حضرت في مدينة برشلونة الإسبانية المؤتمر الدولي لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدعوة من إدارة المؤتمر. انعقد المؤتمر خلال الفترة من 20 حتي 24 يوليو الحالي . هو مؤتمر ذو طابع خاص يعقد مرة كل أربع سنوات . يهدف إلي استكشاف وتبادل المعلومات حول الدراسات التي تتم علي هذه المنطقة من العالم وبخاصة الدراسات المتعلقة بالثقافة والفنون. حضر المؤتمر حوالي ألفي خبير من 50 دولة. ورغم اسم المؤتمر إلا أن الحضور تجاوزوا منطقته وحضر مشاركون من دول إسلامية في وسط آسيا ومن دول مهتمة بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا . ومن لا يهتم بالشرق الأوسط وهو مثار اهتمام العالم منذ حضاراته الأولي ؟ ومن لا يهتم بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفيه البترول والمهاجرون الي دول العالم المتقدمة؟ ومن لا يهتم بهذه المنطقة وفيها كل درجات الحركات الإسلامية النشطة؟ من المشاركين أيضا مؤسسات وجمعيات ومنظمات دولية وجامعات ومراكز أبحاث علي كل لون. شارك الجميع في عشرات الجلسات واللقاءات والندوات والموائد المستديرة العامة والخاصة. كان المؤتمر أشبه بسوق كبير لأساتذة جامعات وخبراء وباحثين توزعت عليهم كل الانتماءات السياسية والفكرية المعروفة. لم تقتصر أحداث المؤتمر علي ما سبق، بل برزت ضمنها معارض متنوعة ومهرجان سينما وسوق للكتب وبعض من حفلات الموسيقي. لم أستطع وأنا في كل هذا الزخم المعرفي الثقافي والفني أن أتوقف عن التفكير في حلم قيام مصر باستضافة مثل هذا الحدث الدولي. تسابقنا لاستضافة مؤتمرات سياسية ومسابقات دولية رياضية وحصلنا علي صفر المونديال الشهير. لكننا لم نر محاولة لاستضافة مؤتمر دولي كمؤتمر برشلونة. لست غفلا هنا عن المعارض والمهرجانات والمؤتمرات الدولية التي أقامتها وتقيمها وزارة الثقافة أو مكتبة الإسكندرية . لكن مؤتمرا كهذا الذي انعقد في برشلونة، أو مؤتمرا كالذي حضرته في العاصمة السويدية استكهولم تحت عنوان »قوة الثقافة« ونظمته اليونسكو مع السويد في أبريل 1998 أو حتي مؤتمر الاتحاد الدولي للمكتبات الذي حضرته في مدينة بوسطن الأمريكية في أغسطس 2001 وشارك فيه أكثر من خمسة آلاف مشارك ، وهذه مجرد أمثلة، فالأمر مختلف تماما. فتلك المؤتمرات لم تكن للقيادات أو الوزراء، بل كانت لمزيج عريض جدا من المشاركين متدرج المستويات متنوع الخبرات . ومن المفهوم أن البلد المضيف هو أول المستفيدين من إقامة مثل هذه المؤتمرات علي أرضها. بشرط نجاح تنظيم المؤتمر. لم أحضر مؤتمر برشلونة لأتفرج علي أحداثه بالطبع. بل تشرفت بمشاركتي في إحدي جلساته العامة التي خصصت لعرض ومناقشة جهود كرسي اليونسكو للمدن المتوسطة. وهو الكرسي الذي يتولاه صديقي العزيز »جوزيب ماريا لوب تورني« ويهتم بعمران وتنمية هذا النوع من المدن . وهو أصلا أستاذ التخطيط العمراني في جامعة لييدا الإسبانية، وقد تولي إعادة التخطيط الكبير لمدينة برشلونة بمناسبة استضافتها لدورة الألعاب الأولمبية عام 1992 عندما كان مديرا عاما للتخطيط العمراني في بلدية المدينة. كنا ثلاثة تحدثنا في جلسة المدن المتوسطة، وهو تعبير لا يعني المدن المتوسطية أي الواقعة علي البحر المتوسط، جوزيب ماريا وزميلتي العزيزة دليلة الكرداني وأنا . فماذا جمعنا؟ جمعنا كرسي اليونسكو للمدن المتوسطة الذي يتولاه جوزيب وقام بدراسات وأبحاث في عدة مدن متوسطة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، مجال المؤتمر، ومن بين هذه المدن المنصورة وبورسعيد في مصر. ويشرفني أن شارك الجهاز القومي للتنسيق الحضاري مع الدكتورة دليلة الكرداني في هذه المجهودات العلمية التي تجمعت في كتاب مهم صدر باللغتين الإسبانية والإنجليزية ويقوم الجهاز حاليا بترجمة وإعداد الطبعة العربية له. ودليلة فضلا عن كونها أستاذة العمارة في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، هي رئيس لجنة حصر المباني المتميزة في محافظة بورسعيد، وعضو اللجنة العلمية للمباني والمناطق التراثية بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري. وقد عرضت في هذه الجلسة لمشروعات التنسيق الحضاري التي قمنا بها في بعض المدن المتوسطة في مصر مثل تطوير ميدان الجمهورية في دمنهور ومداخل مدينة شبين الكوم وبعض من ميادينها، وكذلك تجربة التنسيق الحضاري في مدينة دمياط. كما قمت بعرض عن الجهاز نفسه: تاريخه وأهدافه ومنجزاته وعلي رأسها الأدلة الإرشادية لأسس ومعايير التنسيق الحضاري. . تحدثت الأستاذة الدكتورة دليلة الكرداني عن مدينتي المنصورة وبورسعيد كنموذجين للمدن المتوسطة . أما الأستاذ الدكتور جوزيب ماريا فقد استعرض جهود كرسي اليونسكو وبرنامج الاتحاد الدولي للمعماريين لتخطيط وتنمية المدن المتوسطة والذي يشرف عليه أيضا . مصطلح المدن المتوسطة قليل التداول في أدبيات الدراسات العمرانية، وكذلك في التوجهات الفكرية للمخططات العمرانية وفي حديثنا عن العمران بشكل عام وعندنا في مصر بشكل خاص. ذلك لأننا تعودنا علي النظر بزاوية ضيقة في حدود مشاكلنا وخيباتنا المتكررة والمحفوظة. لذلك من المفيد هنا أن أدع الحديث للأستاذ جوزيب يوضح في عجالة مختصرة مفهوم المدينة المتوسطة وأهميتها العمرانية: »عندما نشرع في الحديث عن عمليات التخطيط العمراني الحضري ونتائجها، وعندما نستخدم مصطلح "المدينة" فإننا بذلك نشير إلي التجمعات العمرانية الكبري بصفة عامة. ويرجع ذلك إلي أنه قد تمت دراسة ملف المدن الكبري بصورة وافية، وأن المدن الكبري هي المدن المعروفة بصفة عامة والتي دائما ما تكون قبلة للأنظار أو محلا للانتقاد. هذا بينما تعيش الأغلبية الكبري لسكان الحضر في العالم في مدن صغيرة أو متوسطة الحجم، وجدير بالملاحظة أن تلك المدن لها الغلبة العددية وذلك عند مقارنتها بالمدن الأخري. إن حوالي 62.5٪ من عدد سكان الحضر في العالم يعيشون في مدن تضم أقل من مليون نسمة. تتواجد تجمعات حضرية كبري من جانب، وعلي الجانب الآخر توجد مراكز لتجمعات حضرية أصغر، وفي الوسط نجد مدنا متوسطة الحجم تقوم بدور الوسيط بين الاثنتين. ونظرا لتواجد هذه المدن المتوسطة بين طرفين شديدي التناقض، يسود اتجاه لتعريفها بصورة سلبية: فلا يمكن وضعها في مصاف المدن الكبري ولا في مصاف المدن الصغري. ويبرز هنا سؤال يتعلق بحجم هذه المدن وصعوبة تحديده، وذلك لأن لكل سياق ظروفا بعينها تختلف تمام الاختلاف عن أي سياق آخر. وترتب علي ذلك أن النموذج الذي يمثل مدينة متوسطة الحجم أو ما يطلق عليه مدينة وسيطة في أوروبا مثلا قد يتوافق مع نموذج مدينة صغيرة أو متناهية الصغر بالصين أو الهند حيث يوجد العديد من المدن التي يقطنها أكثر من مليون نسمة. يتعين علينا أيضا أخذ الوظائف التي تقوم بها تلك المدن في الاعتبار عند القيام بتعريفها. ويتمثل ذلك في الدور الذي تلعبه تلك المدن كوسيط مثلا في تبادل البضائع وتدفق المعلومات وتبادل أحدث ما توصل إليه العلم في مجال الاختراعات ونظم الإدارة، وذلك بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية التي تقع ضمن نطاق تأثيرها، بالإضافة إلي المراكز والمناطق الأخري التي تبعد عنها بمسافات قصيرة أو طويلة . بدأ استخدام صفة المتوسط أو الوسيط أو كلتيهما لأول مرة في الدوائر العلمية في منتصف الثمانينات، وقد توسع المعني الخاص بتلك الصفة وتعمق، وبمرور الوقت حل مصطلح جديد له نفس الدلالات والمعاني المدن الوسيطة أو المتوسطة »محل المصطلح القديم« المدن متوسطة الحجم . من أهم أهداف كرسي اليونسكو وبرنامج الاتحاد الدولي للمعماريين الخاص بالمدن المتوسطة إلقاء مزيد من الضوء علي تلك المناطق من العالم، وإبراز خصائصها وتوضيح العناصر المشتركة والمختلفة بين تلك المدن، ودراسة التنوع الذي تمتاز به عن كثب . كما يهدف إلي خلق مجال مؤسسي يتسم بقدر كبير من الحرفية لمناقشة برامج العمل في المدن المتوسطة. والنظر في الدور الذي يلعبه التصميم المعماري والتخطيط العمراني في هذه المدن وذلك ضمن إطار العولمة وفي ظل تسارع عملية التحضر علي مستوي العالم. وكذلك تأسيس شبكة للتعاون علي مستوي العالم يشترك فيها أعضاء البرنامج، وتعتمد علي تبادل المعلومات والخبرات والمعايير الفنية وخبرات العمل«.