مرة أخري.. يجتمع اليوم المجلس الخاص لمجلس الدولة برئاسة المستشار محمد الحسيني لإعادة النظر في قرار منع المرأة من العمل قاضية في المجلس. وبدلاً من انتظار ما سينتهي إليه هذا الاجتماع سارع البعض باستبعاد منح المرأة حقها في العمل قاضية بزعم أن »الأغلبية« سبق أن صوتت ضد هذا الحق، ومن غير المعقول ولا المقبول أن ترجع »الأغلبية« في قرارها! أنصار مساواة المرأة بالرجل في مصر يخوضون، حالياً، معركة مع أنصار حرمان المرأة من 99٪ من حقوقها والإبقاء فقط علي »حقها« في خدمة الزوج ورعاية أبنائهما والتفرغ لهم. يحدث هذا رغم أننا عبرنا العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. المعركة الدائرة حالياً في مصر.. لقيت اهتماماً بمتابعتها من أجهزة الإعلام في العديد من الدول الأكبر منّا والأصغر ربما للترفيه عن قرائها ومستمعيها ومشاهديها وسط أكوام الأحداث المروعة من زلازل، وأعاصير، وفيضانات، ومئات الآلاف من القتلي وآلاف غيرهم فشلوا في إنقاذهم وانتشالهم من تحت الأنقاض! الترفيه أثارعلامات التعجب، والدهشة، إلي جانب ابتسامات السخرية من أناس اختلفوا حول قضية كنا نتصوّر إنها أغلقت منذ زمن طويل. فمن الصعب علي المتابع لهذا الجدل المحتدم في مصر أن يتصوّر أن مصر التي أعطت للمرأة الكثير من حقوقها في الماضي البعيد والقريب هي نفسها التي قرر مستشارو إحدي هيئاتها القضائية رفيعة المستوي »مجلس الدولة« رفض تعيين المرأة كقاضية ، و قصر هذا التعيين علي الرجل، رغم أننا احتفلنا منذ شهور بتعيين 42قاضية في معظم الهيئات والمجالس والإدارات والنيابات القضائية! مصر التي سبق أن عينت سيدة كأول وزيرة منذ بداية حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، اعترافاً بقدراتها في خدمة المواطنين، وإثباتاً من جهة ثانية إلي عصرية مصر وتحضّرها واحترامها للمساواة بين الجنسين في التعليم والعمل. حقيقة أن الحرص علي تعيين وزيرة في الحكومات المصرية الواحدة بعد الأخري كان مقصوراً علي وزارة الشئون الإجتماعية، لدرجة أن أستاذة القانون الشهيرة واللامعة: دكتورة عائشة راتب تولت ذات الوزارة الإجتماعية رغم ثقافتها القانونية التي تؤهلها لتولي وزارة العدل، ورغم أيضاً أن خبرتها الدبلوماسية والدولية كانت ترشحها لتولي وزارة الخارجية، لكن حقيقة أيضاً أن الحكومات الأخيرة شهدت تغييرات واضحة في هذا »التقليد«. فمع استمرار إسناد وزارة الشئون الاجتماعية إلي سيدة، إلاّ أن الدائرة اتسعت فكان لمصر وزيرة قديرة، لا تنسي »نادية مكرم« تولت وزارة البيئة، و دبلوماسية علي أعلي مستوي السفيرة »فايزة أبو النجا« تولت وماتزال مسئولية وزارة التعاون الدولي التي لا يجهل أحد مدي أهميتها وإنجازاتها، ليس هذا فقط .. بل شهدت الحكومة الحالية ثلاث وزيرات بعد أن اختيرت النقابية الخبيرة، الدءوبة: » عائشة عبدالهادي«، لتتولي وزارة القوي العاملة، وتصبح أول سيدة عاملة تشغل هذا المنصب. النجاح المبهر الذي حققته المرأة الوزيرة الواحدة بعد الأخري .. وعلي مدي نصف قرن من الزمان لم يشفع لدي السادة أعضاء الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة العريق لقبول تعيين السيدات في وظائف قضائية بالمجلس! يحدث هذا في مصر، ومن مصريين. ويخطيء من يتصوّر أن السادة أعضاء الجمعية العمومية لمجلس الدولة هم وحدهم السعداء بقرارهم الصادم، فهناك أنصار كثر لنفس هذا القرار الذي منحهم دفعة قوية جداً لمواصلة سعيهم، ودأبهم، من أجل »تطفيش« المرأة من باقي الوظائف والمناصب إلاّ تلك التي يحددونها لها، ويحرمونها في الوقت نفسه علي الرجل! ويقصد بذلك الوظائف التي تتعامل مع المواطنات في مجالات أهمها: الصحة والتطبيب وتعليم البنات. أقول: يحدث هذا في مصرنا العريقة، رغم ادعاءات العشرات من الدعاة عن »تكريم المرأة«، و»حقوق المرأة«، و»الشريعة الإسلامية التي كفلت للمرأة المسلمة ما لم تحصل عليه غيرها من حقوق ومعاملات«. وعندما تسأل أحدهم عن تناقض ما يؤكدونه مع قرار مجلس الدولة، فلن تنقصه عشرات المبررات التي »سيرصها« أمامك بسيل كلماته واستشهاداته من هنا.. وهناك. هل يعقل أن تصبح أمنية المرأة المصرية في القرن الحادي والعشرين تكاد تكون مقصورة حالياً علي انتزاع حقها الشرعي والاجتماعي والحضاري بشغل وظيفة »قاضية« .. ورغم وضوح وسلامة مطلبها، فهناك للأسف من يعارض، ويرفض، ويهاجم.. للحيلولة دون ذلك؟! وأليس طريفاً أن نقارن ما يحدث لدينا، بما حدث في دولة أوروبية »فرنسا« لا يتوقف السادة الدعاة العظام عن شتمها، وهجائها، واتهامها بالتعصب الصليبي ضد الأمة الإسلامية بصفة عامة والدين الإسلامي، بصفة خاصة؟! فرنسا هذه لم تكتف بتعيين فرنسيين، مسلمين رجالاً ونساءً في أعلي الوظائف، رغم الزعم المستمر بتعصب شعبها وحكامها، والأهم من ذلك أن الرئيس الفرنسي الحالي اختار سيدة فرنسية، مسلمة من أصل جزائري/مغربي ليس لشغل أحد المناصب القضائية كما تحلم المرأة المصرية اليوم وإنما فاجأنا »ساركوزي« باختيار السيدة »رشيدة داتي« ليسند إليها مسئولة وزارة العدل للجمهورية الفرنسية، لتصبح أول امرأة تشغل هذا المنصب الرفيع، والأهم من ذلك أنها أول سيدة مسلمة الديانة، ومن جذور مغربية، تصبح وزيرة لواحدة من أهم وأخطر وزارات الدولة العظمي! إبراهيم سعده [email protected]