في زيارة مفاجئة لم يعلن عنها مسبقاً، وصل الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى العراق امس الاثنين وهبطت طائرته الرئاسية بقاعدة "الأسد" الجوية، بمحافظة "الأنبار"، غربي بغداد. وتُعد هذه الزيارة الثالثة للرئيس الأمريكي للعراق، ولكنها الأولى التي يهبط فيها بطائرته خارج بغداد، مصطحباً معه عدداً من المسؤولين بإدارته، من بينهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي، والجنرال دوجلاس لوتي، منسق شؤون العراق بالبيت الأبيض. وتأتي الرحلة المفاجئة التي استغرقت 11 ساعة في وقت يستعد البيت الأبيض لمواجهات ساخنة مع الكونجرس، الذي يسيطر الديمقراطيون على غالبيته، حول جدوى استراتيجيته الراهنة في العراق، والتي تتضمن زيادة القوات الأمريكية ب30 ألف جندي إضافي. كما تأتي قبل أسبوعين من موعد تقديم تقرير قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ديفيد بتريوس، والسفير الأمريكي ببغداد رايان كروكر، الذي سيقيّم مدى فعالية تلك الإستراتيجية وبدء فصل جديد من الحرب في العراق. كما تزامنت زيارة بوش للعراق مع انسحاب القوات البريطانية من اخر قاعدة لهم في مدينة البصرة الجنوبية وسط توتر بين واشنطن وحليفتها الكبرى بريطانيا حول السياسة الواجب اتباعها في العراق. وكان البيت الأبيض قد أعلن في وقت سابق، أن الرئيس الأمريكي غادر قاعدة "أندرو" الجوية في طريقه إلى سيدني باستراليا، لحضور المؤتمر الاقتصادي لمنطقة أسيا والباسفيك ، ولكنه عرج بصورة مفاجأة للعراق . وبعد مرور سويعات من وصول بوش إلى قاعدة الاسد الجوية إجتمع الرئيس الامريكى فيما يعرف باسم "مجلس حرب" مع كبار قادته العسكريين والقوات الأميركية المتمركزة في القاعدة الجوية بالمنطقة . وتحدث بوش عن احتمال تواجد عدد اقل من القوات الاميركية في حال استمر التقدم المحرز في هذا البلد ،مجددا تعهداته بعدم التخلي عن الشعب العراقي .. وتسعى المعارضة الديموقراطية التي تمتلك الغالبية في الكونجرس منذ عدة اشهر الى وضع جدول زمني لسحب القوات الاميركية من العراق. الا ان بوش مع القادة العسكريين الاميركيين طلب مزيدا من الوقت لتقييم نتائج الاستراتيجية الاخيرة.، والتى بموجبها تمكن بوش من تعزيز القوات الاميركية في العراق بنحو 26 الف جندي على امل التمكن من تحسين الوضع الامني خصوصا في العاصمة بغداد. ويرى المحللون ان زيارة بوش للانبار وليس لبغداد توفر فرصة للرئيس الاميركي لابراز التحول الكبير الذي شهدته هذه المحافظة حيث انضم متمردون سنة سابقون الى القوات الاميركية لمواجهة مقاتلي القاعدة. مستشارو الرئيس الأمريكي أوضحوا أن هدف الزيارة هو لقاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والقيادات السنية بغرض التقريب بينهما لأجل المصالحة الوطنية. يشار الى ان الرئيس الأمريكي كان قد قام بزيارتين لبغداد، قبل الزيارة الحالية، منذ غزو قوات بلاده للعراق في مارس من العام 2003، حيث كانت آخر زيارة له في يونيو من العام الماضي، وسبقتها زيارة أولى بعد قليل من الغزو، حيث حضر احتفالاً مع الجنود الأمريكيين بعيد الشكر، في نوفمبر 2003. وتأتي الزيارة الثالثة للرئيس الاميركي جورج بوش الى العراق منذ الاجتياح الاميركي لهذا البلد عام 2003، وسط اجواء سياسية شديدة التوتر في الولاياتالمتحدة بين الجمهوريين والديموقراطيين ،ويسعى بوش جاهدا الى الدفاع عن استراتيجيته التي وضعها في يناير الماضي وتضمنت ارسال نحو 26 الف جندي اضافي الى العراق لوضع حد لاعمال العنف والمساعدة في استتباب الامن في هذا البلد. . وتزداد الانتقادات لقرار بوش ارسال المزيد من القوات الى العراق، سواء من الديموقراطيين الذين يشكلون غالبية اعضاء الكونجرس، او من بعض الجمهوريين الذين باتوا لا يخفون تمردهم على ادارة بوش. ويرى السناتور الديموقراطي جوزف بيدن المرشح للانتخابات الرئاسية عام 2008 ان الهدف من هذه التعزيزات كان المساهمة في التوصل لمصالحة سياسية، الا ان المصالحة السياسية لم تحصل. وتوجه عدد من النواب والشيوخ الاميركيين الى العراق في الفترة الاخيرة وبينهم السناتور الجمهوري الواسع النفوذ جون وورنر الذي طالب في ختام زيارته الى بغداد في نهاية اغسطس الماضي ببدء سحب القوات الاميركية بحلول عيد الميلاد المقبل للضغط على الحكومة العراقية وحثها على تحمل المزيد من المسؤوليات في البلاد. وكان السناتور الجمهوري الاكثر نفوذا في مجال السياسة الخارجية ريتشار لوغار قد دعا في يوليو الماضى الى انشاء منتدى دبلوماسي حول العراق يعقبه انسحاب غالبية القوات الاميركية خلال اشهر قليلة. وبات الاميركيون ينظرون بمزيد من التشكك الى الوضع في العراق بعد مرور اكثر من اربع سنوات على الاجتياح الاميركي لهذا البلد واثر وصول عدد القتلى الاميركيين فيه الى اكثر من 3700 قتيل اضافة الى عشرات الاف القتلى من المدنيين. وحسب آخر استطلاع للرأي فان نحو ستين بالمئة من الاميركيين يقولون انهم فقدوا الثقة في رئيسهم. ويستأنف الكونجرس جلساته اليوم الثلاثاء استعدادا للاستماع الى تقرير من الادارة الاميريكية حول الوضع في العراق من المفترض ان يسلمه البيت الابيض بحلول الخامس عشر من الشهر الجاري . ويريد الرئيس الاميريكي المضي قدما في استراتيجية ارسال التعزيزات هذه والتي اتاحت حسب رأيه خفض اعمال العنف في العراق، حتى مطلع السنة المقبلة، الا ان الديموقراطيين عازمون على السعي مجددا الى فرض جدول زمني للانسحاب عليه. ومع ان الديموقراطيين يسيطرون على الكونغرس وان كان باكثرية بسيطة فانهم فشلوا مرارا في ارغام الادارة الاميركية على البدء بسحب القوات من العراق.لكنهم عازمون على هجومهم على ادارة بوش بدءا من الاسبوع الحالي مع التشديد على ان الهدف الاساسي من ارسال التعزيزات من الجنود كان اساسا لزيادة الاصلاحات السياسية المشلولة حاليا. ويستند الديموقراطيون ايضا الى تقرير للمنظمة الاميريكية لمراقبة العمل الحكومي سيسلم الى الكونجرس يتضمن اشارة الى تلكوء عراقي كبير في تنفيذ الاهداف ال18 التي حددها الكونجرس لتحقيقها. ويسعى الديموقراطيون الى الاستفادة من هذا النص الاقل تفاؤلا بالطبع من تقرير بترايوس قائد القوات العسكرية فى العراق وكروكرالسفير الامريكى فى العراق في مهاجمة البيت الابيض واتهامه بتقديم رؤية بعيدة كثيرا عن حقيقة الوضع على الارض. و بعد عدة أشهر من الرفض بعناد حتى مجرد التفكير في خفض مستويات القوات الامريكية في العراق قرر الرئيس الامريكي جورج بوش فجأة ان فكرة سحب قواته من العراق لم تعد من المحرمات. ورغم انه صاغ كلماته بحرص ولم يقدم وعودا الا ان تصريحه كانت نوعا من التنازل الذي نادرا ما يتم سماعه من بوش الذي جعل الفكر الاحادي السمة المميزة لرئاسته وسلوكه في الحرب التي لا تتمتع بشعبية في العراق. ولم يذكر بوش عدد القوات التي قد يتم سحبها أو متى يتم ذلك وأصر مثلما يفعل دائما على ان أي قرارات ستستند الى تقييم القادة العسكريين وليس للاعتبارات السياسية في واشنطن ،لكنه أوضح انه يرى ان الموقف يتغير على الارض في الانبار واجزاء اخرى من العراق مما شجعه على ان يتكهن بشأن الاحتمالات الافتراضية لخفض القوات.، مشددا على انه عندما يبدأ خفض القوات في العراق سيكون ذلك انطلاقا من مركز قوة ونجاح وليس من منطلق خوف وفشل.. فالقيام بغير ذلك سيزيد احتمال ان تتعرض الولاياتالمتحدة للهجوم داخل اراضيها حسب قوله . ويرى المراقبون ان بوش ربما يحاول تبديد بعض الضغوط المتنامية التي يواجهها وهو يتجه الى مواجهة مع الكونجرس الذي يتزعمه الديمقراطيون بشأن استراتيجيته في العراق ،وأن استعداده الى التفكير حتى في خفض متواضع للقوات يمكن ان يمنع انشقاق مزيد من الجمهوريين مع اشتداد حملة انتخابات الرئاسة وشعور المرشحين بالقلق بشأن الاثار السلبية للمشاعر المناهضة للحرب.