لم تكن إشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لأزمة الصحافة والإعلام فى بلادى مصر والتى جاءت ضمن كلمته فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة الأحد الماضى سوى رسالة عتاب قوية بعثت بها الدولة إلى الإعلاميين عموما تطالب فيها بتصحيح المسار الذى يسير عليه الإعلام ، وللتأكيد على أن هذا المسار يعترض طريق الدولة التى تنشد البناء وإعادة الأمن والاستقرار فى ربوعها. والحقيقة أن عتاب الرئيس لم يحمل فى طياته مجرد طلب بتعديل المسار وتصحيح الاعوجاج فى الأداء الإعلامى، وإنما كشف النقاب عن وجود كارثة حقيقية فى قطاع الإعلام بكل أشكاله، من صحافة ووسائل مرئية ومسموعة، ودون استثناء أي منها. وحينما يصل الأداء الإعلامى إلى حد عتاب من رأس الدولة ، قد يتطور إلى حد الشكوى منه ، فهذا يعنى أن الفوضى الإعلامية قد بلغت ذروتها ووصلت إلى قمة الهرم ، وهو ما يستوجب على الجماعة الصحفية والإعلامية التنبه إلى ذلك الخطر الداهم الذى لا يهدد فقط ، ثقافة المجتمع وتعاليمه وقيمه ومبادئه، وإنما أيضا أسس الدولة وبناءها. ولم تكن كارثة الإعلام مفاجئة ، أو تم الكشف عنها لمجرد عتاب الرئيس ، وإنما هى محسوسة وملموسة ، على الأقل عند المهنيين الذين يعون جيدا حدود المهنة وأخلاقها ومواثيقها ، وقبل ذلك مواثيق ومعايير أخلاقهم التربوية التى نشأوا عليها ، فقد سبق وأن نبهنا لذلك كثيرا سواء فى مقالات منشورة ، أو من خلال بيانات لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة ، وكلها والتى امتدت لأكثر من 4 سنوات ، تطالب الجهات المعنية، بضرورة ضبط الأداء الإعلامى ، وفقا للقوانين والمعايير والأخلاق ، لكن لا حياة لمن نادينا ، ومازلنا ننادى. غير أن تطرقا مهما فى هذا الصدد لأسباب الفوضى والانحراف الإعلامى يعد من الأمور المهمة وذلك لوضع الأمور فى نصابها. فحينما نعدد أسباب الكارثة نجد أنها متشابكة غير أنها تنتهى الى نقطة وعنصر أساسى وهو العامل المادى، وهو ما ينطبق على نظم صناعة الإعلام فى بلادى مصر، وكذلك على عناصره ، وأيضا على طبيعة الرسالة الإعلامية التى يقدمها. فبعد أن تحول الإعلام فى بلادى مصر ، إلى تجارة يمارسها أصحاب رؤوس الأموال الخاصة ، قدموا مغريات كثيرة جميعها مادية ، سواء فى التجهيزات أو المرتبات ، مما عمل على احداث حالة من هجرة الكفاءات الصحفية والإعلامية لمؤسساتها ، إلى تلك المؤسسات الخاصة بحثا عن المال وليس عن الرسالة الإعلامية ، فغاب الأداء المهنى لدى أغلب مقدمى البرامج ، ومعظمهم من الصحفيين ، خدمة لأنفسهم أولا ، ولأصحاب المحطات الفضائية ثانيا ، وكانت المصلحة العامة خارج اهتمامات الجميع ، فتحولت أغلب الفضائيات الى منصات لتبادل الاتهامات والتجريح الذى وصل فى كثير من الأمور الى حد السب والقذف فى حق المجتمع نفسه. أضف الى ذلك أنه ومع سطوة رأس المال ظهرت تجمعات أخرى وكيانات تسمى بالغرف ، لتتحكم هى فى صناعة الإعلام الخاص ، وهى ايضا يسيطر عليها الفكر الاستثمارى وخدمة المصالح الاقتصادية ، فأصبحت معايير الاختيار للرسالة الإعلامية ولمقدمها أيضا ، قائمة على أساس الربح المادى وخدمة الأهداف الاقتصادية لأصحاب رؤوس الأموال الخاصة. بجانب ذلك غياب دور الجهات المسئولة عن ضبط الأداء الإعلامى ، وهنا تتحمل نقابة الصحفيين الجزء الأكبر منها ، نظرا لأن أغلب من يعملون فى الفضائيات الخاصة هم من أعضائها ، وحينما تغاضت النقابة عن تطبيق المعايير المهنية ومواثيق الشرف الصحفية ، فى الصحف انتقلت العدوى الى البرامج المرئية ، حتى كانت الكارثة الحقيقية التى يعانى منها المجتمع. عامل آخر لاينبغى تجاهله فى أسباب الفوضى والكارثة الإعلامية وهو غياب دور الدولة أيضا فى الرقابة وكذلك فى تقنين أوضاع كثير من الصحفيين والإعلاميين ، الذين خضعوا للاستقطاب المادى بعد أن تجاهلتهم الدولة وأهملت حقوقهم. كارثة الإعلام اذن مسئولية تبادلية بين الدولة ناحية وبين الجهات المعنية من ناحية أخرى ، فعلى الجميع القيام بمسئولياته قبل فوات الأوان ، وعلى نقابة الصحفيين أن تقوم بدورها وتعود لما كانت عليه ، وألا تترك زمام الأمور ، حتى تفاجأ بمطالب رسمية ، وتخضع لخيارات صعبة تحت عامل الزمن مما يوقعها فى ازمات حقيقية كما حدث فى مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام الذى خرج تحت ضغوط الوقت ومطالب الدولة ، فكان مشروعا غير مرض للجماعة الصحفية. ====== * كاتب وصحفى مصرى * مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة