عبرت دعوة الملايين من أبناء الشعب المصرى للمشير عبد الفتاح السيسى بالترشح لمنصب الرئيس عن طبيعة المواطن المصرى الذى يتعلق عبر تاريخه بالزعيم والزعامات ويبحث عنها. ويشعر المصرى دوما بالاعتزاز كون الزعيم المحبب له صاحب مبادرات قوية ومواقف صلبة أمام الدول والرؤساء، وماتزال بعض المواقف التى اتخذها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكانت عبارة عن قرارات مدوية مدعاة للفخر والتندر بين عدد كبير من أبناء الشعب المصرى على زمن عبد الناصر الذى ولى خاصة مقولة ما أخذ القوة لا يسترد بغير القوة، وهى المقولة الخالدة التى يتغنى بها عشاق عبد الناصر، كما لا ينسى له البعض مقولة إن الحق بغير القوة ضائع، والسلام بغير مقدرة الدفاع عنه استسلام.
كان عبد الناصر يلهب المشاعر بقوة مواقفة وشخصيته، ولهذا بات زعيما كبيرا ليس في مصر ولكن في العالم، وهناك بلدان عربية عديدة تخلد اسمه بأهم الميادين والشوارع، ففى شوارع لبنان تجد عبارات مكتوبة على الحوائط، مثل في الليلة الظلماء يفتقد البدر وهى تحت صورة عبد الناصر .
ولهذا يرتبط المصرى بشكل كبير بالزعيم وتصل الحالة إلى حالة الهوس ، وتجلت فى ارتباطه بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر بشكل حيث خرجت الملايين يوم أن أعلن تنحيه عن الحكم بعد نكسة عام 67 تهتف وتطالبه بالعودة، كما كان حدث جنازته مشهودا ويعكس مدى الارتباط الكبير بينه وبين رجل الشارع بصرف النظر عن الناجحات والإخفاقات فى السياسية.
ولم تكن حالة عبد الناصر الأولى، بل سبقتها حالة الزعيم الوفدى مطصفى النحاس الذى توفي في 23 أغسطس 1965، وودعته الجماهير في مشهد نادراً ما يتكرر حيث امتلأ ميدان التحرير عن آخره بالجماهير التي جاءت تودع مصطفي النحاس، وأحاطت الجماهير بالجثمان ، وحملته علي الأعناق.
وإذا كانت الجماهير قد عرفت بداية الجنازة من جامع عمر مكرم، فلم يعرف أحد نهاية الجنازة التي اتجهت إلي شارع طلعت حرب ومنه إلي جامع الكخيا الذي كان مقرراً أن تنتهي عنده الجنازة. ولكن الجماهير أبت إلا أن تصلي علي جثمان الزعيم في مسجد الأمام الحسين. وحملت جماهير مصر الجثمان وهي تهتف: لا زعيم بعدك يا نحاس ويا حفيد النبي الزين.. جالك الزعيم الزين. اشك لسعد الظلم يا نحاس.. والزعامة ماتت من بعدك يا نحاس.
وتعيش مصر الآن حالة أشد هوسا بشخصية المشير عبد الفتاح السيسى ، وهى نادرة الحدوث حيث برز تعلق الناس بعبد الناصر والنحاس وهما في السلطة وبعد رحيلهما، لكن اللافت أن الناس مشدودة إلى أبعد الحدود مع السيسى قبل أن يعلن ترشحه للرئاسة بل وتدفعه دفعا إلى المقعد في مفارقة غير مسبوقة في التاريخ .
وقد تحتاج إلى تحليل ورصد لمعرفة ما الذى يدفع الناس إلى ذلك، هل كون المشير هو الذى انهى حكم الإخوان أم أنها ترى فيه الملهم والمنقذ لما آل إليه حال مصر الآن ؟. ولم تكن غائبة أبدا مقولات السيسى عن السنة الناس فمقولة الشعب في عيننا حازت على القسط الأوفر من التعليقات والترحيب، ومما لا شك فيه أن العالم يتابع الظاهرة ويرصد أسبابها ليعرف ما الذى يحرك المصريين نحو الزعامات ؟
وما الذى حرك كل هذا الحب والرغبة في قبول السيسى وتقديم كل الدعم له لكى يترشح ويصببح رئيسا لمصر، حيث تراه الجماهير العريضة المنقذ والشخصية التى لا يمكن أن تنافس في سباق الرئاسة المقبل .