المولد.. رقص وبكاء نزاع قضائي وأثري رفض شعبي أعدت الملف: إيمان التوني "أبو حصيرة" لغز دفن في قرية "دميتوه" بمدينة دمنهور التابعة لمحافظة البحيرة المصرية منذ أكثر من قرن وربع القرن. تحول قبره إلى مزار سياحي يشهد احتفالا سنويا، يثير الجدل بشأن صاحبه، وما إذا كان حاخاما يهوديا مغربيا له كرامات مشهودة، أم هو ولي مسلم مغربي من أولياء الله الصالحين، أم فلسطيني صالح مازالت عائلته ممتدة في غزة حتى الآن! واستمرارا لحالة الجدل الدائرة حول مولد "أبو حصيرة" الذي يحيه عدد من الإسرائيليين كل عام، قدم النائب إسماعيل عبد الفتاح أمام اجتماع لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب طلب إحاطة حول ما تردد عن السماح لآلاف من الإسرائيليين الدخول إلى مصر بحجة زيارة وإحياء هذا المولد، الأمر الذي نفته وزارة الداخلية المصرية – في ردها الأحد 26 يناير/ كانون الثاني 2009 - مؤكدة أن إجمالي من حضروا لهذه الاحتفالات لا يتجاوز 5 إسرائيليين، وتم منعهم ولم يتمكنوا من الاحتفال الذي بدأ في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2008 واستمر حتى أوائل يناير/كانون ثاني 2009. "أبو حصيرة".. من هو؟ وتتعدد الروايات عن من هو "أبو حصيرة"؟ ولأي دين ينتمي؟ ومن أين أتى؟ ولماذا دفن في مصر؟ فحسب الرواية اليهودية، فإن "أبو حصيرة" حاخام يهودي من أصل مغربي له كرامات مشهودة، واسمه الأصلي "يعقوب بن مسعود". ولد في جنوب المغرب، وعندما غادرها في عام 1880 لزيارة الأماكن المقدسة في فلسطين غرقت السفينته التي كانت تقله في البحر، وظل متعلقا بحصيرة قادته إلى سوريا، ثم توجه منها إلى فلسطين، وبعد زيارتها غادرها متوجها إلى المغرب عبر مصر حيث توفي في قرية "دميتوه" المصرية، ليدفن بها بناء على توصية منه بذلك. وفي رواية أخرى، قدم أحد أبناء قرية دميتوه المحامي "مصطفى رسلان" شجرة عائلة "أبو حصيرة" - قدمها له بعض المسلمين من المغرب في موسم الحج - والتي تشير إلى أنه رجل مسلم مغربي عاش في مراكش، اسمه "محمد بن يوسف بن يعقوب"، وكان يعمل إسكافيا (يصلح الأحذية) في مصر وليس يهوديا. وبناء عليها أقام رسلان دعوى قضائية ضد الاحتفال اليهودي السنوي بمولد "أبو حصيرة"، إلا أن المحكمة رفضت الطعن. وفي رواية ثالثة، قال الحاج "محمد أبو حصيرة" الفلسطيني إن ضريح "أبو حصيرة" في محافظة البحيرة المصرية يعود لجد العائلة الفلسطينيةبغزة ولا علاقة لليهود به. وأضاف الحاج "أبو حصيرة" – المولود في 1901 - في تصريحات نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" في 13 يناير/ كانون الثاني 2001، أن تسمية عائلة "أبو حصيرة" تعود إلى جد العائلة الذي دفن في مصر، موضحا أن الجد ركب البحر من شاطئ غزة إلى مصر، وكان حاملا حصيرا، وعندما وصل إلى الشاطئ المصري في المركب، تجول على الشاطئ ودخل الأراضي المصرية، وفي إحدى الليالي لف نفسه بالحصيرة ونام، حيث توفاه الله، وفي الليل جاء لعمدة البلدة المصري هاتف بالمنام يقول له "يوجد رجل صالح ميت في حصيرة، فاذهب وادفنه"، وفي الصباح جمع العمدة عددا من رجال البلدة، وبحث عن الرجل المجهول حتى وجده ميتا داخل حصيرة، على شاطئ البحر، فدفنوه وأطلقوا عليه اسم "أبو حصيرة" لأنهم لا يعرفون اسمه، وبنوا حول الضريح قبة صغيرة، أصبح الناس يترددون على الضريح باعتباره من أولياء الله الصالحين، واصبحوا يضعون عند الضريح الصدقات للفقراء والمحتاجين. وأشار الحاج "محمد أبو حصيرة" إلى وجود تشابه في الأسماء بين عائلته الفلسطينية المسلمة وعائلة "أبو حصيرة" المغربية اليهودية. المولد.. رقص وبكاء يهود يمارسون طقوس الاحتفال ب "مولد أبو حصيرة" وفقا لما هو ثابت تاريخيا، كانت الطائفة اليهودية المصرية تحتفل بما يطلق عليه مولد "أبو حصيرة" قبل عام 1945. ومنذ العام 1979 وبعد توقيع معاهدة "كامب ديفيد" للسلام بين مصر وإسرائيل طالب اليهود بتنظيم رحلات رسمية لهم للاحتفال بالمولد والذي يستمر أسبوعا يبدأ في 26 ديسمبر/ كانون الأول حتى 2 يناير/ كانون الثاني من كل عام. ويتم السماح لليهود عامة – وليس من الإسرائيليين فقط - بزيارة الضريح والاحتفال بالمولد، بتنسيق مع سلطات الأمن المصرية. المولد يبدأ ليلة 26 ديسمبر/ كانون الأول فوق رأس "أبو حصيرة"، حيث يقام مزاد على مفتاح مقبرته، يليه شرب الخمور و سكبها فوق المقبرة ولعقها بعد ذلك، ثم ذبح الأضحيات ومن ثم شي اللحوم، مع تناول الفاكهة المجففة وزبدة وفطير، كما يقوم المحتفلون بالرقص على بعض الأنغام اليهودية بشكل هستيري وهم شبه عرايا بعد أن يشقوا ملابسهم، ثم يذكرون بعض الأدعية والتوسلات المصحوبة بالبكاء بحرقة أمام القبر، وضرب الرؤوس في جدار "المبكى" للتبرك وطلب الحاجات. نزاع قضائي وأثري وفي خطوة أثارت الرأي العام في مصر، أصدر وزير الثقافة المصري فاروق حسني القرار رقم "75" لسنة 2001 بضم مقبرة "أبو حصيرة" والمقابر اليهودية التي حوله – وتضم رفات 88 من اليهود الذين كانوا يعيشون في مصر سابقا - إلى هيئة الآثار المصرية ضمن الآثار الإسلامية والقبطية. وذكر تقرير صادر عن هيئة الآثار المصرية - في يوليو/ تموز 2001 - أن قبر "أبو حصيرة" المقام عام 1880 ليس خاصا ويأتي تحت رقم 16 ضمن الاثار اليهودية المسجلة أثريا، حيث سبق وأن سجلت آثار أخرى مثل موسى بن ميمون وحاييم كابوس بحارة اليهود، ونسيم اشكنازي في حي الظاهر، وعصر حاييم موسى الدرعي بالعباسية، والبامو بالإسكندرية، وعزرا بالموسكي، وإيهود الاشكناز بالعتبة، وقد تم تسجيل "أبو حصيرة" وفقا لأحكام قانون الآثار. وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول 2001، صدر حكم محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية دائرة البحيرة بوقف الاحتفالات السنوية التي يقوم بها اليهود في ضريح "أبو حصيرة". وعللت المحكمة قرارها بأن اليهود خلال إقامتهم في مصر لم يشكلوا حضارة بل كانوا قوما متنقلين يعيشون في الخيام ويرعون الأغنام ولم يتركوا ثمة أثرا يذكر في العصر الفرعوني، أن الضريح مجرد قبر لفرد عادي لا يمثل أية قيمة حضارية أو ثقافية أو دينية حتى يمكن اعتباره جزءا من التراث المصري. كما اعتبرت المحكمة أن ما يفعله اليهود في مولد "أبو حصيرة" يتعارض مع التقاليد الإسلامية والآداب العامة. بيد أن وزارة الثقافة المصرية طعنت في قرار المحكمة، ما سمح باستمرار إقامة الاحتفال، بعد أن توقف لفترة قصيرة. رفض شعبي دائما يواجه مولد "أبو حصيرة برفض شعبي مصري، حيث سبق لمجلس مدينة دمنهور أن قرر في ديسمبر/ كانون الأول 2000 منع الاحتفالات اليهودية التي تبدأ في ذكرى مولد "أبو حصيرة"، بسبب معارضة أهالي المدينة لتصرفات اليهود في الحفل وتناول الخمور والرقص بشكل غير لائق. مشهد من الاحتفال اليهودي وفي محاولة شعبية رافضة لإقامة "مولد "أبو حصيرة"، طرح اقتراح على أجهزة الحكم المحلي المصرية - في يناير/ كانون الثاني 2001 - بتغيير اسم القرية إلى "قرية الشهيد محمد الدرة"، حتى تذكِر اليهود الذين يزورونها كل عام بجرائم إسرائيل ضد انتفاضة الأقصى، بل ووصل الأمر إلى حد رفع دعاوى قضائية تطالب بتغيير اسم القرية. وفي عام 2007، شن 13 عضوا بمجلس الشعب هجوما شديدا علي الإحياء اليهودي السنوي ل"أبو حصيرة"، مطالبين في جلساتهم البرلمانية بوقف وإلغاء الاحتفال بما يسمى مولد "أبو حصيرة". وكانت أحدث مظاهر الاحتجاج الشعبي في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2008، حيث نظم عشرات الناشطين والسياسيين ونواب بمجلس الشعب ومدونون وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحفيين بالقاهرة، طالبوا فيها بإلغاء المولد، وتنفيذ حكم أصدرته محكمة القضاء الإداري عام 2004 يقضي بإلغائه. ووسط كل هذا الجدل والخلاف السياسي وعدم التيقن من هوية المدعو "أبو حصيرة" وديانته وجنسيته، يأتي الاحتفال بمولد "أبو حصيرة" لينطبق عليه المثل المصري الشهير "مولد وصاحبه غائب".