منذ القدم تعامل الناس مع القبور بنوع من الاحترام والهيبة الذي وصل حد التقديس احيانا ومقابر الفراعنة في مصر ما تزال شاهدة على موقف قدماء المصريين ونظرتهم للقبور خاصة قبور ملوكهم وكهنتهم. كما اوردت جريدة الدستور الاردني واختلفت نظرة العرب المسلمين للقبور بقدر قوة وتأثير العامل الديني الذي منع الاعتداد بالقبر وقلل من عملية الاعتناء به لكي لا يتحول هذا القبر الى مزار يمكن ان يكتسب القداسة جيلا بعد جيل؟ وباستثناء قبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في المدينةالمنورة وقبر الامام علي بن ابي طالب في مدينة النجف الاشرف في العراق وقبري ولديه الحسين والعباس في مدينة كربلاء فان القبور التي تحمل رموزا ودلالات دينية قليلة الوجود الا ما يتعامل به المسلمون الشيعة مع قبور ائمتهم الاثني عشر الموجودة في معظمها بالعراق. وباختلاف عادات وتقاليد الشعوب والامم اختلفت النظرة للقبور وطريقة الدفن او طريقة التعامل مع الميتين فهناك من تفرض عليهم التقاليد الدينية والاجتماعية حرق جثث امواتهم وذر رمادها في الهواء او في مياه الانهار المقدسة عندهم وهناك من يذهب الى الاهتمام بالقبر وبنائه بشكل لافت للنظرووضع الكثير من الحاجيات الثمينة والشخصية التي كان يحبها الميت او يرتبط معها بعلاقة خاصة. وفي العصر الحديث ذهبت الدول والحكومات الى بناء اضرحة كبيرة للجندي المجهول والشهيد تكون في الغالب تحفة من تحف البناء والهندسة المعمارية في البلاد او هي تذهب الى بناء اضرحة ومزارات كبيرة لرموزها السياسية في مصر هناك قبر الرئيس جمال عبد الناصر وقبر الرئيس انور السادات وفي بغداد هناك ضريح ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي وضريح الرئيس صدام حسين وفي سورية ضريح الرئيس حافظ الاسد وفي المغرب ضريح الملك الحسن الثاني وفي رام الله ضريح الرئيس ياسر عرفات وغيرها من الاضرحة التي تحولت الى متاحف ومزارات شعبية لمحبي هؤلاء الزعماء وانصارهم او الاجيال التي لم يكتب لها ان تعيش في زمنهم. لكن الامر يختلف تماما عند الفنانين الكبار الذين يمتلكون قاعدة شعبية وجماهيرية قد تكون اوسع بكثير من تلك التي يمتلكها الشعراء او السياسيون على حد سواء فما فرقته السياسة يمكن ان يقوم الفن بتجميعه وتوحيده وهذا يصبح واضحا تماما من متابعة حجم وعدد الزوار الذين يؤمون يوميا قبر ام كلثوم وقبر عبد الحليم حافظ وقبر فريد الاطرش وقبر محمد عبد الوهاب في القاهرة من اجيال متفاوته في العمر بعضهم عاصر هؤلاء الفنانين في ذروة عطائهم الفني والكثير منهم جاء للحياة بعد رحيل هذا الفنان او ذاك ولا يعرف عنه الا ما يسمعه من اجيال سبقت او ما يستطيع الاحساس به من هذه التركة الفنية الهائلة التي ماتزال صالحة للتداول في حياتنا. يقول خبراء في علم النفس ان زيارة العديد من المواطنين لقبور المشاهير من الوسط الفني تأتي في بعض الاحيان تعبيرا عن رغبة عارمة في الشعور الداخلي خاصة لاؤلئك الذين عاصروا هؤلاء الفنانين في قمة نجوميتهم حيث عجزوا عن زيارتهم واللقاء بهم احياء فيأتون الان لسد هذا النقص والاقتراب من قبورهم ثم ان صنفا اخر من الزائرين يعتقد انه يرتبط مع هذا الفنان او ذاك برباط روحي خاصة في اوساط الشباب الذين يعتقدون ان فنانهم المحبوب انما كان ينطق بلسانهم ويتحدث بصوت عال عما عجزوا في التعبير عنه لذلك يشعرون انهم يدينون لهذا الفنان الذي خاطب حبيباتهم نيابة عنهم وطالما سهروا مع أغنياته وارتبطوا معه بما يشبه العلاقة الشخصية المتينة. وتسعى الدول والحكومات إلى إقامة مثل هذه الأضرحة في أماكن وفضاءات واسعة كي تتسع لزيارة المواطنين الذين يحرصون على التواصل مع هذه الرموز حتى في قبورها وأضرحتها. وإذا كان بعض المشاهير من مختلف التسميات والتخصصات لا يملكون مثل هذه الأضرحة أو القبور فان بعض الدول والحكومات ذهبت الى تكريمهم بعد فوات الأوان بان أقامت للعديد من هؤلاء تماثيل في ساحات المدن وشوارعها الرئيسية لكي تظل حاضرة في عيون الناس وذاكرتهم وتحتضن العديد من المدن والعواصم العربية تماثيل كثيرة لشعراء وفنانين وسياسيين ورجال اقتصاد قدامى ومعاصرين في محاولة لإعادة الاعتبار للكثير من هؤلاء الذين اختفت قبورهم أو ضاعت ملامحها.