اختار منظمو الدورة الحادية والثلاثين من مهرجان "دوارنيني" السينمائي في منطقة بريتاني (شمال غرب فرنسا) السينما اللبنانية ضيفا محوريا حل بمرتبة الشرف على هذه الدورة التي انطلقت مساء السبت. واختار المنظمون لبنان ضيف شرف لهذا العام حيث تقدم الأفلام اللبنانية والأشرطة المنتجة حول لبنان في نحو 70 عملا سينمائيا ووثائقيا أو قصيرا. وقالت كارولين تروان المديرة الفنية المساعدة للمهرجان إن اختيار لبنان جاء لأننا حساسون لكيفية سير العالم ولأننا معنيون بمصير اللبنانيين الذين تعصف بهم الهزات التي لا تزال تضرب بلدهم وأردنا أن نشارك جمهورنا عرض هذه الرؤى المتعددة التي تقدمها السينما اللبنانية عن الواقع اللبناني. وقد أضفى هذا المهرجان الذي يستمر حتى 23 آب/اغسطس حرارة على المدينة الصغيرة المطلة على المحيط الأطلسي افتقدتها الكثير من المدن الفرنسية هذا العام بسبب الطقس الخريفي. وهو يتيح للجمهور المحلي إطلالة على المجتمع والواقع اللبنانيين مع الحرص على عقد جلسات نقاش وطاولات مستديرة توضح جوانب من الوضع الراهن اللبناني بحضور شخصيات ثقافية وفكرية كأحمد بيضون وعباس بيضون ونجوى بركات وغيرهم. وركز المهرجان ومنظموه على تقديم كل المراحل التي ميزت السينما اللبنانية من البدايات الى اليوم. وتقدم العروض في ثلاث قاعات يمكن للمشاهد الفرنسي عبرها متابعة تطور هذه السينما وانتقالها من معالجة كليشيهات الوطن والمنفى وكليشيهات الشرق والغرب وتناقضات المجتمع اللبناني الى مقاربة أكثر واقعية وأكثر قلقا. ويقدم المهرجان أعمالا لكل من جوسلين صعب ورندا الشهال ودانييل عربيد ونادين لبكي ورانية اسطفان وميرنا معكرون وهن ينتمين الى أجيال مختلفة من السينمائيات المتعددات في مشهد يبرز كثافة الصوت النسائي وأهميته في السينما اللبنانية. ويقدم المهرجان كذلك أفلاما لبرهان علوية وبهيج حجيج وسمير حبشي وزياد الدويري وغسان سلهب وميشال كمون ووجدي معوض إضافة الى أعمال الثنائي جوانا حجي توما وخليل جريج ومعظم هذه الأسماء أتى من مرحلة ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990). وفي الوثائقي يقدم المهرجان فيلم مي المصري "بيروت حقائق وأكاذيب" لكنه يبدو حريصا أيضا على تقديم تجارب فريدة لاشخاص ليسوا سينمائيين بالاساس بل جاءوا الى الصورة السينمائية من مكان آخر كما هو حال المصور الفوتوغرافي فؤاد خوري الذي يعرض له المهرجان فيلمه الوحيد. ويحاول المهرجان اختصار المراحل التي ميزت هذه السينما التي تمتاز بحيوية منقطعة النظير في بلد يكاد يغيب فيه اي دعم لفن التصوير من قبل الدولة. وتوضح الافلام جميعا مقدمة جنبا الى جنب وعلى التوالي كيف ان الصورة المشعة للبنان الخمسينات والستينات بلد الارز وسويسرا الشرق سوف تنقلب الى عكسها في السبعينات لتطغى الحرب على المشهد العام في السينما اللبنانية. كما ان العروض تظهر الى اي حد تبدو هذه السينما اللبنانية وبخاصة في جديدها عامرة بالقلق وبالعنف وبالمستقبل الغامض للشباب. وبقدر ما تبدو الصورة قاتمة في الروائي تبعث على الامل في الوثائقي الذي يظهر الفرد اللبناني في الواقع اصلب واقدر على المقاومة والاستمرار. وقصد المنظمون الذين زاروا بيروت واطلعوا على نتاج السينما اللبنانية باهتمام يتخطى الاهتمام العابر او الصحافي ان يعودوا بمحورين تتركز حولهما العروض: محور الوجود الفلسطيني في لبنان ومحور الجنوب اللبناني ومعاناته. واذا كان مهرجان دورانيني اختار السينما اللبنانية فهو لم يقصر عروضه على الافلام التي انجزها لبنانيون بل تخطى ذلك الى مخرجين اهتموا بالشأن اللبناني والفلسطيني منذ السبعينات مثل المخرج الجزائري فاروق بلوفة الذي افتتح فيلمه "نهلا" المهرجان السبت لكن في نسخة رديئة متقادمة. ويتم عرض نبذة عن التاريخ الفلسطيني في لبنان من خلال عشرة افلام اهمها واقدمها فيلم كريستيان غازي الذي انجز نهاية الستينات عن المقاتلين الفلسطينيين والذي تحول اليوم الى وثيقة. وفي هذا الباب ايضا يعرض الشريط الوثائقي "دوار شاتيلا" لماهر ابي سمرا و"لكل فلسطينه"الوثائقي ايضا لنادين نعوس. ويعكف عدد من الافلام على اظهار تحديات الجنوب اللبناني امس واليوم كفيلم رندا الشهال عن سجن الخيام وسهى بشارة وفيلم "السبايا" للفرنسية صابرينا ميرفان وشريط "سر حزب الله" لآلان غريش وجان فرانسوا رواييه. كما يقدم المهرجان افلاما للمصرية تهاني راشد والسوري عمر اميرالاي والتونسي انور ابراهيم اضافة الى فيلم الالماني فولكر شلوندروف عن الحرب اللبنانية وصولا الى عرض فيلم المخرج الاسرائيلي آري فولمان "فالس مع بشير" الذي تدور احداثه في لبنان عام 1982. وتتمحور كل هذه الأفلام حول قضايا الجنوب اللبناني والفلسطينيين في حين يتميز فيلم "مساكر" (مجزرة) للقمان سليم ومونيكا بيرغمان الذي يجري لقاءات مع منفذي مجازر صبرا وشاتيلا بالعمل على الذاكرة ذاكرة الحرب التي لا تنسى والتي يريد الجميع مع ذلك نسيانها. (ا ف ب)