عنصرية ولو ادعت أنها “أم الديمقراطيات”، بشعة لو خدعتك بكذبها، قبيحة والقبح فيها يصل للعظم، فتركيبتها ومؤسساتها وسياستها وسلوكها كلها تفوح منها رائحة عنصرية عفنة لمغتصب محتل وسارق، بالطبع هي “إسرائيل” ولا شي غيرها يمكن أن يوصف بهذا الوصف، وان كانت الكلمات لا تفيها حقها، فالحقيقة أسوأ من أن تختزل بكلمات، لهذا فان إعلامها المسموم في سباق مع الزمن يسعى الى إقناع الجميع بأنها دولة متحضرة تنشد الديمقراطية وتحاول أن تصدر أفكارها للدول المجاورة، ولكن ما إن تنقشع سحابة كذبها حتى تظهر حقيقة واحدة لدولة التمييز العنصري، دولة مارست على مدار تاريخها دور التطهير العرقي والتفرقة حتى بين مواطنيها . وتناولت جريدة الخليج الإماراتية رفض الفلسطيني كأي شريف في هذا العالم احتلال “إسرائيل” لبلاده وتهجيرها لأهله والمجازر التي اقترفتها وتقترفها بحق الأبرياء منذ نشأتها . . يرضى باليهودية كديانة ويكفر بالصهيونية كمنهج قامت عليه ما تسمى “دولة إسرائيل”، إلا انه وتحت وطأة الاحتلال يجد نفسه مجبراً على التعامل اليومي معها كوجود لا مفر منه، إلا انه يكتشف ان المعاني التي طالما لفظها يحمل رموزها في جيبه أو محفظته ويحتفظ بكلمات ومفردات ما لا يعترف به من شرعية الاحتلال . أوراق نقدية اختارها الاسرائيليون هذه المرة لتكون هي رسالتهم إلى العالم، معجونة بالعنصرية والمفاهيم التي تمجد اليهود على حساب سكان الأرض الأصليين من العرب والمسلمين، وترفع من شأن المحتلين سرا وعلانية وتشير إلى تفوقهم العرقي . ويشير الباحث في الشأن “الإسرائيلي” عدنان أبو عامر إلى أن “الإسرائيليين” لا يضيعون فرصة إلا ويحاولون فيها تجسيد تاريخ كاذب لهم على أرض فلسطين وصياغة ذاكرة جماعية مزيفة، وكعادتهم في صناعة الأكاذيب والأساطير فهم يترجمون هذا في أوراق النقد التي لا يلحظ المواطن البسيط فيها الشيء الغريب، لكن للمهتم فهي تحمل العديد من الأفكار والمفاهيم الاسرائيلية المستوحاة من أفكار التلمود، برفع قدر “بني إسرائيل” كشعب الله المختار وتحقير العرب . . كلها مستوحاة من أفكار الحركة التي سعت إلى تأسيس وطن قومي لليهود بادعاء ارض بلا شعب لشعب بلا وطن، فمنذ قيام هذا الكيان وحتى يومنا هذا يحاولون بكافة الطرق والوسائل تحويل الحلم الذي راود “ثيودور هرتزل” يوماً في (مؤتمر بازل عام 1897) إلى حقيقة واضحة . وقال إن هذه المساعي غير المنقطعة من قبل المؤسسة الرسمية “الإسرائيلية” لتهويد الفكر، و”أسرلة” المكان تأتي لترسيخ إيمان الأجيال الناشئة بأحقيتها بهذا الوطن المنشود وتحفيز هممهم للدفاع عنه، خاصة أن المجتمع “الإسرائيلي” مجتمع مترهل مبني على أعراق عدة ومختلفة، جمع نفسه من الشتات وتحاول الحركة الاسرائيلية توحيد هذه المتفرقات لتدّعي أمام العالم أن هناك شعباً يدعى بالشعب اليهودي وان فلسطين هي وطنه، وسعى في سبيل هذا إلى إيجاد رابط لهم من خلال بعث اللغة العبرية القديمة من موتها وجعلها لغة حاضرة ومتداولة تحول مكان التاريخ المفقود لهم محققه بذلك هدفا كبيرا هو صهر جاليات الشعب اليهودي . وما يفعله “الإسرائيليون” من إصدار عملات تحمل مفاهيم الحركة الاسرائيلية واختلاق الآثار لإثبات أحقيتهم، وتغيير أسماء المدن والقرى الفلسطينية الأصلية بأسماء عبرية، هو امتداد لمحاولات الاغتصاب والتهجير القسري والتطهير العرقي من خلال المجازر المتلاحقة التي اقترفت باسم إقامة الوطن الحر لليهود . وأكد أبو عامر أن تغلغل فكرة العنصرية والتفرقة والتمييز في أسس المجتمع “الإسرائيلي” انعكس على ذات المجتمع وكأن السحر انقلب على الساحر، حيث التفرقة التي يعيشها المجتمع “الإسرائيلي” الداخلي بين مهاجرين شرقيين (سفرديم) وغربيين (أشكناز) واليهود العرب والأفارقة، وكلها مخلفات عقلية تربى عليها العقل “الإسرائيلي”، وفهم منها أن الرفعة والسمو في الدولة هي للأغنى ولأصحاب البشرة البيضاء، وغيرها من المفاهيم التي تؤكد وجود التفرقة بين أفراد هذا المجتمع المتهالك . ويفسر الباحث في شؤون اللغة العبرية سليمان الزاملي أن استخدام “إسرائيل” لمثل هذه الرموز على الأوراق والمعادن النقدية “العملة” يأتي تحقيقا لما هو غير حقيقي من حق مصطنع لهم في أرض فلسطين، والذي روجت الحركة الصهيونية من خلاله لعموم اليهود في العالم أن الله وعدهم بهذه الأرض وطناً لهم ومكافأة من الرب لهم على تميز عرقهم . ويقول منذ بدأ سك العملة الخاصة بدولة “إسرائيل” وهم يمارسون هذا الدور ويحاولون دمغها بشكل مباشر أو غير مباشر بصور ونصوص تحكي ما يريدون من دون أن يتكلموا صراحة، ونشر صور من ساهموا في تأسيس هذا الكيان من علماء وساسة وأدباء، وظهر هذا جليا بإصدارهم عملة “الأغورة” الجديدة والتي رسم على إحدى وجهيها صورة ل”إسرائيل” الكبرى من النيل إلى الفرات . . حلم الصهيونية البعيد تحت الشمعدان “الإسرائيلي” والتي لاقت وقتها استهجانا كبيرا برره العدو على أنها قطعة من الصخر من ارض القدس جاء وجودها مصادقة على العملة التي ألغيت في وقت لاحق . ويساعد الزاملي في ترجمة ما كتب على الأوراق النقدية، فيقول: ورقة النقد من فئة عشرين “شيكل” جديداً تحمل صورة رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الثاني موشيه شاريت المولود في العام ،1894 ويعد من اكبر المساهمين في تأسيس السياسة الخارجية في أوائل أيام الدولة المزعومة، وقد ظهرت صورته لأول مرة على العملة فئة العشرين عام ،1987 حيث كانت صورته الصغيرة رمزاً لعلم “إسرائيل” في الأممالمتحدة عام ،1949 وعلى الوجه الثاني لفئة العشرين “شيكل” تظهر صورة مدرسة هرتزليا الثانوية العبرية التي تخرج منها شاريت، وفي عام 1998 تم تعديل فئة العشرين “شيكل” الورقية فتم تغيير أسماء مؤلفات شاريت واستبدلت بفقرة من خطبته في الأممالمتحدة عام ،1949 وعلى الظهر صورة الفيلق اليهودي التابع للجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية وفي هذا تذكير بدور اليهود في تلك الحرب التي دافعوا فيها عن بريطانيا لتقوم الأخيرة بتنفيذ وعدها لهم بمنحهم وطن قومي لليهود في فلسطين، والعام الماضي تم تحديث هذه الفئة لتحمل ذكرى إقامة دولة “إسرائيل” ومرور 60 عاماً على ذلك واعتبرت رمزاً في الدول الأوروبية بيعت بمبالغ خيالية لليهود المقيمين خارج فلسطين . أما ورقة العملة من فئة خمسين “شيكل” فتحمل صورة الكاتب والأديب اليهودي شموئيل يوسف عجنون المولود عام 1888 والمتوفى عام ،1970 ويعتبر أديب الحركة الاسرائيلية ومن أعمدة النهضة الأدبية العبرية في القرن العشرين، وقد أفرزت كتاباته رسائل للعالم الغربي أن الشعب اليهودي المسكين ما هو إلا ساع للعودة إلى أرضه التي سلبت منه وأن العرب المجرمين يمنعونه من ذلك، فهم قتلة ومجرمون وليس لهم عهد ولا يمكن التعامل معهم سوى بالقوة . ومن ترجمة لكلمته أثناء تسلمه جائزة نوبل للآداب عام 1966 لمدينة أورشليم (القدس) وردت فقرة من كتاباته على صدر العملة تقول فيها: “اشتاق إلى ارض أورشليم التي دمرها الملك الروماني (ستيتوس)، وشتت أهلها إلى كل بقاع الأرض، ولدت أنا أيضا في المهجر، ولكن بقيت أحلم بها، كنت أرى نفسي مع الأوائل في بناء الهيكل وأغني معهم أغاني ملك “إسرائيل” نبي الله داوود، واشعر أنني سأحقق أحلامي في حب القدس من خلال كتابة القصائد والأناشيد لهذه المدينة الحبيبة ليس شفوياً ولكن كتابياً لأتحدى من يمنعني عن الغناء” . ورقة العملة من فئة مائة شيكل تحمل صورة الرئيس الثاني لدولة “إسرائيل” ويدعى يتسحاق بن زيفي المولود عام ،1905 والذي انتخب رئيسا للدولة عام 1952 وبقي في منصبه حتى 1963 وهو بذلك صاحب أطول فترة رئاسة للدولة العبرية . . كان من بين أول الموقعين على ما يسمى “وثيقة الاستقلال” إبان قرار الانسحاب البريطاني من فلسطين، توجد تواقيع على العملة بحروف صغيرة تشيد بالمشروع الصهيوني وتتمحور في إبراز دور الهجرات في إنعاش القفار والمستنقعات في “الوطن المهمل” وفي لم شمل الأسباط التائهة من أصقاع الدنيا داخل ارض الآباء والأجداد وتأليف قلوبهم . واللافت للنظر أن النص يخص بالذكر المهاجرين اليهود من الدول العربية وخاصة اليمن، ويؤكد أهمية صقلهم وتنميتهم وتعميم الجوانب المضيئة الكامنة فيهم، ويأتي أيضاً على لسان بن زيفي إيمانه بمستقبل الشعب اليهودي المقيم في صهيون كشعب عامل على أسس من الديمقراطية . النص الموجود على الورقة من فئة مائة شيكل جديد وهو من إحدى خطب بن زيفي، يقول: “بوحي من نبينا -النبي الحقيقي - اعتقد بوساطة القوة الموحدة والمبلورة والخلاقة يمكن تحقيق الوظيفة التاريخية التي أنيطت بأمتنا القيام بها في البلاد، مثل هذه القوة فقط تنجح في صد كل عدو، عليه يجب التمسك بقيم أنبياء بني إسرائيل وإلى الأبد” . أما ورقة النقد من فئة مائتي شيكل جديد فتحمل صورة الرئيس “الإسرائيلي” الثالث ويدعى زلمان شازار المولود عام ،1889 وتم انتخابه رئيسا عام ،1963 خلفاً ليتسحاق بن زيفي وبقي في الرئاسة حتى عام ،1974 وتحمل هي الأخرى تعابير واضحة وأخرى غير مباشرة تفيد بأن العرق اليهودي هو الأكثر التزاماً ورقياً بالعلم والوفاء بالأصالة، وتبرز في نصوص أخرى خصوصية اليهود من ناحية التربية والتعليم منذ آلاف السنين . ويشير الزاملي إلى أن أوراق النقد “الإسرائيلية” التي طالما كانت تستخدم منصة لنشر مواد دعائية وتعبوية اسرائيلية لا سيما أنها تتوفر بيد كل مواطن، وهو يفسر التعامل معها كوسيلة إعلام تحاول أن تحول العملة إلى مواد لاصقة لعشرات القوميات التي ينحدر منها المهاجرون اليهود في أنحاء العالم . ويؤكد أن المضامين التي تحملها أوراق النقد تبالغ في تمجيد العرق اليهودي، وبالتالي فرائحة التمييز تفوح منها بين اليهود ومن تطلق عليهم لقب آخرين، لكنها بالمقابل لا تحمل جديداً إذا ما عرفنا أن هذه هي العقيدة التوراتية التي بني عليها المجتمع ككل منذ احتلالهم ارض فلسطين، والتي قامت في الأصل على تطهير البلاد من الأعراق الأخرى واعتبار الناجين من هذه العملية “أغيارا” والتعامل معهم كأغراب على أرضهم . ولكن المحزن أن تهويل وسائل الإعلام على مدار هذه السنوات الطويلة والتعامل بذكاء في تزييف الحقائق جاء بنتائج ألقت أثرها على طريقة تعامل الشعوب الأوروبية مثلاً لا حصراً مع الشعب اليهودي على أساس أحقيته في هذه الأرض، وهذا ما يعني للأسف نجاحهم إلى حد ما في مساعيهم .