من يقف خلف القراصنة سؤال بات يتردد ليس في الشارع اليمني فحسب بل في مختلف الأرجاء العربية المتابعة للتطورات الدرامية لمسلسل خطف السفن الأجنبية بل ويؤدي السؤال إلي سؤال آخر غاية في الأهمية وهو: من المستفيد من توسع وإنتشار عمليات القرصنة والتي باتت إنعكاساتها الأمنية والاقتصادية تظهر بوضوح في الآفاق علي شركات النقل وعلي مسار الملاحة الدولية. عندما سئل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في مقابلة مع قناة روسيا اليوم عن مدي إعتقاده بوجود أياد خفية تقف خلف القراصنة أجاب بقوله: لا تتوافر لدينا أية معلومات في هذا الجانب ولكن نعتبر هذه القرصنة ناتجة عن الانفلات الموجود في الصومال وربما كوادر البحرية الصومالية التي تفككت ربما يساهمون في القيام بأعمال القرصنة وأن يكون من بين القراصنة من الشباب الذين كانوا في البحرية لأن تنفيذ أعمال قرصنة وبتلك الدقة يحتاج إلي خبرة وليس عملا ارتجاليا لمجموعة من الصيادين. الرئيس اليمني الذي أكد مرارا علي دور عربي للدول المطلة علي البحر الأحمر في تنسيق التعاون بشأن تأمين الملاحة دعا الأممالمتحدة والمجتمع الدولي إلي تشكيل قوة دولية لمحاربة ظاهرة القرصنة البحرية في خليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي بالتعاون مع الدول المطلة علي المناطق البحرية التي تشهد أعمال قرصنة معتبرا أن مكافحة القرصنة المتنامية في خليج عدن والبحر العربي أمر لا يهم اليمن لوحده بل يهم كل دول العالم ويحتاج إلي تكاتف كافة الجهود الدولية لمواجهة القرصنة حتي يتم القضاء عليها وتأمين خطوط الملاحة الدولية معربا عن أمله في أن يسهم وجود سفن عسكرية للفرنسيين والأمريكيين وبعض الدول الأجنبية في جعل هذه الدول تتحمل مسئولية كبيرة جدا في محاربة ظاهرة القرصنة المتنامية في هذه المنطقة الحيوية لخطوط الملاحة الدولية. قدرات فائقة ويري المقدم شجاع الدين المهدي رئيس العمليات في مصلحة خفر السواحل اليمنية إن أغلب القراصنة الصوماليين هم من جنود البحرية الصومالية السابقة وأنهم يستخدمون الهواتف الجوالة( الثريا) وأجهزة اتصالات لاسلكية عالية التردد مثل جهاز(HF) وهو جهاز عالي التردد وجهاز(VHF) وهو جهاز اتصال أعلي ترددا من السابق. ويوضح المقدم المهدي إن القراصنة يرمون بهواتفهم الجوالة في المياه عقب أية عملية اختطاف ينفذونها بحق أي سفينة وذلك تجنبا لرصد تحركاتهم وتحديد مواقعهم عبر الأقمار الاصطناعية قبل أن يصلوا إلي شواطئ الصومال ثم يستخدمون أجهزة الاتصال اللاسلكية ويتعاملون فيما بينهم بأسماء مستعارة ويتلقون الأوامر من رؤسائهم بلغة اقرب إلي الشفرة مشيرا إلي أن للقراصنة الصوماليين قيادة تخطط لهم وتقوم بتوجيههم فيما هم ينقسمون إلي قسمين الأول: ينفذ عمليات الخطف. والثاني: يقوم بحراسة السفن المختطفة والراسية في شواطئ الصومال وموانئها مثل ميناء بوصيصو. ويؤكد رئيس العمليات في مصلحة خفر السواحل اليمنية أن القراصنة الصوماليين يستخدمون الأموال التي يحصلون عليها كفدي من ملاك السفن المختطفة من أجل تعزيز قدراتهم الهجومية وأنهم باتوا يمتلكون زوارق سريعة مزودة بمحركات تجعل تلك الزوارق قادرة علي مطاردة السفن والمناورة حولها بكفاءة غير عادية موضحا أيضا أن القراصنة باتوا يمتلكون أسلحة متطورة جدا تمكنهم من إجبار السفن علي الاستسلام كما أن لديهم أجهزة حديثة ومتطورة يستخدمونها في تعقب السفن موضحا أن ذلك سبب زيادة وتيرة اختطاف السفن في خليج عدن في الأشهر الماضية. ويؤكد نائب القنصل الصومالي في عدن حسين حاجي أحمد أن القراصنة اليوم ليسوا هم القراصنة قبل أربعة أعوام فهم متزايدون ومزودون بأجهزة متطورة وخطيرة وأسلحة وقوارب ورادارات واتصالات حديثة الأمر الذي يثير شكوكا في أن هناك من يقف وراء ذلك لتهديد سلامة واستقرار البحر الأحمر وخليج عدن والملاحة الدولية لافتا إلي أن هناك13 باخرة تجارية أجنبية في منطقة( أيج) في الصومال ونحو1200 مسلح صومالي حولها وفي نفس الوقت أصبحت هذه الأعمال مدرة اقتصاديا للكثير من الشباب العاطل عن العمل حيث يستلم الفرد من العمل في إطار المليشيات100 دولار شهريا وهذا مصدر مهم في بلد دمر اقتصاديا وتعطلت مؤسساته ولم يبق له غير طريق القرصنة. ويرجح حاجي أن تكون أعمال القرصنة في مياه خليج عدن مقدمة لذرائع التدخل في شؤون المنطقة وهذه النظرة الاستباقية للأمور تدعمها وقائع وأحداث تاريخية عدة بدليل إن القراصنة يمتلكون تجهيزات حديثة بل إن بعضهم عاد من بعض الدول الأوروبية خصيصا لحماية أعمال القرصنة التي قد تؤدي علي المدي القريب إلي تحقيق مآرب من وراء ظهور أعمال القرصنة الراهنة في خليج عدن ومياه المحيط الهندي. ويقول الباحث اليمني محمد سيف حيدر إن معظم الهجمات التي قام بها القراصنة الصوماليون تم التخطيط لها علي أساس معلومات تم جمعها مسبقا عن السفن والناقلات المستهدفة اذ يستعملون لهذا الغرض نظام تحديد المواقع العالمية والهواتف التي تعمل بالأقمار الاصطناعية ولديهم شبكة نشطة من الجواسيس في موانئ مجاورة مثل دبي وجيبوتي وعدن لرصد ضحاياهم فانه لا مناص للدول المعنية بمحاربتهم من استخدام سلاح المعلومات نفسه لهذا الغرض. ولأن البيئة البحرية لا تزال أقل مناطق العالم انضباطا من الناحية الأمنية في الوقت الراهن فان الوعي بالمجال البحري يعد ذا أهمية كبيرة من أجل التنبؤ بالوقت والمكان المحتملين لتنفيذ هجمات القرصنة والإرهابيين وهذا يتطلب الاستعانة ببيانات المراقبة والمعلومات الاستخباراتية وتوفير هذه المعلومات للأطراف التي تحتاج اليها. ويدعو حيدر إلي ضرورة إدماج الإدارة الأميركية وإقناعها بوضوح ودون مواربة بأن مواجهة القراصنة الصوماليين ليست شأنا إقليميا فقط بل يقع في صميم مسؤوليات الولاياتالمتحدة وحربها الكونية ضد الإرهاب. وتذهب المستشارة القانونية بوزارة النقل اليمنية الدكتورة وفاء الحمزي في رؤيتها للأصابع الخفية إلي أبعد من الإتهام العام لقوي دولية أو إقليمية فهي تحدد بوضوح إسرائيل كطرف رئيسي مستفيد مما يجري. وتشير الحمزي إلي أن أنظار العالم وخاصة إسرائيل تحولت منذ حرب اكتوبر1973م- أي بعد قرار إغلاق مضيق باب المندب العظيم إلي الاهتمام بأمن البحر الأحمر فأصبح أمن البحر الأحمر يرتبط ارتباطا عضويا بأمن إسرائيل وقامت بدراسة الوضع من خلال دعوتها لعقد مؤتمرات دولية لتعديل بعض المواد القانونية التي تتضمن أحكام البحر عامة والبحر الإقليمي خاصة الصادرة في المؤتمرات الدولية وحتي إصدار قانون البحار الدولي في عام1982 م الذي سمح فيه للدول بإضافة مناطق بحرية وعلي ضوء ذلك أصبح البحر الأحمر من أهم البحار الدولية وأصبح منطقة صراع سياسي اقتصادي أمني. وتؤكد الحمزي إن المبدأ السياسي الاستراتيجي لإسرائيل هو تحقيق موطئ قدم عند مدخل البحر الأحمر حيث يعتبر من وجهة نظرها منفذا رئيسيا لتتدفق من خلاله صادراتها المتجهة إلي إفريقيا واليابان وجنوب شرق آسيا وإيلات. والقصد من ذلك أن تجارتها المستقبلية قد تحددت مع عالم المحيط الهندي والافرو- آسيوي وتمويل إسرائيل بالبترول دون اللجوء إلي المرور عبر قناة السويس. وتضيف بأن الإستراتيجية الإسرائيلية تقوم علي منع العرب من السيطرة علي البحر الأحمر- أي إخضاع البحر الأحمر للهيمنة الإسرائيلية ونزع صفته العربية وهذا ما أكدته دراسة أعدها' بنحاس مئير' الباحث في الدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب فذكر:' أن إسرائيل لا يمكنها تحت أي ظرف من الظروف السماح بأن يتحول البحر الأحمر إلي بحيرة عربية وإنها لابد من أن تتخذ كل الإجراءات الكفيلة بمواجهة أي تدهور قد يعيق الملاحة الإسرائيلية في هذا البحر'. وأضاف:' إن إسرائيل تعتبر البحر الأحمر هو أحد أهم الممرات البحرية التي توصلها مع دول العالم وشريانا حيويا يتوقف عليه ازدهار نموها وثروة إستراتيجية لا يجوز السماح بضياعها أو استغلالها من قبل الأعداء'. وتعتبر الباحثة اليمنية أن القرار الأخير لمجلس الأمن رقم1838 والخاص بمكافحة القرصنة البحرية ما هو إلا رسالة سياسية ومدلولها القانوني هو حق إسرائيل في الوجود والتمتع بكافة الحقوق القانونية في الإبحار بسفنها الحربية والنووية في البحر الأحمر ولها الحق أيضا في استخدام واستثمار ما يحلو لها من أبحاث وتنقيب فالوصاية الدولية قادمة بسب التهاون العربي كما رأت أن القرار الصادر من مجلس الأمن من الناحية القانونية هو قرار إذعان ملزم بالقوة الجبرية وكان من الإلزام الرجوع إلي الدول المطلة علي البحر الأحمر للتشاور وليس الاكتفاء بالطلب المقدم من الرئيس الصومالي بنشر قوة دولية متعددة الجنسيات فقط لأن سيادة الصومال وجيبوتي من سيادة اليمن ولا ننسي التداخل البحري بينهما. ويؤكد المراقبون أن تدويل أمن جنوب البحر الأحمر يحمل في طياته تداعيات كارثية علي الأمن القومي العربي ليس أقلها حرمان الدول العربية من السيطرة علي حركة الملاحة في الممر المائي الذي تعد غالبية الدول المطلة عليه دولا عربية باستثناء إسرائيل وإريتريا بل قد تكتسب أطرافا دولية حقوقا في المنطقة استنادا لقرارات مجلس الأمن التي خولتها استخدام القوة في مواجهة القراصنة والتي قد تستخدم للضغط علي الدول العربية في حالة تضارب المصالح مع تلك الأطراف الدولية.