تواصلت المظاهرات والاحتجاجات الحاشدة ضد المجلس العسكرى الحاكم فى بورما وتزعم ألاف الرهبان البوذيين المظاهرات السلمية من أجل الديمقراطية، وقد نزلت شرطة مكافحة للشغب إلى شوارع العاصمة " يانجون " وهى المدينة الرئيسية فى بورما بعد أيام من هذه المظاهرات التى تذكر بالأحداث التى وقعت قبل 20 عاماً عندما شنت الحكومة العسكرية حملة صارمة على المحتجين المطالبين بالديمقراطية أدت إلى سقوط نحو 3000 قتيل . ويعتبر المراقبون أن مظاهرات الرهبان فى بورما هى أضخم احتجاجات مُناهضة للحُكم العسكرى فى البلاد منذ عشرين عاماً رغم تحذيرات المجلس العسكرى بإمكانية اللجوء إلى الجيش لفض الاحتجاجات فى الشوارع، لوصفها بأنها غير مشروعة وقد قامت السلطات العسكرية الحاكمة فى بورما بقمع حركة الاحتجاج التى يقودها رهبان بوذيون مما تسبب فى سقوط وإصابة العشرات، وكانت حركة الاحتجاج قد بدأت فى 19 أغسطس إثر تحرك للمعارضة فى مواجهة ارتفاع كبير فى الأسعار والمطالبة بالديمقراطية . ويرى المحللون أن هذه المظاهرات التى شهدتها بورما( ميانمار) فى أقل من أسبوع تثير مخاوف المجلس العسكرى الحاكم الذى يخشى تكرار تجربة الانتفاضة الديمقراطية التى حصلت عام 1988، وأن العسكريين يخشون على الدوام اهتزاز مواقعهم وينتابهم إحساس بالقلق لأن ما تشهده البلاد هذه الأيام من مظاهرات واحتجاجات يعيد للذاكرة إلى بداية انتفاضة عام 1988 المطالبة بالديمقراطية وقمع العسكريين، تلك الانتفاضة التى تمت بوسائل دموية مما أسفر عن سقوط آلاف القتلى، ومن المفارقات أن هذا اليوم المسمى ب " اليوم الأسود " فتح الطريق لقيام الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية التى تتزعمها المعارضة " أونج سان سوتشى " الخاضعة حالياً رهن الإقامة الجبرية . وقد طلب مجلس الأمن أمس من السلطات البورمية إظهار أكبر قدر من ضبط النفس واستقبال الموفد الخاص للأمم المتحدة بدون تأخير، مُعرباً عن قلقه إزاء الأوضاع هناك وقد اعتبر سفير الصين لدى الأممالمتحدة أن فرض عقوبات على بورما لن يكون مُجدياً، وكانت الصين قد استخدمت حق النقض فى يناير الماضى على مشروع قرار ينص على فرض عقوبات على بورما، ونصحت الصين النظام العسكرى الحاكم فى بورما بعدم المبالغة فى الرد على التظاهرات السلمية فى رانجون، وأعربت فى نفس الوقت عن أملها فى استقرار بورما وتنميتها الاقتصادية، لكن مع التشديد على عدم التدخل فى شئونها الداخلية، ويعتبر الموقف الصينى قريباً من الموقف الروسى الذى وصف أحداث بورما أمس بأنها قضية داخلية لا تهدد الأمن الإقليمى والدولى . وأعلن ممثل المفوضية الأوروبية أن زعيمة المعارضة " أونج سان سوسوكى " والحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 1991، وهى قيد الإقامة الجبرية فى بلادها منذ 2003 نقلت إلى مكان أكثر أماناً، وأعلن رئيس وزراء المعارضة البورمية فى المنفى " ساين وين " أن سوكى نقلت الأحد الماضى إلى السجن وقد عكف الخبراء الأوروبيون فى القضايا الآسيوية على دراسة الدعوات إلى تشديد العقوبات الدولية التى تعتبر صارمة بحق نظام بورما العسكرى، وتنص العقوبات الحالية على منع 375 شخصاً من أعضاء الحُكم العسكرى، وعائلاتهم من دخول الاتحاد الأوروبى وسيتم تجميد حسابات تلك الأشخاص . وقد دعت الحكومة الإيطالية المجلس العسكرى الحاكم فى " ميانمار " إلى عدم اللجوء لاستخدام القوة فى قمع مظاهرات المعارضة التى تعم البلاد منذ أيام مطالبة بالتحاور الفورى وإعادة الحرية إلى الزعيمة أونج سان سوسوكى، وبفتح حوار فورى مع الرهبان البوذيين ومع أعضاء الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية وجميع فصائل المعارضة، وقد عبرت الحكومة الإيطالية عن احتجاجها على اعتقال عشرات المتظاهرين والمعارضين فى ميانمار مطالبة فى هذه المناسبة بإطلاق الزعيمة " أونج سان سوكى " التى تقبع تحت الإقامة الجبرية . كما حث رئيس الوزراء البريطانيى جوردن براون الاتحاد الأوروبى على اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد بورما مُطالباً بتشديد العقوبات ضد الحكومة التى يتزعمها عسكريون، وبالقيام بعمل دولى فورى منسق لوقف العنف فى بورما، وكان الرئيس الأمريكى جورج بوش قد حذر السلطات العسكرية فى بورما من مغبة قمع الحريات، ومعرباً عن قلقه إزاء الأوضاع هناك، وأشارت وزيرة الخارجية الأمريكية " كونداليزا رايس " أن الولاياتالمتحدة ستكثف ضغوطها على مجلس الأمن الدولى لاتخاذ قرار بشأن ميانمار لدعم المتظاهرين المناهضين والمحتجين على الحُكم العسكرى فى البلاد . ومن جانبه دعا الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى إلى المصادقة دون تأخير على عقوبات بحق بورما وطلب من الشركات الفرنسية بما فيها مجموعة " توتال النفطية " تعليق استثماراتهم فى ذلك البلد بسبب قمع التظاهرات داعياً أيضاً الاتحاد الأوروبى إلى اتخاذ عقوبات بسبب انتهاك حقوق الإنسان، وتعمل توتال وهى رابع مجموعة نفطية فى العالم فى بورما منذ 1992، وأعربت مجموعة الدول الثمانى الصناعية الكبرى عن قلقها العميق من الوضع فى بورما وأدانوا كل أشكال العنف ضد المتظاهرين المسالمين داعين السلطات البورمية إلى الكف الفورى عن استخدام العنف . تعتبر بورما من دول آسيا الأكثر عزلة وفقراً فى العالم بالرغم من مواردها المهمة ولاسيما بالغاز الطبيعى، ويحدها غرباً بنجلاديش والهند وشمالاً الصين وشرقاً لاوس وتايلاند ومساحتها 676552 كم وعدد سكانها 51 مليون نسمة يتوزعون إلى بورميين 68% وعدة أقليات أخرى، واللغة الرسمية بها هى البورمية، إلى جانب لغات أخرى محلية كثيرة، والديانة الرئيسية هى البوذية 85% ثم هناك المسيحية 4% والإسلام 4% والهندوسية 1%، وإجمالى الدين الخارجى 7.239 مليار دولار . وقد قامت ثلاثة حروب متتالية بين البريطانيين والبورميين " 1824 – 1826 " و " 1852 – 1885 " ثم انضمت بورما لإمبراطورية الهند 1886 ثم تم منحها حكماً ذاتياً محدوداً عام 1937، لكنها خرجت من سيطرتهم عقب الاجتياح اليابانى " 1942 – 1945 "، وفى الرابع من يناير عام 1948 حصلت بورما على استقلالها بعد سنة على اغتيال " أنونج سان " بطل الاستقلال ووالد زعيمة المعارضة الحالية " أونج سان سوسوكى " . وتحكم مجالس عسكرية البلاد بيد من حديد منذ 45 عاماً فى مارس 1962، وفى أغسطس 1988 قامت انتفاضة شعبية طالبت بالديمقراطية، وشارك فيها رهبان وتعرضت لحملة قمع عنيفة أسفرت عن سقوط ثلاثة آلاف قتيل، وقد وافق المجلس العسكرى الحاكم على تنظيم انتخابات تشريعية فى مايو عام 1990 فازت فيها الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بزعامة " سوكى " 392 مقعداً من أصل 485 " غير أن المجلس العسكرى أنكر فوزها . وفى مايو 2002 أطلق سراح " أونج سان سوسوكى " لكن أعيدت بعد فترة إلى السجن قبل أن توضع لاحقاً فى الإقامة الجبرية حيث حرمت من الحرية خلال القسم الأكبر من السنوات ال 18 . ويتعرض النظام العسكرى الحاكم لعقوبات شديدة تفرضها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى ويواجه المجلس العسكرى منذ 18 أغسطس 2007 موجة مظاهرات واحتجاجات على خلفية تفاقم الأزمة المعيشية بعد الزيادة الكبيرة فى أسعار البنزين ووسائل النقل، ويصف النظام هناك بالديكتاتورية العسكرية برئاسة الجنرال ثان شوى رئس مجلس السلم والتنمية . 27/9/2007