الشباب يهجرونها لقلة الرزق تنقار خالية من المدارس تحقيق: إيهاب الشريف وسط نهر النيل بجنوب مصر يقطن أهل النوبة في قرى وجزر تكاد أن تكون بدائية، تعيد إلى أذهاننا عصور الفراعنة من حيث روعة المكان وطبيعة سكانها. ومن بين تلك القرى قرية "تنقار" وجزيرة "هيسا" شرق مدينة أسوان، التي تعاني من العشوائيات ونقص الخدمات ووسائل الحياة الرئيسية – كما روى أهلها لموقع أخبار مصر www.egynews.net – المراسي بحاجة للترميم أحمد دياب - صياد بجزيرة هيسا- قال إن أهل الجزيرة حياتهم أقل بكثير من العشوائيات، نظرا لبعدها عن مدينة أسوان والمدن المزدحمة بالسكان والمليئة بالخدمات، فهي تقع وسط مياه نهر النيل بالقرب من معبد "فيلا". وأضاف أن وسيلة المواصلات الوحيدة هي المراكب، ورغم ذلك فإن حالة المراسي سيئة وتحتاج إلى ترميم. وطالب بإيجاد وحدة صحية تخدم أهل الجزيرة، متسائلا "هل من المعقول أن آلاف البشر يعيشون بدون أي خدمة وكأنهم أشبه بالقبور؟!" كما أشار إلى أن مياه الشرب تقدم من النهر مباشرة لعدم وجود محطات تحلية أو صنبور مياه، حيث تستخدم وسائل بدائية في تخزين مياه الشرب ك"الزير" و"القلل". من جهة أخرى، قال محمد مصطفى - 25 عاما- إن التعليم في هذه الجزيرة ينتهي بمرحلة التعليم الإعدادي، وقليل من أبناء الجزيرة الذين استطاعوا الحصول على "الدبلوم"، باعتبار ذلك إنجاز كبير ويطلق على الحاصل على الدبلوم "زويل الجزيرة"، مؤكدا عدم توافر المؤسسات التعليمية في المنطقة سوى مدرسة ابتدائية فقط، وباقي مدارس المراحل التعليمية توجد بأسوان التي تبعد عن الجزيرة بمسافة تستغرق ساعة زمنية في حال توافر المراكب التي تنقل الطالب إلى المدرسة بأسوان. وأضاف أن مصدر الرزق الرئيسي لغالبية أهل جزيرة "هيسا" هو الصيد والعمل على المراكب، رغم أنه عمل غير مستقر ولا مضمون بشكل يومي "يوم شغل وآخر في البيت"، مشيرا إلى أنه عمل موسمي خاصة في أيام الصيف الذي تتقلص فيه السياحة نظرا لأن أسوان تعتبر متنزه شتوي. وقال إن الأزمة الاقتصادية الأخيرة أطاحت بعدد هائل من العاملين والحرفيين لقلة السياح. الشباب يهجرونها لقلة الرزق أما حمادة داوود - خالي شغل - قال إن جزيرة "هيسا" بعيدة تماما عن أعين الجميع سواء السياح أو الحكومة، فهناك قرى نوبية يزورها السياح لحبهم في المأكولات النوبية مثل قرية غرب سهيل، ما يدر دخلا مناسبا لأهل القرية يعينهم على الحياة الكريمة، وذلك لتعدد الخدمات فيها، بينما يعتمد أهل "هيسا" على عملهم الفردي بالمراكب التي لا تدر سوى جنيهات معدودة. وأضاف أن أغلب الشباب بالجزيرة يتركونها بحثا عن مخرج رزق آخر وحياة تنقذهم من الفقر، وتساءل "هل يعقل أن أتزوج وأتكفل بمصاريف عائلتي وقوت يومي لا يتعدى 30 جنيها مصريا؟!" وأشار داوود أنه مرتبط بفتاة – خطيبته - منذ 5 سنوات ويحبها جدا، متمنيا أن يتزوجها اليوم قبل غدا ولكن "اليد قصيرة والعين بصيرة"، وذلك لأن عادات وتقاليد الجزيرة تحمل الرجل لوازم واحتياجات الفرح كافة وكذلك الشقة وتجهيزها بالإضافة إلى المهر. أهالي الجزيرة يتحدثون لموقع أخبار مصر وحول الطقوس والعادات والتقاليد لأهل الجزيرة في الأفراح يقول عبد الرحمن النوبي - 40 عاما - ليلة الحناء يجتمع أهل الجزيرة والأقارب في الحي، ويذبح عجل ليقدم مع أشهى المأكولات النوبية يوم الزفاف، وسط الغناء النوبي، ومن أشهر هذه الأغاني "علىّ ررييه". وعن أشهر الاحتفالات المتداولة بين أهل الجزيرة، قال عبد الرحمن إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من أهم المناسبات التي يحرص أهل الجزيرة على إحيائها كل عام، بإقامة حلقات الذكر والاستماع إلى الابتهالات والمديح الصوفي. وقالت فتاة بجزيرة هيسا- رفضت ذكر اسمها- إن أغلب الفتيات يفضلن أن تكون شبكتهن مكونة من قطع كثيرة وكبيرة الحجم من الذهب، خلافا للقاهرة التي يكتفي فتياتها بقطعة واحدة ثمينة مثل خاتم من الألماس، مضيفة أن شبكة العروسة في الجزيرة لا تقل عن (8 آلاف جنيه مصري). وأشارت إلى أن الفتاة النوبية مرتبطة بحياة أهل النوبة ولا تستطيع العيش ولا التأقلم في المدن الكبيرة. تنقار خالية من المدارس وحول متابعة الأحداث الجارية والتواصل مع المجتمع من خلال وسائل الإعلام، قال صابر أحمد - دبلوم تجارة – إن هناك عددا محدودا من الأهالي الذين يتابعون القنوات الفضائية لامتلاكهم "الدش والريسيفر" الغير متوفر لدى الأغلبية. كما أن قليل جدا من أبناء "هيسا" ممن يستخدمون الحاسب الآلي. وأكد كثير من الأهالي أن برنامجي"صباح الخير يا مصر" و"البيت بيتك" بالتليفزيون المصري هما أكثر البرامج متابعة بالنسبة لهم، حيث يرونها تهتم بقضايا المواطن المصري البسيط، معربين عن أملهم في أن تهتم هذه البرامج بمشاكل وظروف أهل جزيرة "هيسا". ورغم ذلك فإن أهل الجزيرة حريصون على المشاركة في الحياة السياسية، من خلال الانتخابات. وقال صابر أحمد - 31 عاما - إن معظم أهل الجزيرة يمارسون حقهم في انتخاب من يمثلهم بالمجالس المحلية والتشريعية، ومساندة الصالح لهم والقائم على خدمتهم، مشيرا إلى أن اهتمام النوبة بجزيرة "هيسا" في العملية الانتخابية يثير دهشة الآخرين في المحافظات الأخرى، متسائلين "كيف يحرص هؤلاء على المشاركة في الانتخابات رغم حياتهم التي ينقصها الكثير والكثير؟!" وإشارة إلى المثل "الحاجة أم الاختراع"، قالت سيدة مسنة إنه لا توجد مخابز بالجزيرة، حيث يعتمد على خبز "الدوكة" المصنوع من رقائق العجين الذي يسوى في فرن من "الصاج". وأضافت أن أهل النوبة ينقسمون إلى نوبة "الكنوز" ويطلق عليها باللهجة النوبية "الماتوكيين" وهي لغة ملوك الفراعنة أصحاب الذهب، ونوبة "الفديجا" وباللهجة النوبية تسمى"الفديكات" وهى لغة خادمي الفراعنة - ويقال إن أصولهم تركية - واللغتان مختلفتان في النطق ولا يستطيع المتحدث بإحداهما أن يفهم الآخر. وبالانتقال إلى قرية "تنقار" وهي كلمة نوبية تنقسم إلى "تن" أي "الشرق" و"قار" أي "الدار" فتصبح "الدار الشرقي" وهي قرية تبعد كيلومترات عن مدينة أسوان، فلا تختلف مطالب أهل القرية عن جزيرة هيسا، ولكن هذه القرية أكثر سوءا - على حد تعبير أحد أبنائها – وقال سمير أحمد - 26 عاما - إن القرية تخلو من المدارس، وأعمدة الإنارة، والوحدات الصحية، وسيارات النقل العام، مشيرا إلى أن طريق تنقار - صحراوي تم رصفه مرة واحدة منذ سنوات عديدة، وجميع وسائل المواصلات بالطلب الخاص، وهو أمر مكلف للغاية، حيث تتراوح أسعارها بين 20 و50 جنيها مصريا، مشيرا إلى أنه في حال مرض أحد أبناء القرية لا يجد وسيلة للذهاب إلى أقرب مستشفى في مدينة أسوان، وإن وجد فالطريق يستغرق نحو ساعتين. من جهة أخرى، اقتصرت استجابة محافظة أسوان لمطالب أهل النوبة بنقلهم لمنطقة سكنية جديدة "كركر" على (الفديجا) وليس ( الكنوز).