يحزن الزوج عندما تنجب زوجته الأنثي.. وتتعرض المرأة للوم والتأنيب.بل إن الزوج قد يقرر اما تطليق زوجته أو الزواج من ثانية إذا فشلت في انجاب الذكر.وفي هذا السياق أكد تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء أن 90% من الرجال في مصر يفضلون انجاب الذكور. وهو ميل قد لا يلام الإنسان عليه إذا انحصر في المشاعر. ولكن المرفوض هو ما كشفته الدراسة من أن 10 آلاف شخص طلقوا زوجاتهم بسبب انجابهن للبنت دون الولد عام 2008 وكان هذا الأمر أحد أسباب ارتفاع نسبة الطلاق في الصعيد علي مستوي الجمهورية كما نشرت جريدة الجمهورية. وتجلت هذه الظاهرة منذ القدم. فقبل الإسلام كان المشركون يحتقرون النساء إلي الحد الذي كانوا يعمدون فيه إلي قتل بناتهم خوفا من العار.. وكانوا يعتبرون البنات عيبا ومنقصة.. وكان اليهود يعاملون النساء علي أنها رجس من عمل الشيطان وإذا حاضت لا تخالط ولا تؤاكل ولا تعاشر. ولكن عندما جاء الإسلام رفع مكانة المرأة. فجعل النساء شقائق الرجال. وساوي بين الرجل والمرأة في التكاليف الشرعية مع وجود رخص استثنائية للمرأة. وبعد أن كانت المرأة مجرد متاع يورث مع باقي الأشياء في الجاهلية. جعل الإسلام للمرأة نصيبا من الميراث. دوافع غريزية ويقول الكاتب والداعية الإسلامي محمد عادل إن قضية الإنجاب قضية محورية في حياة كل البشر. وذلك يرتبط بالأساس بدوافع غريزية وعاطفية وذلك للمحافظة علي النوع. كما أن الذرية تعد من النعم العظيمة التي يتمتع بها الإنسان في حياته. والملاحظ في مسألة الانجاب أن كثيرا من الآباء قديما وحديثا يميلون إلي انجاب الولد الذكر ويفضلون الذكور علي الإناث. ربما لظنهم أن حاجة الأسرة والمجتمع أكثر للذكور. فظروف البيئة والعمل تفرض علي الإنسان مطالب معينة. وهي بدورها تفرض علي الإنسان تفضيل نوع علي نوع لدواعي الحاجة. وكانت هذه الظاهرة التمييزية المقيتة أكثر بروزا في فترة الجاهلية فيما يعرف بوأد البنات. ورغم اختفاء عادة وأد البنات في المجتمعات الإسلامية إلا أن رواسب جاهلية ترتبط بهذه القضية مازالت تتواجد بصور منوعة في بعض البيئات والمجتمعات بخصوص تمييز الذكر علي الأنثي. وعلي الرغم من أن المجتمع أصبح أكثر وعيا بسبب انتشار التعليم وزيادة التدين إلا أن هذه الظاهرة مازالت موجودة وتزداد ظهورا في الأماكن التي يقل فيها الوعي الديني ويقل فيها التعليم والثقافة. كما تنتشر أكثر في البيئة غير المتدينة. وفي البيئة ربما القروية من أجل الميراث. والآن نري مئات من حالات الطلاق تقع في البلاد العربية والإسلامية بسبب انجاب الإناث.. وزوجات كثيرات تعرضن للاضطهاد والظلم من الأزواج. والسبب الأمية والجهل وقلة الوعي والتمسك بعادات وتقاليد متوارثة بعيدة عن الإسلام. فتفضيل الذكر علي الأنثي. وتعظيم الرجل داخل أسرته وبين أبناء عمومته وأقاربه إذا انجب ذكورا" يحملون اسمه من بعده "والتقليل من شأن الأنثي.. كلها أمور جاهلية حاربها الإسلام وحذر منها. نظرة الإسلام وعن نظرة الإسلام. يقول الأستاذ عادل إن معالجة هذه المشكلة تندرج ضمن قضية الرزق حيث ينظر الإسلام للذرية علي أنها رزق من رزق الله يستحق الشكر سواء أكان المولود ذكرا أم أنثي. كما ينظر الإسلام لهذا الموضوع من منظور وإطار آخر كبير الأهمية هو إطار الإيمان بالقدر فالله عز وجل يقول "لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناث ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير" الشوري : 49 .50 فالذي" يعطي ويمنع هو الله سبحانه وتعالي. وليس للإنسان اختيار في أن يمنحه الله البنات أو البنين. والمؤمن لا يكتمل إيمانه حتي يرضي ويسلم بقدر الله له. فقدر الله للمؤمن كله خير. كما إن الإسلام لفت النظر إلي أننا كثيرا ما نخطئ في نظرتنا وحكمنا علي الأمور. لأن الإنسان مهما أوتي من علم إلا أن ذلك العلم محدود بالنسبة لعلم الله وحكمته يقول تعالي لافتا إلي هذه القضية "وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" "البقرة : 216". كما أن الإسلام امتن علي الوالدين في معرض ذكر الأبناء ولم يفرق بين ذكر وأنثي فقال تعالي "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" والبنون تشمل الذكور والإناث. والعبرة بصلاح الولد ذكرا كان أو أنثي وما يحصله له من منافع في الدنيا والآخرة فرب أنثي أحسن والدياها تربيتها تجلب لوالديها سعادة الدنيا والآخرة ورب ذكر جلب لوالديه النقمة وأفسد عليهما الدين والدنيا. ومثال ذلك قصة الخضر عندما قتل الغلام فرغم انه كان ولدا ذكرا إلا أن الله أعلمنا أنه لو ظل حيا سيكون وبالا علي والديه ولذا قتله الخضر "وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا" "الكهف : 80". بل إن الإسلام بشر من رزق بالبنات ببشري عظيمة فقد جاء في الحديث "من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة. فقال رجل من بعض القوم :: وثنتين يا رسول الله؟ قال : وثنتين" إذا فالقضية في نظر الإسلام ليست قضية ذكور وإناث وإنما قضية رزق ونعمة ورضي بقضاء الله. والله وحده يعلم الأنسب والأصلح للعباد. فنظرة المرء القاصرة قد تصور له أن الولد سيكون أكثر نفعا له وتمر السنون ويجد أن اختيار الله وتدبيره له هو الأصلح.. وكلما رضي الانسان برزق الله كلما بارك الله له في ذلك الرزق ذكورا كانوا أو إناثا.. نماذج مضيئة وقد شهد التاريخ الإسلامي علي وجه الخصوص بروز نابغات فضليات يشار لهن بالبنان من النساء العظيمات. ممن رفع الإسلام شأنهن. فتخطين بعلمهن وفضلهن الكثير من الرجال فمن العالمات علي سبيل المثال لا الحصر: فاطمة بنت الرسول صلي الله عليه وسلم. وحفصة أم المؤمنين. وأسماء بنت أبي بكر. ومن الفقيهات : عائشة أم المؤمنين زينب بنت أبي سالم. ومن الأديبات : الخنساء الشاعرة والشيماء بنت الحارث وعاتكة بنت زيد. ومن المدرسات : الشفاء بنت عبدالله فاطمة بنت الخطاب. وغير ذلك من النساء العظيمات اللآتي كن فخرا لآبائهن وأسرهن. بل فخرا لنساء العالم أجمع. عوامل اجتماعية وثقافية بدورها تقول د. نادية رضوان استاذة علم الاجتماع في جامعة قناة السويس. إن هناك موروثات ثقافية بشأن تفضيل انجاب الذكور متأصلة في نفوس الناس ولها أسباب. تتمثل في أن الذكر هو المسئول عن الأسرة والناس تفكر في الغد وتخطط للمستقبل. وتري أن الذي يتولي امرها بعد عمر طويل هو الابن. ومن هنا يأتي التركيز علي الذكور لتحمل أعباء الآباء إلي جانب تفضيل ذهاب الارث الي الابن وليس الابنة ومنه الي زوجها وكذلك ضمان بقاء اسم الأسرة والعائلة. ولكن هناك رؤية قاصرة في هذا السبب بالتحديد. وتضيف أن المقام الأول هو تأمين الأب والأم عند كبرهما. وهو الأمر الذي يتولي مسئوليته الابن الذكر. ولكن الأمر يختلف في أوروبا. حيث تحل محل الذكور في هذه المرحلة مؤسسات الدولة بتوفير سبل الحياة الكريمة لكبار السن من رعاية صحية وخلافه بينما هنا لن تتغير المفاهيم الخاصة بالانجاب لأن الابن غالبا هو الذي يقوم بما يتعين علي الدولة القيام به. ومن بين الأسباب التي تساهم في تفاقم هذه المشكلة وتداعياتها. كما تري د. نادية رضوان. وجود قصور في الوعي. فالرجل هو الأساس أو السبب الأول في انجاب الذكر أو الأنثي. وهي معلومة معروفة منذ سنين ولكنها لم تصل للبسطاء وقاعدة كبيرة من المصريين ولذا عندما تنجب المرأة ذكراً ينظر إليها علي أنها لم تؤد واجبها وقد تتعرض للتأنيب وبالتالي قد يفكر الزوج في البديل كزوجة جديدة. وتضيف د. نادية أن النظريات العلمية توصلت إلي ما يسمي تحديد الأسرة الطوعي غير الموجه بدون ضغوط. حيث أن هناك ارتباطا ايجابيا بين التفكير في الارتقاء بالمستوي التعليمي وارتفاع مستوي المعيشة والطموحات الشخصية وبين التقييد التلقائي لتحديد الأسرة. وتري أن علاج الظاهرة يبدأ من التعليم وعلاج ارتفاع نسبة الأمية ومنها الأمية أمان اقتصادي وصحي لكبار السن للاسهام في القضاء علي ثقافة تفضيل انجاب الولد علي البنت مشيرة إلي أن النظام الاجتماعي والصحي في الدول الاسكندنافية كالسويد والدانمارك يرفع العبء عن الأسرة حيث يمكن تعيش المسنة بمفردها وتتكفل بها الدولة. وتتفق د. إنشاد عزالدين استاذة علم الاجتماع في جامعة المنوفية مع د. نادية في أن بعض الناس لا تزال تفكر في "العزوة" والحفاظ علي اسم الأسرة والميراث ومن داخل بعض الطبقات الغنية هناك من يخاف علي ثرواته وأملاكه فيفضل انجاب الذكر علي الأنثي. الي جانب عامل توريث الدور أو الوظيفة فالتاجر يريد انجاب ولد ليصبح تاجرا مثله والطبيب يتمني أن يكون ابنه طبيبا وهكذا.. ولكن د. انشاد تري أن هذه الثقافة الذكورية تقلصت بشكل كبير. فالأنثي تحقق في وقتنا الحالي انجازات ونجاحات وتتفوق في شتي المجالات. وهناك آلاف الطبيبات والمهندسات. وتؤكد أن العبرة ليست بالنوع وانما بحسن التربية والرعاية والتوجيه. ولفتت الي الاجر الذي رتبه المولي عز وجل لمن رزق ببنات ويحسن تربيتهن كما ورد في حديث الرسول صلي الله عليه وسلم وهناك وعي كبير بهذه الاحاديث. وتري د. إنشاد أن المشكلة ليست في النوع بل في عدم الانجاب من أساسه. لأن الزوجة تريد الحفاظ علي زوجها فالمهم أولا أن انجب سواء ولدا أو بنتا.. وتدعم رأيها بأن زماننا يختلف عن الماضي مع ارتفاع مستوي المعيشة والغلاء ومصاريف المدارس الخاصة الباهظة "قد تصل أحيانا إلي 20 دولارا" في مقابل تلاشي التعليم المجاني بالإضافة إلي ضعف الصحة والمستوي المادي وأزمة الاسكان كلها أمور تقلص من شكل الأسرة الممتدة وتجعل الهم الوحيد للزوجين أن يرزقا بمولود أيا كان نوعه. ولذا فإن الناس لا تأخذ بمسميات الثقافة أو الصحة الانجابية والمجهودات الكبيرة للحد من الانجاب. فالمرأة كي تحافظ علي زوجها لابد أن تنجب منه. وتشير د. إنشاد إلي أن الافلام والمسلسلات تقدم صورة سلبية عن هذه المشكلة. في الوقت الذي يمتلك فيه الإعلام تأثيرا كبيرا علي الشق الوقائي لسلبيات ثقافة الانجاب..