لا يسع موسكو سوى أن تشعر بالارتياح لفوز فيكتور يانوكوفيتش في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، وهو فوز يثأر للإهانة التي لحقت بروسيا مع الثورة البرتقالية في كييف. (شاهد نتائج الانتخابات واستمع للمرشحين المتنافسين بالفيديو) ويعتبر فوز يانوكوفيتش بالرئاسة انتقاما لموسكو بعد أن أدارت جارتها - بتشجيع من الغرب - ظهرها للعلاقات الممتدة منذ قرون مع الكرملين. وبحلول الأحد 7 فبراير/ شباط 2010، عندما اتضح أن يانوكوفيتش أصبح على وشك أن يكون الرئيس المقبل لأوكرانيا، شعرت روسيا بأن الإهانة التي لحقت بها جراء الثورة البرتقالية قد انتهت وأن كل شيء عاد إلى ما كان يجب أن يكون عليه. ولم تكن النتائج النهائية في الانتخابات الأوكرانية قد ظهرت بعد عندما هللت الصحف الروسية الموالية للحكومة الاثنين 8 فبراير/ شباط 2010 ببداية عهد جديد في العلاقات بين موسكو وكييف. وخرجت صحيفة "ازفيستيا" اليومية بعنوان على صفحتها الأولى "الغروب البرتقالي"، في إشارة ساخرة من الثورة البرتقالية التي اندلعت العام 2004 وجولة إعادة الانتخابات الأوكرانية في يناير/ كانون الثاني 2005 التي وضعت الزعماء المعارضين لروسيا في السلطة. أما صحيفة "روسيسكايا" الناطقة الرسمية باسم الحكومة، فعنونت "النصر". فوز يانوكوفيتش جاء ليمحو آثار الضربة الجيوسياسية التي منيت بها روسيا جراء الثورة البرتقالية التي اعتقد كثيرون أنها أزاحت يانوكوفيتش - الذي تفضله موسكو - عن الساحة السياسية إلى الأبد. وكانت خسارة روسيا المفاجئة - لنفوذها في البلد الذي كان يعتبره الكرملين أنه يدور في فلكه - مؤلمة بشكل خاص نظرا لأن موسكو دعمت يانوكوفيتش علنا في 2004. وواجه فلاديمير بوتين - الذي كان رئيسا لروسيا في ذلك الوقت - انتقادات دولية بعد أن قدم تهاني بلاده علنا ليانوكوفيتش قبل إعلان النتائج الرسمية. وتعلمت روسيا من أخطائها، فعلى الرغم من أن الكرملين يحتفل بفوز رجله في أوكرانيا، إلا أنه لم تظهر مؤشرات علنية على الفرحة بين القادة الروس. ورفضت الرئاسة الروسية التعليق، بينما قال متحدث باسم بوتين - الذي يتولى الآن منصب رئيس الوزراء لكنه لا يزال يعتبر الرجل القوي في البلاد - أن الحكومة لن تعلق إلا بعد ظهور النتائج العلنية في كييف. وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم بوتين "ما زلنا لا نعلم من الذي فاز هناك". ويرى محللون أنه بغض النظر عن الفائز فإن شيئا واحدا يبدو أكيدا، وهو أن العلاقات بين أوكرانيا وروسيا ستتحسن. نافس يانوكوفيتش رئيسة وزراء أوكرانيا يوليا تيموشنكو التي - ورغم دورها البارز في الثورة البرتقالية - سعت إلى تطوير علاقات أوثق مع بوتين وموسكو في السنوات الأخيرة. المحلل السياسي فليب بافلوفسكي - المرتبط بعلاقات وثيقة مع الكرملين – قال إنه "لا شك أننا نأمل في تحسين العلاقات"، مضيفا أنه "بعد يوشينكو، فأي مرشح هو أفضل بالنسبة لروسيا"، في إشارة إلى الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يوشينكو الذي خرج من المنافسة الرئاسية في الدورة الأولى من الانتخابات في يناير/ كانون الثاني. ويعتقد 44% من الروس أن العلاقات مع أوكرانيا ستتحسن، بينما يعتقد 28% أن العلاقات ستصبح ودية، وتوقع 9% فقط تدهور العلاقات بين البلدين، وذلك حسب استطلاع نشره معهد "في تي إس آي أو إم" للاستطلاعات في 8 فبراير/ شباط 2010. وأثناء حكم يوشينكو، تدهورت العلاقات مع موسكو إلى أدنى مستوياتها بعد الحقبة السوفيتية، حيث سعى الزعيم الموالي للغرب إلى تصوير بلاده ضحية لعمليات القمع أثناء هذه الحقبة، يدعمه رئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي - العدو اللدود للكرملين - كما دفع يوشينكو إلى انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي. وأصبح الخلاف بين أوكرانيا وروسيا حول أسعار الوقود في نهاية كل عام مشكلة متكررة في السنوات الأخيرة. وفي أغسطس/ آب 2009 قررت روسيا وقف كافة تعاملاتها مع يوشينكو إلى الأبد. ويرى كثيرون أن روسيا انتقمت أخيرا بنهاية يوشينكو والثورة البرتقالية، بعد أن كان الكرملين حذر لفترة طويلة من أن ما يعرف ب"الثورات الملونة" يمكن أن تضر أكثر مما تنفع الجمهوريات السوفيتية السابقة التي شهدت هذه الثورات. إلا أنه بالنسبة لموسكو، فإن قمة السخرية هو أن الانتخابات الديمقراطية - وهي العملية التي لا تزال محل شك العديدين في الساحة السياسية الروسية - هي التي جعلت فوز يانوكوفيتش في أوكرانيا ممكنا. وقال نيكولاي بيتروف المحلل في مركز كارنيجي في موسكو إن "هذه الانتخابات بحد ذاتها هي إنجاز ديمقراطي للثورة البرتقالية".