقتصادية والاجتماعية، العناية بالخدمات الصحية، تعليم الاميين القراءة والكتابة، إزالة القمامة من الطرق وتنظيفها، وتنبيه الفلاحين إلي نظافة البيئة، وتوعيتهم بأضرار الكثير من العادات مثل التدخين، والاستحمام في الترع وغير ذلك، وهكذا يمكن بهذه الطريقة استنفاد طاقة الشباب، وتقريب الروابط بينهم وبين أهل قريتهم وذويهم، برباط من المحبة والتعاون والمشاركة. إن مجال العمل في القري لا حصر له، ولكل قرية ظروفها ومطالبها، والشاب المتعلم فيها قادر بالاشتراك مع أهل القرية ان يصنع الكثير. فلتكن اقامتهم في قراهم وقت الإجازة الصيفية، خيرا وبركة ونعمة علي الريف، إنهم بذلك يؤدون زكاة العلم والمعرفة، ويعطون مواطنيهم ممن فاتهم أن يتعلموا ويتثقفوا، بعض ما يجب علي المتعلم أن يعطي من لم يتعلم، وليذكر أنه إذا كان قد تعلم، فإن بعض نفقات تعليمه، إنما دفعت علي حساب هؤلاء الذين لم يتعلموا!