مشروع القانون الذي أعدته وزارة الاستثمار ويتضمن سياسة جديدة للدولة لإدارة أصول قطاع الأعمال العام وإنشاء جهاز محترف لإدارة أصول القطاع العام هو محاولة لتدارك الأخطاء وحل المشكلات التي تسببت فيها خصخصة الشركات العامة والسؤال الآن: هل تنجح بالفعل هذه السياسة الجديدة في التغلب علي المشكلات التي تواجه تلك الشركات العامة؟!.. وهل يستطيع الجهاز المرتقب نفخ الروح مرة أخري بهذه الشركات والحفاظ عليها؟! جريدة"الجمهورية" تناقش القضية مع عدد من الاقتصاديين... في البداية يؤكد الدكتور حمدي عبدالعظيم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية أن إنشاء جهاز محترف لإدارة أصول القطاع العام خطوة مهمة للحفاظ علي الشركات العامة وتجنب المشكلات الكثيرة التي نتجت عن الخصخصة بدءاً من تشريد العمال وعدم الالتزام بعقود البيع وانتهاءً بوقف نشاط هذه الشركات.. موضحاً أن إدارة القطاع العام قد يكون من خلال شركات متخصصة في الإدارة أو بالاستعانة بكوادر من الأجهزة الحكومية المختلفة. ويلفت النظر إلي أن العديد من الدول النامية طبقت هذه الفكرة من قبل كالأرجنتين والبرازيل وتركيا. وبالفعل زادت معدلات نموها بشكل ملحوظ.. مشيراً إلي أن التخلي عن سياسة الخصخصة وإنشاء جهاز محترف للإدارة ضرورة للنهوض بشركات قطاع الأعمال التي ينظمها القانون 203 لسنة 91 سواء كانت قابضة أو تابعة لها. وينصح د.عبدالعظيم في الوقت ذاته بالاستعانة بإدارات علمية في التخطيط الاستراتيجي والتسويق الدولي بما يمكن من إعادة هيكلة النظم الإنتاجية والإدارية.. لافتاً إلي أن تفاقم المشكلات العمالية في القطاع الخاص نتج عن غياب مظلة قانونية متكاملة تحمي العمال وتضع شروطاً جزائية علي المستثمرين في حال إخلالهم بالعقود المبرمة بينهم وبين الدولة. * يتفق معه الدكتور محمود صادق العميد الأسبق لكلية التجارة بجامعة القاهرة.. قال إن الخصخصة أسندت ملكية وإدارة الشركات العامة للمستثمرين رغم أن الاقتصاديات الناجحة تفصل الإدارة عن الملكية.. وبالتالي فشل الكثير من رجال الأعمال في إدارة هذه الشركات والنهوض بها. ويري أنه لإدارة الشركات العامة بشكل ناجح لابد من انتقاء قيادات مصرية جادة ومحترفة تمتلك القدرة علي الرقابة والمتابعة لتحقيق الانضباط بهذه الشركات. ومن جهته نوه الدكتور سامي السيد وكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية إلي أن الحفاظ علي أصول الدولة والنهوض بشركات القطاع العام يستوجب وضع سياسات وأهداف واضحة والبحث عن آليات تنفيذ محددة لتطبيق هذه السياسات سواء باستحداث جهاز محترف للإدارة أو أي وسيلة أخري.. موضحاً أن مصر تضم العديد من شركات القطاع العام الحيوية كالحديد والصلب وشركات الألومنيوم والتي تعد بمثابة شرياناً رئيسياً للاقتصاد الوطني ولكي تبقي هذه الشركات ملكاً للدولة لابد من رفع كفاءتها الإنتاجية وانتشالها من مسلسل الخسائر المستمرة. وألمح إلي أن استقطاب إدارات محترفة لتولي زمام الأمور في الشركات العامة أو قطاع الأعمال من السهل تنفيذه فعلياً بالاستعانة بالخيرات العاملة في هذه الشركات.. مبيناً أن الخصخصة العشوائية أدت إلي سوء توزيع الدخل بين طبقات المجتمع وإن ساهمت في زيادة الناتج القومي بتعديل مسار بعض الشركات الخاسرة ورفع كفاءتها. وتابع أن النهوض بالشركات العامة بتعيين إدارات ناجحة بارقة أمل لتقليل معدلات البطالة في مصر وذلك بخلق فرص عمل للشباب. خاصة أن ملكية تلك الشركات للقطاع الخاص لا تمكن الدولة من إجبار المستثمرين علي تشغيل أعداد إضافية. وتوضح الدكتورة يمن الحماقي وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشوري أن الاستفادة من شركات قطاع الأعمال ترفع معدلات التنمية.. فهذه الشركات أشبه بصمام أمان للمجتمع كشركات الأدوية والصناعات الكيماوية والغذائية.. لافتة إلي أن استمرار ملكية الدولة للشركة القابضة للأدوية يضمن استقرار أسعار الدواء ويعود بفائدة كبيرة علي المواطنين.. وكذلك الحال مع شركات الأغذية المملوكة للدولة التي تحافظ علي توازن أسعار السلع في الأسواق. وشددت علي أهمية رفع الجهاز المقترح لإدارة أصول الدولة لكفاءة الشركات وربطها بالتكنولوجيا الحديثة.. فضلاً عن وضع استراتيجية متكاملة للنهوض بهذه الشركات لرفع المستوي المعيشي للعاملين بها. ومن جهته يتساءل الدكتور صلاح الجندي أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة عن جدوي بيع شركات القطاع العام الخاسرة بأسعار دون قيمتها الحقيقية. بينما لو تم إصلاحها والارتقاء بها لما اضطرت الحكومة لبيعها من البداية أو علي الأقل الحصول علي قيمة مرتفعة جداً في الصفقات الخاصة بها. وطالب بإجراء دراسة شاملة لوضع سياسات محددة للجهاز الإداري المرتقب.. مع ضرورة عرض الدولة لكافة الخطوات التنفيذية الخاصة بإنشاء هذا الجهاز وطريقة عمله لإعطائه مصداقية له لدي المواطنين. وقال إن نجاح هذه الشركات سينعكس في رفع معدل الصادرات بالإضافة إلي تقليل العجز التجاري وهو ما سيترجم كذلك في انتعاش الاقتصاد القومي. وربط د.الجندي نجاح هذا الجهاز في مهمته بوجود رقابة فعالة لمتابعة أدائه مشيراً إلي أن الأجهزة الرقابية في مصر تضم الكثير من الخبراء الأكفاء الذين يمكنهم إصلاح فشل الأجهزة الإدارية المختلفة لهذه الشركات. الدكتور عبدالرحمن عليان أستاذ التكاليف بكلية التجارة جامعة عين شمس.. أكد من جانبه أن الخطوة الأولي في هذا الشأن لابد أن تكون بإعادة دراسة أوضاع كافة شركات القطاع العام المملومة للدولة وإعداد قائمة بأسمائها وطرح خطط الدولة للتغلب علي مشكلاتها.. بالإضافة إلي الاستعانة بشركات عالمية متخصصة لإدارتها مقابل نسبة محددة من الأرباح.. مع ضرورة وضع برامج متكاملة لتدريب الإداريين والعاملين بهذه الشركات. واقترح كذلك الاستعانة بالخبرات المصرية في الخارج وإستقطابها لإدارة تلك الشركات العامة لتطويرها والنهوض بها. موضحاً أن هذه التجربة تم تطبيقها في بعض القطاعات الحيوية في مصر وكتب لها النجاح بالفعل..