قوات جنوب السودان التي لعبت أدواراً مختلفة طوال العقود الماضية بداية من الحرب الأهلية وحتى حفظ الاستقرار في الإقليم الجنوبي أصبحت مصدراً للقلق لدى أطراف عديدة وسط توقعات وآمال بأن يتم تسريح عشرات الآلاف من هؤلاء الجنود في مايو/ أيار 2008. وأصبح الجيش الشعبي لتحرير السودان (المتمرد سابقا) الجيش الرسمي للجنوب بموجب اتفاق السلام لعام 2005 الذي دعا الى خفض حجم كل من جيشي الشمال والجنوب. وبموجب الاتفاق ايضا فان على كل الجماعات المسلحة الاخرى ان تتخلى عن السلاح او تنضم الى أي من الجيشين في الشمال أو الجنوب. واختار عشرات الالاف من المسلحين في الجنوب الانضمام الى الجيش الشعبي لتحرير السودان. وفيما قال مسؤول حكومي الاثنين إن جنوب السودان يأمل ان يبدأ في مايو تسريح عشرات الالاف من المقاتلين المتمردين سابقا، وهي خطوة تأخرت طويلا, إلا أنه لم يخف قلقاً من أن يعود كثيرون منهم إلى العنف اذا وجدوا انفسهم بلا عمل ولا مال كاف. ويعتبر جيش جنوب السودان الذي يقدر احد مسؤولي الاممالمتحدة عدده بحوالى 140 الفا عبئا هائلا يستنزف ميزانية الاقليم المتمتع بحكم شبه ذاتي والذي يناضل لبناء أمة في الجنوب الذي انهكته الحرب لكنه غني بثروته المعدنية. وربما كان أصدق تعبير عن حالة الخوف من المستققبل ما قاله رئيس لجنة التسريح ونزع السلاح واعادة الاندماج بجنوب السودان أروب موياك مونيتوك "اذا بدأنا في هذه العملية ثم تعثرت في وسط الطريق فستصبح كارثة." وقال "لا يعرف كثيرون منهم اية حياة سوى وراء بندقية. واذا تم تسريحهم بدون اعادة اندماج قابلة للاستمرار فمن المؤكد انهم سيتجهون الى العنف." وقُتل في الحرب بين الشمال والجنوب نحو مليوني شخص واضطر اربعة ملايين اخرين الى النزوح من منازلهم قبل اتفاق السلام عام 2005. وبموجب الاتفاق يمكن للجنوب ان يقترع على الاستقلال في عام 2011 . وفي إطار الحلول المطروحة للتغلب على مشكلة المسرحين، سيحصل الجنود الذين يخرجون من الجيش على مواد غذائية وسلع منزلية وبعض النقود لمدة ستة اشهر. لكن مونيتوك يرى مستقبل الجنود كئيباً بعد هذه الأشهر الستة، إذ أن الوظائف ليست مضمونة ولم توافق الاممالمتحدة على تقديم مال كاف من اجل مساعدتهم على العودة الى المجتمع. وعن المسرحين المتوقعين, قال نائب رئيس هيئة الاركان للجيش الشعبي لتحرير السودان سلفا ماتوك انه من المقرر ان يبدأ التسريح في الجنوب في مايو ايار بخروج نحو 25 الف جندي بينهم كبار السن والمعاقون، مرجعاً ذلك إلى أن رواتب هؤلاء الجنود لم يعمل حسابها في الميزانية السنوية للدفاع التي تبلغ 500 مليون دولار. وووسط حالة القلق، حاول البعض أن يستفيد من التعويضات المقرر توزيعها, وهو ماعبر عنه ماتوك قائلا: "ان قوائم الاشخاص الذين سيتم تسريحهم غير واضحة وبعض الاسماء يبدو انها مزيفة على أمل الحصول على مبالغ نقدية. كما تظهر ايضا ميليشيات جديدة لنفس الهدف فيما يبدو. والقي القبض على احد الجنوبيين الشهر الحالي لقيامه بتوزيع بنادق وقنابل يدوية. واضاف ماتوك "كان يتنقل في كافة انحاء الجنوب من اجل تجنيد اشخاص. وقال لنا ان هذا هو جيشه وان لديه 50 الف شخص". وومن جهتها, تضغط حكومة الجنوب على الاممالمتحدة لكي تدفع لكل جندي مبلغ 3500 دولار لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع وهو ما يبلغ عدة امثال الراتب السنوي لكن مونيتوك قال ان الحكومة قد تدفع جزءا من هذا المبلغ. وتبدو الصورة معقدة وشديدة الحساسية في الجنوب فبينما يتحايل البعض للحصول على تعويضات يخشى من نشوب حالة من العنف يصعب السيطرة عليها خاصة أن عدة الاف من الجنود الذين ينتظرون التسريح ينتمون الى ميليشيات كانت في السابق معادية للجيش الشعبي لتحرير السودان ولم تنضم الى الجيش الجنوبي الا في يونيو/ حزيران الماضي.