كوريا الشمالية ، بما لديها من سكان يعانون من سوء التغذية ، و بمجاعاتها المتكررة ، وأسلحتها التقليدية التي عفا عليها الزمن ، تشتهر على حد سواء بفقرها و باستفزازاتها . . لذ يتسائل العديد من المراقبين الآن كيف يمكن لبلد مثل كوريا الشمالية بالكاد يتحمل إبقاء الانارة مستمرة فى شوارع مدنها ، من اين لها بتكاليف فاتورة صناعة الصواريخ وبرنامجها للاسلحة النووية. جزء من التفسير يكمن في سياسة الدولة الستالينية التى تقوم على مبدا "الجيش أولا" ، ووفقا للخبير الكورى الشمالى ماركوس نولاند Marcus Noland من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي فان الجيش يحوز على الجزء الاكبر من الدخل الوطني و بما يصل الى نحو 40 في المئة من الانتاج الاجمالى ،. و هناك تفسير اخر و لكنه قد يكون على النقيض مما يبدو فى الواقع ، و مفداه ان كوريا الشمالية ليست مفلسه و ان اقتصادها قد ابتعد عن شبح الانهيار في السنوات الأخيرة. و على الرغم من ان وكالة المخابرات المركزية الامريكية تقدر الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الشمالية بنحو 40 بليون دولار ، لتحتل المرتبة 96 عالميا ، الا ان اقتصادها مازال متماسكا ، فوفقا لأحصاءات كوريا الجنوبية ، طوال العقد الماضي ، نما الاقتصاد الكورى الشمالى بمعدل سنوي بلغ في المتوسط نحو 1.5 في المئة سنويا ، الا ان الناتج المحلي الإجمالي انكمش بمقدار 2.3 فى المائة فى العام الماضى ، مع الوضع فى الاعتبار ان هناك من يشكك فى ان كوريا الجنوبية قلصت فى الاونة الاخيرة هذه الارقام لأغراض سياسية. و لكى تفهم كيف تمكن قائد كوريا الشمالية من تحقيق هذا ، يجب أولا أن نجنب عدد من الخرافات التى ارتبطت بهذا البلد . أولا ، أن الكوريين لم يعيشوا في الكهوف طوال العقدين الماضيين ، كما أن اقتصادهم غير صناعى ، كما يقال في بعض الأحيان. فالحقيقة انه ، بمساعدة من بكين ، تمكنت بيونج يانج من إصلاح البنية التحتية التي عفا عليها الزمن في السنوات الأخيرة ، واصلاح مرافق التعدين التي تضررت بشدة من الفيضانات الهائلة في منتصف عقد التسعينيات . و يسعى الاقتصاد الكورى حاليا للتحول من مرحلة الانتعاش الى النمو ، مع التركيز على انتاج الصلب والتعدين والصناعات التحويلية الخفيفة. ثانيا ، ان كوريا الشمالية ليست مضطرة للاعتماد على السوق السوداء لدعم ذاتها. صحيح ان بيونغ يانغ باعت صواريخ لايران وسوريا وباكستان ، وهو ما يحقق دخلا سنويا من هذه الصادرات بنحو 100 مليون دولار ، لكن محللين يقولون ان أنشطة أخرى غير مشروعة مثل الاتجار بالمخدرات والتزييف تضيف شيئا يذكر لهذا المبلغ. ووفقا لدبلوماسي اميركي سابق في شرق آسيا ، طلب عدم نشر اسمه ، ان مناقشات استخباراتية حساسة ، جرت كثيرا خلال سنوات بوش في واشنطن حول مسالة التزييف ، الا ان وزارة الخزانة الامريكية لم تستطع التوصل لأدنى دليل قاطع يشير الى مشاركة كوريا الشمالية فى ضية النقود المزيفة الاميركية. أكبر أسطورة هو أن كوريا الشمالية لا تزال معزولة.، فعلى الرغم من العقوبات الشاملة التي يفترض انها تطوق بيونج يانج اليوم ، الا ان الحقيقة تؤكد ان علاقات دبلوماسية وتجارية مازالت تربطها مع أكثر من 150 بلدا ، بما في ذلك معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ان كوريا الشمالية تتاجر فى مدن مثل لندن ، وزيورخ ، وهونج كونج بما لديها من وفرة فى احتياطيات الذهب التى تقدر بنحو الف الى الفين طن ، وتبيع و تشترى الأسهم في بورصة نيويورك للأوراق المالية عن طريق شركة للسمسرة مقرها لندن هى بالفعل ملك للحكومة الكورية . وفي حين لا توجد أرقام عن حجم هذه الصفقات ، الا ان الدبلوماسي الامريكي السابق ذكره يؤكد ان مثل هذه الأنشطة هي "مصدر كبير للعملة الصعبة لكوريا الشمالية." في السنوات الأخيرة ، فى الوقت الذى بدات تتطلع فيه الشركات الاوروبية لفرص الاستثمار هناك ، وفي عام 2004 ، وقعت شركة امينيكس Aminex للطاقة ومقرها لندن عقدا لمدة 20 سنة مع بيونج يانج لحقوق حصرية لاستكشاف عن النفط والغاز . و هناك شركات أخرى تبحث عن سبل لاستغلال العمالة الرخيصة في كوريا الشمالية ، وعلى الرغم من أن معظم هذه الصفقات لم تفلح لأسباب تقنية وسياسية ، الا ان علاقات كوريا بالعالم الخارجي آخذة في التوسع. ففي عام 2008 ، زاد معدل التجارة فى كوريا الشمالية بنسبة 30 فى المائة مقارنة بالعام السابق ليصل الى مستوى قياسي بلغ 3.8 بليون دولار ، بما في ذلك الواردات و تمثل 2.7 بليون دولار . كوريا الشمالية قد أثبتت براعة في تجنب القيود و العقوبات : فعندما فرضت طوكيو عقوبات عليها قبل خمس سنوات ، غيرت بيونج يانج اتجاه صفقاتها و تجارتها إلى كوريا الجنوبية وسنغافورة. وفي الوقت نفسه ، تمثل تجارتها مع الصين حاليا ما يقرب من ثلاثة أرباع إجمالي تجارتها ، وتقوم كوريا الشمالية بمقايضة ثرواتها من النفط الخام والنفط والسلع المصنعة في مقابل الحصول على الفحم والصلب والمعادن النادرة مثل المجنسيت والتنجستن. . ان الموارد الطبيعية لكوريا الشمالية أصبحت المحرك الرئيسي للنمو . وأخيرا ، لا ننسى العلاقات بين سول وبيونج يانج ، فعلى الرغم من تدهورها الا ان المصانع في مجمع كايسونج Kaesong الصناعى المشترك بين الدولتين ما تزال تعمل بكامل العتاد ، ومنها يكسب الشمال نحو 35 مليون دولار سنويا تكفي لصناعة ثمانية أو تسعة صواريخ. وهذا الرقم كان من المتوقع (قبل الأزمة الحالية) ان يقفز الى 100 مليون دولار بحلول العام القادم ، كما يقول ايول ليم شول Lim Eul Chul من جامعة كيونج جنام Kyungnam. بكوريا الجنوبية . وبطبيعة الحال ، ان اقتصاد كوريا الشمالية قد يتلقى ضربة كبيرة هذا العام إذا فرض مجلس الأمن الدولي مزيدا من العقوبات عليها ، فضلا عن عقوبات الصين التى قد تفرضها وحدها. ، و لكن تبقى الحقيقة الصعبة ان الزعيم الكورى الشمالى " كيم جونج ايل Kim Jong Il " لديه ترسانته من القنابل النووية والصواريخ وربما لديه مزيد من الاموال لصنع المزيد منها