توجه الناخبون الألمان إلى مراكز الإقتراع الأحد 27 سبتمبر/ أيلول 2009 لاختيار أعضاء البرلمان وتحديد شكل الحكومة الجديدة التي ستقود البلاد خلال السنوات ال4 المنتهية في 2013. ولكل ناخب ألماني صوتان، حيث ينتخب المواطن بالصوت الأول مرشح دائرته الانتخابية ويفوز المرشح الحاصل على أغلب الأصوات، أما الصوت الثاني فيمنحه الناخب لقائمة حزبه المفضل على مستوى كل ولاية، ولدى فرز الأصوات يتم احتساب الأصوات الأولى والثانية. ويتألف البرلمان بعد ذلك من النواب الذين تم انتخابهم بالشكل المباشر وعن طريق قوائم الأحزاب. وتبلغ نسبة المشاركة في الإدلاء بالأصوات في انتخابات البرلمان الألماني ما يقرب من 80%. وينص القانون على السماح للأحزاب التي تحصل على نسبة لا تقل عن 5% بدخول البرلمان، أما الأحزاب التي تحصل على نسبة أقل فلن تمثل برلمانيا. وتتنافس العشرات من الأحزاب السياسية التي تمثل التيارات المختلفة، ولكن المنافسة تتركز بصفة خاصة بين الأحزاب الممثلة في البرلمان، وهي الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري - الشقيق الأصغر لحزب ميركل - بالإضافة إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي - الشريك في الائتلاف الحاكم - وأحزاب المعارضة (وهي الخضر واليسار والحزب الديمقراطي الحر). وتشير استطلاعات الرأي إلى استمرار المستشارة ميركل في منصبها على رأس الحكومة الجديدة، ولكن مع تغيير شريكها في الائتلاف الحاكم باستبعاد الحزب الاشتراكي واختيار الحزب الديمقراطي الحر الذي يتفق مع حزب ميركل في الكثير من القضايا الهامة، وفي مقدمتها قضايا الاقتصاد. ورغم حدة المنافسة واقتراب الحزب الاشتراكي بقيادة مرشحه فرانك فالتر شتاينماير وزير الخارجية ونائب المستشارة في الدخول إلى دائرة المنافسة بقوة، إلا أن فرص ميركل تصبح هي الأفضل في الحصول على أغلبية مريحة في البرلمان مع الحزب الديمقراطي الحر. وتبدو فرص استمرار الائتلاف الحاكم الكبير المكون من المسيحيين والاشتراكيين ضعيفة على الرغم من نجاح هذا الائتلاف في الخروج بألمانيا من الأزمة المالية العالمية بأقل خسائر ممكنة، وذلك بفضل التنظيم المحكم لعملية دعم الاقتصاد عبر برامج بلغت قيمتها عشرات المليارات لتشجيع الشركات والأفراد والصناعة والمصارف. وترفض المستشارة ميركل استمرار الائتلاف الحاكم مع الحزب الاشتراكي، وترجع ذلك إلى الخلافات الواضحة في برامج الحزبين حول سبل مكافحة تداعيات الأزمة الاقتصادية والخروج من عملية الركود، وتأمل في الوقت نفسه في الائتلاف مع الحزب الديمقراطي الحر الذي سيدعمها في تعزيز دور السوق الحر وتحقيق بعض المطالب وأهمها تمديد عمل مفاعلات الطاقة النووية، الأمر الذي يرفضه الحزب الاشتراكي. وتظل هموم ومخاوف المواطن الألماني الشغل الشاغل للأحزاب المتنافسة، وتتفق برامج هذه الأحزاب على تأمين فرص العمل الحالية وتوفير فرص جديدة، مع الحد من ارتفاع البطالة والحفاظ على الخدمات الاجتماعية التي تدعمها الدولة، ولكنها تختلف حول الضرائب التي تشكل إيرادتها مع التصدير ومعدلات الإنفاق الداخلي دعائم الاقتصاد الألماني الأكبر في أوروبا. وسواء قاد ألمانيا التحالف المسيحي بقيادة ميركل أو الاشتراكي بقيادة شتاينماير فلن تختلف ثوابت السياسة الألمانية سواء داخليا أو خارجيا، وسيصبح الفارق هو ترتيب الأولويات وطريقة تنفيذ البرامج للخروج من تداعيات الأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى التركيز على العديد من المشاكل الملحة والمتمثلة في مكافحة التيار اليميني المتطرف وتشجيع عملية الاندماج للأجانب المقيمين في ألمانيا ومكافحة التراجع في أعداد السكان، من خلال دعم العائلات وزيادة معونة الأطفال، وتخفيف الأعباء الضريبية، وتوفير فرص التدريب للشباب، وتشجيع الأبحاث العلمية، وتطوير تقنيات الحفاظ على البيئة وحماية المناخ، مع منح المرأة فرصا أكبر في المجتمع. أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فسيظل دعم ألمانيا لدور الاتحاد الأوروبي أحد أهم المحاور باعتباره السوق الرئيسي لألمانيا والبوابة التي ستحقق الطموح الكبير للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، والطريق لدعم العلاقات عبر الأطلسي والاضطلاع بتحمل ألمانيا لمسئوليات دولية تتماشى مع مكانتها الاقتصادية المرموقة بين دول العالم. وستصطدم الحكومة الألمانية الجديدة بمشاكل خارجية كبيرة، وخاصة فيما يتعلق بالمشاركة في العمليات العسكرية تحت مظلة الأممالمتحدة أو حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو الاتحاد الأوروبي. وتأتي أفغانستان في مقدمة هذه القضايا، حيث يرفض أغلب مواطني ألمانيا بقاء قوات بلادهم هناك، في ظل تزايد أعداد الضحايا من جنودهم والمدنيين الأفغان، وهو الأمر الذي أجبر ميركل وشتاينماير في الوقت نفسه على المطالبة بوضع خطة زمنية للانسحاب من أفغانستان، مع فروق حول موعد سحب القوات من هناك. ويشير الخبراء إلى تصعيد الضغوط الأمريكية على الحكومة الألمانية الجديدة من أجل زيادة أعداد جنودها في أفغانستان على الرغم من الرفض الشعبي لهذه المطالب وتحفظ برلين إزاء تلبية الرغبة الأمريكية التي تنطلق من ضرورة تفعيل ألمانيا لدورها في المجتمع الدولي ومساعدة الحلفاء. ولن يختلف الأمر أيضا في تعامل الحكومة الألمانية الجديدة مع مشكلة الشرق الأوسط، وسيقتصر دورها على التحرك في إطار أوروبي موحد مع بذل جهود متزنة تتماشى مع الثوابت الألمانية، وهي الحفاظ على أمن إسرائيل ومساعدة الفلسطنيين والعمل على التوصل إلى حل على أساس دولتين متجاورتين، فضلا عن الوساطة في ملفات الأسرى بين إسرائيل من جانب واللبنانيين والفلسطينيين من جانب آخر، كما ستواصل ألمانيا مساعيها لاحتواء أزمة الملف النووي الإيراني بالوسائل الدبلوماسية. وتترقب أوروبا والغرب نتائج الانتخابات الألمانية، حيث تأمل روسيا في فوز الحزب الاشتراكي وحصول شتاينماير على منصب المستشار، وتنظر إليه كامتداد لعهد المستشار السابق جيرهارد شرودر - أحد أهم أصدقاء موسكو في أوروبا - بينما سترحب فرنسا والولايات المتحدة بفوز ميركل في هذه الانتخابات انطلاقا من التطور الإيجابي في العلاقات أثناء فترة حكمها. وستلعب أحزاب المعارضة الصغيرة دورا هاما في تحديد ملامح الحكومة الألمانية الجديدة، وستترك هذه الأحزاب الباب مفتوحا للدخول في ائتلاف تعود به من جديد إلى المشاركة في حكومة ألمانية مقبلة. ويتمتع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر بفرص طيبة للمشاركة في الائتلاف المقبل، أما حزب اليسار فسيجد صعوبة بالغة لاتخاذه شريكا في أي ائتلاف، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى حصوله على نسبة قد تصل إلى 10% في الانتخابات. وأيا كانت نتيجة الانتخابات الألمانية، فإن الفائز الحقيقي هو المواطن الألماني الذي سيحصل في نهاية الأمر على حكومة يختارها لتلبية مطالبه وتحقيق أحلامه والحفاظ على رفاهيته.