الأهرام: 13/3/2009 بالرغم من أنه مازال الحديث مبكرا عن مصالحة عربية بالمعني الدقيق فإننا نستطيع أن نطلق علي ما حدث أمس الأول بقمة الرياض بحضور الرئيس حسني مبارك وخادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح أنه بداية تقدم واختبار جاد لنيات المصالحات واتجاهاتها عبر الجهود الكبيرة المبذولة علي مستوي العلاقات العربية من ناحية, والحوار الوطني الفلسطيني من ناحية أخري, في الفترة من قمة الكويت الاقتصادية إلي الرباعية في الرياض, فالأجواء الغالبة الآن علي المستوي العربي وفي الأوساط الفلسطينية تختلف عما كانت عليه من قبل. فالرئيس مبارك يواصل مبادراته الخلاقة في تجميع الموقف العربي كله لحماية المصالح العربية علي الصعيد الفلسطيني بتوحيده الفصائل وإنهاء الانفصال بين غزة والضفة الغربية بعد حرب غزة, حتي تستطيع أن تكون قادرة علي مواجهة التحديات المقبلة أمام إسرائيل والعالم وصولا إلي الاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة, وتشير المعلومات الأولية إلي أن الحوار الفلسطيني الفلسطيني يتقدم إلي الأمام, وسوف نستطيع من خلاله التحديد الدقيق لسلبيات التدخلات الخارجية في الشأن الفلسطيني. أيضا يواصل الرئيس بناء الجبهة العربية القادرة علي المواجهة, وتأتي مباحثاته مع العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين أمس في هذا الاتجاه حيث زار مدينة العقبة الأردنية لتحسين الموقف العربي وتقويته وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية تحسنا ملحوظا في الأجواء علي نحو يوفر فرصة تاريخية للمصالحة التي طالما نادت بها مصر وأرادتها أن تكون عنوانا لعلاقات عربية وفلسطينية تضع مصالح الأمة وقضية فلسطين فوق كل اعتبار وتحل التفاهم والحوار محل السجالات والمهاترات. ولذلك لابد أن تكون لدينا خريطة طريق لمسار العلاقات العربية والفلسطينية في الفترة المقبلة.. خريطة تحدد هذا المسار من المنطقة التي وصلنا إليها الآن بعد إذابة الجليد والاتفاق علي حل الخلافات إلي النقطة المستهدفة وهي المصالحة القائمة علي أسس موضوعية. فالخلافات التي ظهرت في الفترة الماضية ليست شخصية كما أنها ليست مجرد محاولة من بعض الأطراف الإقليمية بمشاركة أطراف عربية لإضعاف دور مصر. فهذه المحاولة المحكوم عليها بالفشل قامت علي استغلال خلافات عربية بشأن كيفية مواجهة التهديدات التي يتعرض لها العالم العربي وحل القضايا والأزمات الساخنة, وفي مقدمتها الأزمة اللبنانية والقضية الفلسطينية. فالمصالحة العربية لن تكتمل بدون توافق يجري علي أسس معالجة هذه الأزمات والقضايا ومواجهة التهديدات ومحاولات التغلغل في العالم العربي. ومن التهديدات التي ينبغي التوافق علي كيفية مواجهتها, التطرف المتزايد في إسرائيل الذي أظهرته انتخابات الكنيست الأخيرة بشكل سافر. فالحكومة اليمينية التي سيتم الاعلان عنها بعد أيام برئاسة بنيامين نيتانياهو تفرض استعدادا عربيا جادا للتعامل معها بما تشمله من مواقف وتمثله من مخاطر. ولا ننسي أن فوز نيتانياهو في انتخابات عام1996 قد أدي إلي التعجيل بتقارب عربي بعد الانقسام الذي أحدثه الغزو العراقي للكويت في أغسطس عام1990, وبعد أن تقرر عقد قمة عربية منذ أغسطس1990 وبرغم كثرة المحاولات التي بذلت في هذا الاتجاه, فإن انتخاب نيتانياهو قد أدي إلي توفير الأجواء اللازمة لعقد قمة طارئة في القاهرة في يونيو1996 توافق فيها العرب جميعا علي رؤية مشتركة, وكان ذلك في وقت لم يكن التطرف اليميني في إسرائيل قد بلغ ما بلغه الآن. ................................................................... ولذلك فالمطلوب اليوم هو أن تكون لدي العرب رؤية مشتركة للتعامل مع الحكومة القادمة في إسرائيل, غير أن بناء رؤية عربية لمواجهة التهديدات لن يكون ممكنا دون توافق أيضا علي كيفية التعامل مع إيران التي استهانت بالأمة العربية, وذهبت إلي أبعد مدي في إستغلال الأزمات التي تمر بها المنطقة من العراق إلي لبنان إلي فلسطين للتغلغل واكتساب نفوذ اقليمي, وهددت الخليج في الإمارات والبحرين. ووصلت بعد ذلك إلي أقصي المغرب العربي أيضا بتدخلها في قضية الصحراء وتبشيرها المذهبي في داخل المملكة المغربية التي اضطرت إلي قطع العلاقات معها. ويقتضي ذلك وقفة عربية مشتركة, وليس وقفات منفردة من بعض الدول العربية وهنا تقع علي سوريا مسئولية أساسية لأن إيران استغلت تحالفها معها أسوأ استغلال لضرب العروبة التي عملت دمشق دائما من أجلها. وقد آن الأوان لمشاركة سوريا في وقفة عربية مع الجار الإيراني وتوجيه رسالة واضحة تقول إن هذه الأمة لن تسمح بالاستهانة بها. وليس مطلوبا من سوريا أكثر من أن تكون مع أشقائها في هذا الوقت ليس فقط حماية للمصالح العربية وللعروبة نفسها, ولكن أيضا من أجل علاقاتها مع إيران وسعيا إلي تصحيح مسار العلاقات العربية الإيرانية. فكلما ازداد جموح إيران واستهانتها بالعرب سيكون هذا عبئا علي علاقات سوريا معها وعلي مستقبل المنطقة بوجه عام. وكلما أدركت إيران أن الطريق الذي تمشي فيه خلال الفترة الأخيرة مسدود, فسوف تضطر للعودة عنه وترشيد سلوكها السياسي علي نحو يسمح بحوار جاد مع العرب لا تتوفر مقوماته في اللحظة الراهنة, ولا يمكن توفيره قبل أن تعيد طهران النظر في سياساتها تجاه العالم العربي. وهكذا يبدو واضحا أن تصحيح العلاقات العربية العربية هو السبيل إلي مراجعة الوضع الإقليمي برمته وتدعيم مركز العرب في تفاعلاته مع الأطراف المختلفة. ونعتقد أن مايحدث الآن هو التمهيد الضروري.. حتي يمكن للقادة العرب أن يذهبوا إلي قمتهم الدورية التي تنعقد في نهاية هذا الشهر بقطر.. وهم متحدون قادرون علي مواجهة التحديات التي تواجه بلادهم وهي كلها عاصفة. فهناك استحقاقات يجب مواجهتها علي مستوي كل قطر عربي, وهناك استحقاقات جماعية للإقليم. ويجب أن نشير إلي أن رئيسة القمة القادمة قطر مطالبة خلال الفترة المقبلة بأن تعلن بوضوح اصطفافها في الصف العربي, وأن تحاول بعلاقاتها المتشعبة مع إيران أن تمنع تدخلاتها في الشأن العربي, وستكون مطالبة بالحد من الهيمنة الإيرانية في المنطقة كلها, ولكل بلادها التي تتعرض للخطر, وهي ماثلة في العراق ولبنان وفلسطين, وألا تكون قطر حصان طراودة لإيران في المرحلة المقبلة, خاصة أن هناك آراء ودراسات سياسية شرق أوسطية وأوروبية تحذر من مخاوف أن تكون قطر قد أصبحت من الحلف الإيراني, لتكون بمنأي من أي تأثيرات سلبية في حالة حل مشكلة الملف النووي الإيراني بطريقة عسكرية, وليس بالمفاوضات بين إيران والغرب, فيكون التركيز القطري بحثا عن دور وحماية لمصالحها الآنية باعتبارها محمية عسكرية بقاعدتين عسكريتين أمريكيتين وحليفة سياسيا لإيران, وأنها حققت المعادلة السياسية والعسكرية المربحة لها. ................................................................... إن قطر ستكون خلال المرحلة المقبلة تحت اختبارات عديدة لقياس توجهاتها نحو حماية المصالح العربية وقدرتها علي التعبير عن حقوق العرب, سواء علي صعيد القضية الفلسطينية, وتوحيد الصف الفلسطيني, أو علي صعيد العلاقات العربية الإيرانية, وأن تكون قطر جزءا من الحل العربي وليست عبئا عليه وأعتقد أن التجربة صعبة, أما بالنسبة لمصر فقد أخطأت قطر في حقها بل قامت بتجبيش الموقف ضدها بحجة مساعدة غزة متناسية الدور التاريخي العظيم الذي قامت به مصر تجاه القضية الفلسطينية في الماضي والحاضر.. ودخلت قطر دون داع وبلا خبرة في حلقات لا تعرفها, متصورة أنها, بطريقتها القديمة, قادرة علي سرقة الأدوار.. والأدوار كثيرة بالفعل, لكن عليها أن تعرف وتدرس مواقع أقدامها ومساراتها المستقبلية.. قطر عليها أن تعتذر للجميع وأن تنجح في الاختيارات القادمة حتي تنجح قمة العرب المقبلة, ولكن الأيام سوف تثبت النتيجة والفعالية, وسوف تحدد مسارات السياسة القطرية مستقبل القمة العربية المقبلة في الدوحة, وعليها أن تبعث برسالة واضحة لكل العرب سواء لمصر أو المشرق العربي أو المغرب العربي, وعلي دول الخليج أن تحتويها وتدفع مساراتها نحو مواجة التدخلات الإيرانية في الخليج, باعتباره الجزء الجغرافي الذي تراهن عليه إيران بتهديد الخليج العربي كله كما أنها تهدد الإمارات والبحرين, ولا يخلو الأمر من التهديدات الأخري للكويت وعمان, واستخدام البعد الطائفي الديني في تهديد استقرار الجميع بما فيهم السعودية. أعتقد أن قطر في امتحان سياسي صعب وليس يسيرا, والإشارات التي سوف ترسلها ستحسب عليها بدقة. خاصة أن رؤيتنا لقمة الدوحة وما ننتظره منها كثير ليس أقله أن تنتهي بدون خلافات كبري, بل أن تكون تعبيرا عن قرار عربي لبناء تصور موحد لحماية الأمن والاستقرار في عالم يجتاز من الاضطراب السياسي والعسكري والمالي ما لم يحدث من قبل.