كم مرة نظرت فيها إلي خريطة العالم؟ وحتي لو فعلت ذلك فهل حدث ان بحثت مرة عن قاع العالم.. عن آخر وأبعد نقطة في الجنوب.. في القطب الجنوبي؟ ان99% من سكان العالم لايلفت المكان اهتمامهم بل وربما لم يسمعوا عنه،فا علي عكس مايحدث مع سقف العالم في القطب الشمالي. ففيه ناس وحياة وطائرات تطير فوق هذا السقف ومساحات تتبع دول تعتبر مالكة لها.. اما القطب الجنوبي وهو بحد ذاته قارة أكبر من القارة الأوروبية فهو المكان الوحيد في كل العالم الذي تمتلكه كل واحد ولايمتلكه أي واحد. انه لا يتبع حكومة ولاتمتكله دولة ولا تعبره طائرة، فهو ابرد واجف وأكثر قارات العالم في قوة الرياح، ولذلك لايسكنه احد لا اليوم ولا في أي وقت، فهو عبارة عن ديب فريزر مفتوح علي ابرد درجة يختزن جبالا شاهقة من الثلوج التي تراكمت عبر ملايين السنين، وهذه الجبال تحوي 70% من مياه العالم وتعتبر انقي أنواع المياه المحبوسة في شكل ثلوج يصل سمكها إلي نحو 1600 كيلومترا!! ولو حدث وذابت هذه الثلوج لارتفع سطح البحر 60 مترا! هل تتصور معني ان يحدث ذلك؟ بالتأكيد سوف يكون يوم القيامة! ومن المفارقات ان اول رحلة قمت بها في حياتي زرت فيها القطب الشمالي، حيث سقف العالم، وكان ذلك في ربيع عام1958 عندما ركبت الطائرة لأول مرة في حياتي بعد ان تلقيت دعوة من شركة الطيران الإسكندنافية ساس لزيارة الدول الإسكندنافية في مناسبة انتقال شركة ساس من استخدام الطائرات المروحية إلي استخدام طائرات كارفيل الشهيرة في ذلك الوقت، وكانت هذه نقلة كبيرة في مسيرة الطيران، وقد بدأت رحلة الكارفيل من بيروت التي سافرنا إليها بالطائرة المروحية حيث كان مكان تجمع المدعوين من مختلف دول الشرق الأوسط من السعودية، وإيران، وتركيا، ولبنان، ودول أخري. وكانت اول وآخر مرة اسافر فيها مع الكاتب فكري أباظة الذي رغم انه كان اكبرنا سنا ومقاما فهو من مواليد 1896 أي ان سنه كان 63 سنة في الوقت الذي كان يرأس فيه منذ عام 1926 مجلة المصور إلا انه كان بالغ التواضع وخفة الدم، وكان يعاني من ضعف نظره ورغم ذلك كان يتعرف بسرعة علي أي امرأة ويحرص علي ان تسجل له الصور معها ولخفة دمه والطريقة المهذبة التي يتعامل بها مع الجميع كانت الفتيات يستجبن له، وهذا جعلني اتشكك في حكايات كتبها عن نساء احبهن واحببنه. ومع فكري أباظة في نفس الرحلة كان هناك الكاتب الأستاذ أحمد حمروش وهو من الضباط الأحرار الذين شاركوا في حصار قصر رأس التين وكان في ذلك الوقت مديرا للمسرح القومي، كما ضمت الرحلة الراحل لطفي حسونة أشهر من تخصص في متابعة جلسات المحاكمات العسكرية التي اجرتها الثورة وكان يكتب ما يجري في قاعة المحكمة بسرعة أجهزة التسجيل التي لم تكن ظهرت حتي ذلك الوقت ويرسلها مباشرة من المحكمة إلي قسم الجمع في صحيفة الاخبار التي وصل إلي نائب رئيس تحريرها. من القاهرة اتجهنا إلي بيروت حيث امضينا ليليتين ومن هناك اتجهنا إلي كوبنهاجن عاصمة الدنمارك ثم إلي مدينة اوسلو عاصمة النرويج ثم العاصمة السويدية استكهولم.. ومن السويد قمنا برحلة إلي سقف العالم في القطب الشمالي واعطتني شركة ساس شهادة اعتراف بوصولي إلي سقف العالم مختومة بخاتم دائرة القطب الشمالي بتاريخ 2 مايو1959، ومنذ هذه الرحلة مرت سنوات كثيرة زرت فيها العديد من الدول وكل القارات فيما عدا قارة واحدة هي أمريكا الجنوبية التي لم اكن زرت فيها سوي المكسيك. ولم يخطر ببالي يوما انه بعد 50 سنة من زيارتي لسقف العالم عام 1958 سوف اقوم برحلة إلي القارة التي لم اكن زرتها من قبل وان اتوغل حتي اصل إلي قاع العالم وان افتح عيني يوم اول يناير 2009 فلا اجد حولي سوي الثلوج البيضاء بلون السماء كل شيء ابيض نقي.. لاحبة رمل ولاذرة تراب ولا صوت سيارة أو بائع أو متحدث هنا آخر العالم فعلا.. وكما حصلت علي شهادة بوصولي إلي سقف العالم في مايو 1958، حصلت علي جواز سفر دخولي آخر العالم في يناير 2009 بعد رحلة قطعت فيها الباخرة أكثر من 20 ألف كيلو متر! هذه الرحلة كتبتها في شكل مدونات يومية لنشرها في بساط الريح علي شكل حلقات متتابعة أسبوعيا اقطعها كل فترة لأتواصل مع القارئ في موضوع آخر فإلي الأسبوع المقبل بإذن الله * نقلا عن جريدة "الأهرام" المصرية