جاء الإعلان عن اختيار "هيلاري كلينتون" لشغل منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، في إطار وفاء الرئيس المنتخب "باراك أوباما" بوعده للأمريكيين ب"فجر جديد" لقيادة الأمريكية للعالم المضطرب. كما يعد هذا الترشيح تحولاً في مسيرة "هيلاري" واعترافا من "أوباما" بخبرتها بعد تشكيكة أثناء الحملة الانتخابية في خبرتها في السياسة الخارجية قائلاً "أي خبرة في السياسة الخارجية؟! وأي أزمة تعاملت معها "هيلاري" للتحدث عن تلك الخبرة؟!". ويضع هذا الاختيار - حال تنفيذه - "هيلاري كلينتون" في ثالث أهم منصب أمريكي بعد الرئيس ونائبه. ولدت "هيلاري ديان رودمان" في 26 أكتوبر 1947، في منطقة بارتريدج بولاية إلينوي. وكانت طفلة ملتزمة في المدرسة ومحبوبة من مدرسيها، ومارست السباحة والبيسبول كما كانت عضواً في الكشافة. بدأت "هيلاري" أثناء دراستها الثانوية في الاهتمام بالعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية، وقابلت زعيم حركة الدفاع عن الحقوق المدنية للسود القس "مارتن لوثر كينج" في عام 1962 في "شيكاجو". التحقت هيلاري بجامعة "ويليسلي"، قسم العلوم السياسية في عام 1965. وخدمت خلال عامها الجامعي الأول كرئيسة للشباب الجمهوري في الجامعة. وساندت مع هذة المجموعة انتخابات "جون ليندساي" و"إدوارد بروك" على الفوز بمقاعد في مجلس الشيوخ، ثم تغير بعد ذلك موقفها حيث تغيرت نظرتها إلي حركة الحقوق المدنية الأمريكية وحرب فيتنام. وبعد اغتيال "مارتن لوثر كينج"، نظمت "هيلاري" إضرابا طلابيا لمدة يومين. وحظيت الكلمة التي ألقتها في حفلة تخرج دفعتها بالكثير من الاهتمام، حيث قالت فيها إن "التحدي الآن هو ممارسة السياسة مثل فن إظهار أن المستحيل ممكن". هذا ونشرت صورتها في مجلة "لايف" بسبب اتنقادها للسيناتور "بروك". والتحقت بعد ذلك بكلية الحقوق في جامعة "يال"، وعملت أثناء الدراسة في مركز "يال" لدراسات الأطفال، وتولت الكثير من قضايا إساءة معاملة الأطفال، وتطوعت لتقديم استشارات قانونية للفقراء. وبدأت كذلك في مواعدة "بيل كلينتون" الذي كان زميلا لها في الدراسة. وعملت أثناء دراستها العليا كمحامية في صندوق الدفاع عن الأطفال في "كمبريدج". وفي عام 1974 كانت عضواً في فريق التحقيق في الاتهامات أثناء فضيحة ووترجيت. وتوقع لها الجميع في ذلك الوقت مستقبلا سياسيا كبيرا، لكنها تركت "واشنطن" وتلك التوقعات وذهبت مع كلينتون إلي "أركنساس"، حيث كان كلينتون مرشحاً لمقعد في مجلس النواب. وهناك قامت بالتدريس في كلية الحقوق وتزوج الاثنان في عام 1975. وبعد ذلك تم انتخاب كلينتون حاكماً ل"أركنساس"، وفي هذه الأثناء أنجبت إبنتهما "تشيلسي"، وقامت "هيلاري" حينها بإصلاح نظام التعليم العام، لذا تم اختيارها سيدة العام ل"أركنساس" في 1984. واستمرت في ممارسة القانون من خلال عملها في شركة "روز" القانونية، واختيرت من بين أكثر 100 محامي تأثيراً في الولاياتالمتحدة في عامي 1998 و1991. برز اسم "هيلاري كلينتون" للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية التي خاضها كلينتون في عام 1992، عندما قالت "إن الحياة خليط من عدة أدوار ونبذل قصارى جهدنا لتحقيق التوازن بينها" وتقصد بهذه الأدوار الأسرة والعمل والخدمة. وعندما تولى "كلينتون" الرئاسة في 1993، أصبحت "هيلاري" أول سيدة لها مكتب في الجناح الغربي من البيت الأبيض، خلافا لكل السيدات الأوليات اللاتي كن في الجناح الشرقي فقط. وقد أثير حينئذ الكثير من الجدل بشأن مشاركة السيدة الأولي في الحياة العامة، وقال البعض إن دور "هيلاري" في البيت الأبيض هو دور المستشارين. عين "كلينتون" "هيلاري" رئيسة مجموعة عمل لإصلاح الرعاية الصحية ولم ينجح هذا البرنامج، واعترفت "هيلاري" بأن ذلك يعود إلي نقص خبرتها السياسية، بالإضافة إلي أسباب أخرى، ولكنها تمكنت من دعم تنفيذ برنامج "التأمين الصحي للأطفال". كما عقدت العديد من المؤتمرات المتعلقة بشئون الأطفال، وأول مؤتمر للنشئ، وكذلك أول مؤتمر للعمل الخيري. وأصبحت العلاقة بين "بيل و"هيلاري كلينتون" مثار الأقاويل في عام 1998، عندما اكتشفت علاقة "بيل" مع "مونيكا لوينسكي" المتدربة في البيت الأبيض. وفي البداية قالت "هيلاري" إن هذه مؤامرة من الجناح اليميني في البيت الأبيض، ثم اعترفت بأن زوجها ضللها بإنكارة العلاقة. وعندما اعترف "بيل"، أصدرت "هيلاري" بيانا رسميا أكدت فيه التزامها تجاة زوجها. وانقسمت النساء بين مقدرات لقوتها ومتعاطفات معها، وآخريات رأين أنها تتمسك بزواج فاشل، بينما فسر البعض موقفها بأنها تهدف من ورائه إلى تحقيق طموح سياسي في المستقبل القريب. وبصفة عامة، ارتفع معدل رضاء الشعب عنها كما لم يحدث من قبل. وفي عام 1998 أعلن سيناتور نيويورك "دانيال مونيهام" تقاعده، ورشح كثير من الديمقراطيين "هيلاري" لنيل مقعد "موينهام" في انتخابات مجلس الشيوخ لعام 2000. وبذلك أصبحت أول سيدة أولى ترشح لمقعد في مجلس الشيوخ. وفي حملتها وعدت "هيلاري" بتحسين الوضع الاقتصادي في الكثير من المناطق في "نيويورك" وتوفير 200 ألف فرصة عمل. وبالفعل فازت بالمقعد وتولت المنصب في 2003. وعندما دخلت المجلس، قامت "هيلاري كلينتون" ببناء علاقات مع أعضاء المجلس من الحزبين، وشاركت في العديد من اللجان مثل لجنة الموازنة والبيئة والصحة والقوات المسلحة. وبعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، حاولت "هيلاري" جمع الأموال لجهود الدعم. وساندت بقوة غزو أفغانستان لمكافحة الإرهاب، كما صوتت لصالح حرب ضد العراق، وقامت أيضا بعدة زيارات للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان. ثم فازت بفترة ثانية كسيناتور لنيويورك في عام 2006. وفي الأزمة الاقتصادية العالمية، ساندت خطة توفير 700 مليون دولار لإخراج الولاياتالمتحدة من الأزمة. أخذت "هيلاري" في الاستعداد لانتخابات الرئاسة لعام 2008 منذ عام 2003. وأعلنت في 2007 خوضها الانتخابات الرئاسية علي موقعها الإلكتروني، وبذلك أصبحت أول سيدة ترشح لمنصب الرئاسة. وكانت في البداية متقدمة علي المرشحين الديمقراطيين، ثم تقدم عليها "باراك أوباما" في المناظرات التي جرت بينهما، وبدا صدى رسالة "أوباما" للتغير أقوي من رسالتها عن الخبرة. وفي يونيو 2008 قررت "هيلاري" إنهاء حملتها الانتخابية وألقت كلمة لمساندة "أوباما". وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 وبعد انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة، بحثا "أوباما" و"هيلاري" إمكانية توليها منصب وزيرة الخارجية ووافقت "هيلاري"، وأعلن أوباما في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2008 ترشيحها للمنصب. وتبدو "هيلاري كلينتون" - التي نالت خلال تاريخها المهني أكثر من 10 جوائز من منظمات أمريكية ودولية لأنشطتها المتعلقة بمجالات المرأة والطفل والصحة - مستعدة لرسم سياسة خارجية أمريكية جديدة قد تؤدي إلى تحسين صورة الولاياتالمتحدة بعد أن جلبت لها سياسات فريق "بوش" الكثير من الكراهية.