لم يتردد ابليل الذي لا يتجاوز عمره الثانية عشرة طويلا قبل الهرب من اريتريا، وببساطة قال هذا الطفل بابتسامة خجولة "لا اريد ان اصبح جنديا". لكن الخروج من هذه البلاد ليس سهلا. فقد خاطر هذا الصبي بحياته للوصول الى مخيم انداباغونا للاجئين قرب مدينة شير في شمال اثيوبيا. ومثله يهرب الالاف من اريتريا للتخلص في معظم الاوقات من تجنيد عسكري لا يعلمون مطلقا متى ينتهي. وقال ابليل متسائلا "حتى اولئك الذين يصبحون جنودا يهربون، فلماذا اذن اؤدي خدمتي العسكرية؟". وغادر ابليل اريتريا سيرا على الاقدام في حزيران/يونيو. وروى انه قام بهذه المغامرة عندما اغلقت السلطات مدرسته لتجعل منها معسكرا للتدريب. ولم يكن مقررا فتح اي مدرسة جديدة قبل سنتين. ورحل بدون ان يقول شيئا لعائلته، على غرار معظم الذين يهربون من اريتريا، بهدف حماية اهلهم عندما تأتي قوات الامن بعد ذلك لاستجوابهم. وبحسب الاممالمتحدة فان اريتريا التي تعد خمسة ملايين نسمة والمطلة على البحر الاحمر، تسجل احد اسوأ المحصلات في العالم في مجال حقوق الانسان. وقد نالت اريتريا استقلالها عن اثيوبيا في العام 1991 بعد حرب استمرت 30 عاما. ووقع نزاع حدودي بين البلدين من العام 1998 الى العام 2000 وما زال كامنا اذ يستخدمه النظام لاحكام سيطرته على البلاد براي المحللين. وفي شهر ايلول/سبتمبر تصادف الذكرى العاشرة لحملة قمع كثيفة تم خلالها توقيف مئات الرجال من سياسيين وصحافيين واخرين بذريعة "التجسس". ومنذ ذلك الحين يعتبر الخبراء ان اوضاع حقوق الانسان تتفاقم من سيء الى اسوأ. وقدرت مفوضية الاممالمتحدة العليا لشؤون اللاجئين بحوالى ثلاثة الاف عدد الاريتريين الذين يهربون كل شهر الى اثيوبيا والسودان المجاورين. وهم يغادرون بلادهم هربا "من انتهاكات فاضحة لحقوق الانسان خصوصا في مجال التجنيد الاجباري" كما يؤكد كسيوت جبريه اغزيابر المتحدث باسم الاممالمتحدة. "فالخيار الوحيد امامهم هو مغادرة البلاد" كما قال. ففي اريتريا الخدمة العسكرية اجبارية للذكور والاناث على حد سواء اعتبارا من سن السادسة عشرة. وهم ينهون سنتهم المدرسية الاخيرة في معسكر. ويكسبون خلال سنة ونصف السنة حوالى ثلاثة دولارات في الشهر. ثم عليهم بعد ذلك البقاء خلال عقود في خدمة الجيش الذي غالبا ما يلحقهم للعمل في بناء الطرقات او يرسلهم للعمل في المناجم التي تديرها شركات اجنبية. وقال السكرتير الاول لسفارة اريتريا لدى الاممالمتحدة عندما سألته وكالة فرانس برس عبر الهاتف، ان الخدمة العسكرية "واجب وطني". واستطرد "لا ارى ما علاقة الخدمة الوطنية بمسالة حقوق الانسان". وتعتبر اريتريا من البلدان الاقل انماء في افريقيا (اجمالي الناتج السنوي للفرد 369 دولارا) ونظام اسمرة الذي يمسك به اسياس افورقي بيد من حديد، يفرض ضريبة على الدخل تشمل الشتات. وتقدر الاممالمتحدة عدد الاريتريين الذين يعيشون في الخارج بحوالى 1,2 مليون شخص. وفي مخيم انداباغونا يؤكد اللاجئون الذين وصلوا حديثا انه لا يوجد سوى القليل جدا من العمل في بلادهم. والجامعة الوحيدة اقفلت في 2006 ولم يحل مكانها سوى مؤسسات عسكرية. وقال اسحق وهو لاجىء "ان الخيار الوحيد بالنسبة لمزارع وبالنسبة لجندي او طالب هو مغادرة البلاد"، "وان كنت محظوطا تتمكن من عبور (الحدود)، والا تقتل". وكان سامسون الذي يبلغ الثامنة عشرة يرتعد خوفا من فكرة الموت اثناء عبوره الحدود. لكنه اكد "لم اكن اريد تأدية خدمتي العسكرية". وروى "عندما وصلت الى الحدود لم اكن استطيع تصديق ذلك وشعرت بانني محظوظ جدا". ويعتبر بن رولينغز من منظمة هيومن رايتس ووتش ان مع هذا النزيف للشباب "ترحل افضل الادمغة".