يقول خبراء الشؤون الاستراتيجية إنه لولا الجاسوس الشهير فوكس لما قامت الحرب الباردة أبداً، ولانفردت الولاياتالمتحدة بحكم العالم باعتبارها القطب الأوحد الذي لا يجاريه أحد. وفوكس، واحد من جواسيس العيار الثقيل الذي تمكن في سنوات الأربعينات من القرن الماضي من نقل أسرار بناء القنابل الذرية من الولاياتالمتحدة إلى الاتحاد السوفييتي. وهو واحد من مجموعة جواسيس نافذين تمكنوا من تغيير قواعد اللعبة السياسية والاستراتيجية العالمية بدهائهم وقدراتهم المتميزة على فتح الأبواب المغلقة والوصول إلى المستندات والأوراق السرّية. وتجمع قصّة ملك الجواسيس المتوّج كلاوس فوكس بين الإثارة الشديدة، أو ما يعرف اليوم باسم (الأكشن)، وإثبات القدرة الفردية للبشر على تغيير التوازنات الاستراتيجية على مستوى المجتمعات والدول، كما أصبحت نشاطاته مادة روائية نشرت حولها الكثير من الكتب لعل من أهمها كتاب (هكذا وقع فوكس في الفخّ) الذي نشر في سنوات الستينات من القرن الماضي؛ وهذه قصته. ولد العالم الذري كلاوس فوكس في 29 ديسمبر من عام 1911 بمدينة روسيلشايم الألمانية. وكان ثالث أربعة أطفال لقسيس لوثري يدعى إميل فوكس وزوجته إلسا فاجنير. وأصبح والده فيما بعد أستاذاً في علم اللاهوت بجامعة لايبزيج. وشهد كارثة كبيرة عندما كان صبيّاً حيث ماتت جدته لأمه، ومعها أمه وإحدى أخواته في حادث انتحار جماعي. وبعد أن أنهى دراسته الثانوية، التحق بجامعة لايبزيج ثم كييل. واتضحت ميوله السياسية حين انضم إلى الحزب الديموقراطي الاجتماعي عام .1932 وفي ذلك الوقت كان نجم أدولف هتلر قد بدأ بالسطوع. وما لبث أن انشقّ عن حزبه في عام 1933 بسبب التهديدات التي كان يتعرض لها أعضاء الحزب الديموقراطي الاجتماعي من رجال الجستابو والحرس النازي. وانضم بشكل سرّي إلى الحزب الشيوعي الألماني وتعرّض للمراقبة والملاحقة من جديد لأن النازيين كانوا يناهضون الطروحات الشيوعية. وهرب بعد ذلك إلى فرنسا ومنها إلى مدينة بريستول في بريطانيا. وبسبب صفاء ذهنه وتفوقه الإدراكي الشخصي، تمكن من الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في الفيزياء من جامعة بريستول عام 1937 واهتم في بحوثه بعلوم الفيزياء النظرية والذرّة وسجل فيها نجاحاً لافتاً، وعمل بعد ذلك أستاذاً في جامعة أدنبره. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية عام ،1939 عمد البريطانيون لاعتقال كل الألمان المقيمين على أراضيهم وأودعوهم معسكرات خاصة في جزيرة (إيسل أوف مان) ثم نقلوهم إلى مقاطعة كيبيك في كندا؛ وكان فوكس من بينهم. وما لبث أن عاد إلى بريطانيا في بداية عام 1941 تلبية لاقتراح تقدم به عالم ذرّي بريطاني يدعى رودولف بييرلز يعمل في جامعة بيرمنجهام في مشروع (السبائك الأنبوبية) التي تستخدم في بناء القنابل الذرية. وبالرغم من النظرة المتحفظة التي كان يواجه بها الألمان في إنجلترا في ذلك الوقت، إلا أن فوكس نجح في إقناع السلطات بمنحه الجنسية الإنجليزية عام .1942 وتثبت رسالة اكتشفت فيما بعد أن أول اتصال تم بين دوائر الاستخبارات الروسية وفوكس كان بتاريخ 10 أغسطس من عام ،1941 وكان الاتصال يتم عن طريق فتاة أطلقت على نفسها الاسم الحركي (سونيا) فيما كان اسمها الحقيقي روث فيرنر وهي شيوعية ألمانية عميلة للجهاز الروسي للاستخبارات العسكرية. وعندما غزا الجيش النازي أراضي الاتحاد السوفييتي عام ،1941 بدأ فوكس الذي اشتهر بعدائه للنازية، ببث الأسرار الذرّية البريطانية إلى السوفييت. وكان يعتقد أن من حقهم أن يمتلكوا الأسلحة الذرية التي يمتلكها البريطانيون وبعدهم الأميركيون؛ وهي التي كانوا يعملون بدأب على إنتاجها. وقدّم فوكس بعد عدة سنوات شهادة تفيد أنه تعرف على شخص يعمل في سفارة الاتحاء السوفييتي في لندن كان يحمل الاسم السرّي (ريست)، وأصبح واحداً من الذين يتلقون تقارير سرية منتظمة من فوكس. وسافر عام 1943 إلى جامعة كولومبيا في نيويورك للعمل في (مشروع مانهاتن) لإنتاج القنبلة الذرية. وعندما سمع الروس بهذا التطور، نقلوا ملفّه إلى إدارة الاستخبارات العامة الشهيرة باسم (كيه جي بي) وأولوه اهتماماً خاصاً. ومنذ عام ،1944 عمل في قسم بحوث الفيزياء النظرية لمعهد لوس آلاموس في ولاية نيومكسيكو في موضوع تصميم صاعق التفجير الابتدائي لكتلة البلوتونيوم التي تشكل قلب القنبلة الذرية. وتمكن من وضع حسابات رياضية في هذا المجال الحساس لم يتمكن أحد قبله من التوصل إليها. ولا زالت هذه التقنية تستخدم حتى الآن وتحمل اسمه. وشارك أيضاً في استنتاج الحسابات الخاصة بتركيب القنبلة الهيدروجينية. واعترف فوكس فيما بعد بأنه عمد إلى نقل المعلومات السرّية الأساسية لمشروع مانهاتن إلى الاتحاد السوفييتي عن طريق وسيط يحمل الاسم المزيّف (ريمون) والذي اكتشفت شخصيته الحقيقية فيما بعد وكان اسمه هاري جولد. وواصل نقل المزيد من المعلومات السرية المهمة حول القنبلة الذرية والهيدروجينية إلى السوفييت طيلة عامي 1946 و1947 وعن طريق عدد من الوسطاء الذين كانوا يختارهم بعناية بالاستعانة بجهاز الاستخبارات الروسي. وجاءت معلومات فوكس للسوفييت في الوقت المناسب وبعد أن فشل مشروعهم لإنتاج القنبلة الذرية والذي كان يدعى (مشروع فيرونا). وتم القبض عليه بالجرم المشهود عندما كان ينقل المعلومات السرية إلى الروس بطريقة تبادل معطفين مضادين للمطر يحملان الوثائق السرية في نادٍ ليلي. واعترف فوكس بكافة التهم الموجهة إليه، ولم يخفِ شيئاً عن نشاطاته عندما قدم للمحاكمة في 1 مارس من عام 1950 وحكم عليه في اليوم التالي بالسجن لمدة 40 عاماً وأسقطت عنه الجنسية البريطانية، وهي أقصى عقوبة لإنسان يتهم بتسريب الأسرار العسكرية في ذلك الوقت. وعندما افتضح أمره، ضجّت بأخباره وسائل الإعلام العالمية بالرغم من أن السوفييت أنكروا أنه كانوا يعمل لحسابهم. وتجمع آراء الخبراء في الشؤون الذرية أن فوكس قدم للسوفييت المعلومات الكافية لبناء أول قنبلة ذرية أطلقوا عليها اسم RDS-1 وهي شبيهة جداً بالقنبلة الذرية الأميركية التي عرفت باسم (الرجل البدين). وأطلق سراحه في 23 يونيو من عام 1953 وسمح له بالسفر إلى دريسدن في ألمانياالغربية وانتقل بعد ذلك إلى ألمانياالشرقية. وأظهر هناك عزماً لا نظير له على التعمق في بحوثه الذرية حتى انتخب عميداً ومديراً لمعهد البحوث النووية بمدينة روزيندورف وبقي فيه حتى بلوغ سن التقاعد في عام 1979 ومات في 28 يناير من عام 1988 بمدينة دريسدن بعد أن ترك أثراً لا يمّحي في تاريخ الصراع الاستراتيجي الخطير الذي رافق الحرب الباردة بين الكتلة السوفييتية والغرب. جوليوس وإثيل وهذه قصة زوجين لعبا دوراً كبيراً في نقل الأسرار الذرية إلى الاتحاد السوفييتي قبيل بداية الحرب الباردة. وكان جوليوس روزنبرغ وزوجته إثيل شيوعيين أميركيين تجنّدا لتقديم الأسرار الذرية إلى السوفييت. وكانت إثيل قد تعرّفت على جوليوس خلال انعقاد منتدى الشباب الشيوعي في الولاياتالمتحدة عام 1936 وكان جوليوس زعيماً شيوعياً بارزاً في الولاياتالمتحدة. وفي عام ،1942 نجحت الاستخبارات السوفييتية (كيه جي بي) في تجنيده. وبدأ بتسريب الأسرار النووية التي كان يحصل عليها حول مشروع مانهاتن إلى السوفييت على شكل تقارير مشفرة يمكن تحليلها من خلال أحاديث يومية كان يبثّها من راديو إميرسون. ومن بين أهم الأسرار التي سرّبها معلومات تتعلق بطريقة بناء صواريخ مضادة للطائرات هي التي استخدمت فيما بعد بإسقاط طائرة التجسس الأميركية (يو-2) عام .1960 وساهم جوليوس وزوجته في تجنيد مجموعة من الجواسيس داخل أميركا وخارجها لنقل المعلومات. ويختلف نشاطهما في هذا الصدد عن نشاط كلاوس فوكس في أنهما كانا متخصصين بسرقة أسرار بناء الصواريخ والطائرات القادرة على حمل الأسلحة النووية ومنها الصاروخ (بي 80 شوتينج ستار) الذي كانت تصنعه شركة لوكهيد. واعترف الرقيب دافيد جرينجلاس، شقيق إثيل الذي كان يعمل ميكانيكياً في المنطقة النووية في مدينة لوس آلاموس، بأنه قدم معلومات سرية بالغة الأهمية للسوفييت عن طريق صهره جوليوس. وعندما اعتقل، نفى أن تكون أخته ضالعة في هذه الجريمة. وفي عام 1951 اعتقل جوليوس وزوجته وانطلقت محاكمتهما، وظهر من خلال أقوال الشهود أن إثيل كانت تطبع الأسرار النووية التي تحصل عليها من أخيها وتقدمها إلى زوجها الذي يتولى بثّها مشفرة من خلال أحاديثه الإذاعية. وأدين الزوجان ومعهما جرينجلاس أخو إثيل وتم إعدامهما بالكرسي الكهربائي في سجن سينج سينج عام .1953 سورج.. جاسوس متعدد الاختصاصات يوصف ريتشارد سورج بأنه واحد من أفضل الجواسيس السوفييت في اليابان قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية. ودفعت به إنجازاته إلى مصاف أشهر جواسيس العالم. وهو من مواليد أذربيجان، وكان أحد أعمامه القدماء من أصدقاء منظّر المذهب الاشتراكي كارل ماركس. شارك في الحرب العالمية الأولى التي اندلعت عام 1914 وانتهت عام 1918 وأصيب خلالها بإعاقات وكسور بالغة في أصابع اليدين والساقين. وسافر إلى الاتحاد السوفييتي ليلتحق في دوائر التجسس. وفي عام 1922 تم ابتعاثه إلى فرانكفورت لدراسة أصول وقواعد الجوسسة التجارية. وفي عام 1933 أرسل إلى اليابان ليقود شبكة تجسس واسعة. وتمكن أثناء عمله هناك من اختراق أهم القرارات العسكرية التي تتخذ على أعلى مستوى في القيادة اليابانية العليا بما في ذلك تواريخ العمليات والخطط الهجومية. وانكشف أمره واعتقل في طوكيو في 18 أوكتوبر من عام 1941 بعد أن ارتكب خطأ جسيماً حيث كان يتعين عليه أن يتلف تقريراً سرياً بعد أن بثّ مادته المشفرة إلى موسكو ولكنه فضّل إلقائه في الطريق فعثر عليها رجال المخابرات وعرفوا صاحبه. وجرى إعدامه شنقاً في 7 نوفمبر من عام .1944 وأنكر السوفييت أي علاقة به حتى عام 1964 حيث أفشوا كل الأسرار التي قدمها لهم. كازانوفا .. الجاسوس العاشق اشتهر ابن البندقية جياكومو كازانوفا بأنه زير نساء ، ولا يعرف إلا القليلون أنه كان من أوائل من احترفوا الجاسوسية. واشتهر أيضاً بأنه كان من أوائل من كتب سيرته الذاتية بطريقة المذكرات ونشرها في كتاب تحت عنوان قصة حياتي . عاش في القرن الثامن عشر وحصل على مستوى تعليمي وثقافي رفيع وأصبح محامياً. واستغل علاقاته الغرامية الناجحة مع نساء الطبقة الراقية في إيطاليا وكان يحصل منهن على المال إلى أن أصبح واسع الثراء. ويحكى أنه خسر في ليلة قمار واحدة مبلغاً يعادل في حسابات اليوم أكثر من مليون يورو. وبين عامي 1774 و1782 تجنّد كجاسوس لصالح حكام البندقية. واكتشف أمره ونفي عام .1782 وبعد انتهاء مدة النفي عاد إلى البندقية وافتتح فيها مكتبة وظل يتاجر بالكتب حتى مات.