في مكتبه المتواضع في جامعة أمستردام، يقوم جيروين فاين بيك بأخذ تفاصيل جواز سفر لطفل عمره 16 شهرا فقط ويسلِّطها أمام جهاز صغير لقراءة البطاقات الذكية، فتنتقل البيانات والمعلومات خلال لحظات إلى شاشة جهاز الكمبيوتر الموضوع أمامه. بُعيد لحظات أخرى يقوم بيك بنقل التفاصيل الموجودة على الشريحة الإلكترونية لجواز سفر الطفل إلى رقاقة أخرى، مستنسخا بذلك المعلومات الأصلية الموجودة على الشريحة الأولى، وبقليل من المعالجة الإلكترونية يستطيع خبير الكمبيوتر بيك أن يحول الرقاقة الجديدة إلى أخرى وكأنها صورة طبق الأصل عن الأولى. ولا يوجد حتى الآن الكثير مما هو جديد وخارق بخصوص ما قام به بيك، لكن الأمر الجديد والخطير هو قيامه بعد ذلك بتغيير الشريحة التي استنسخها لتوه وإزالته صورة الطفل منها واستبدالها بصورة أسامة بن لادن، ليحصل عندئذ على جواز يبدو وكأنه لزعيم تنظيم القاعدة وإن بتفاصيل شخصية لطفل صغير.مجرمون وإرهابيون يعيد بيك التجربة من جديد، مستنسخا تفاصيل جوازات سفر لأشخاص آخرين وليخرج منها بجوازات سفر تحمل صور لمجرمين أو لإرهابيين أو لمجرد أناس عاديين. عندما قُدمت الخطة إلى نوري المالكي، فقد فاجأ رئيس الحكومة العراقية البريطانيين بإعلانه أن لديه خطة الاقتحام الخاصة به والتي قال إنه سيبدأها في اليوم التالي تحقيق في التايمز اللندنية تفاصيل هذه القصة وما يمكن أن يقوم به بيك وغيره ممن تراكمت لديهم الخبرات المماثلة ليست مستمدة من محضر للشرطة الجنائية أو مخابر للتزوير والاحتيال، بل تأتي في سياق تقرير مطول لمراسل التايمز ستيف بوجان، نقرأه في عدد الصحيفة الصادر اليوم ويسلط فيه الضوء على إمكانية الاختراق الأمني للجوازات الإلكترونية. يرى التقرير أن هذه الجوازات، التي يفترض أنها عصية على الاختراق وغير قابلة للتزوير لما كان يُعتقد بأن تقنية إصدارها المتطورة تنضوي على استحالة تحوير أو تعديل المعلومات الحيوية الموجودة على رقاقاتها الإلكترونية، قد باتت الآن عرضة للقرصنة والاستنساخ، بما في ذلك التوقيعات الإلكترونية الموجود عليها والذي تفشل آلات قراءة البطاقات الذكية في التمييز بين الأصلي والمستنسخ منها. صورة بن لادن صحيفة التايمز تنفرد أيضا بنشر تقريرها الرئيسي للمراسل نفسه عن عمليات تزوير جوازات السفر الإلكترونية، وترفقه بصورة لابن لادن يظهر فيها وإلى جانبه مجموعة من الوثائق وجوازات السفر. يتحدث التقرير عن قضية جوازات السفر الإلكترونية "المضادة للتزوير" التي يمكن أن تُستنسخ خلال دقائق، لطالما بات بالإمكان معالجة الجوازات المزودة بشرائح إلكترونية دقيقة، والمصممة لتكون مقاومة للتزوير ضد عمليات سرقة البيانات الشخصية. وضع بيك صورة بن لادن إلى جانب بيانات مأخوذة من جواز سفر لطفل عمره 16 شهرا فقط ويضيف أن مثل هذه الجوازات المزورة يمكن قبولها بعدئذ من قبل برامج الكمبيوتر المستخدمة في مطارات العالم المختلفة على أنها وثائق أصلية ويتم التعامل معها بشكل طبيعي وكأنها ليست مزورة. فضح العيوب ويضيف التقرير قائلا إن الاختبارات التي أجرتها التايمز فضحت الثغرات والعيوب الأمنية الموجودة في الشرائح الإلكترونية المطروحة على أنها تؤمن حماية ضد الإرهاب والجريمة المنظمة. ويرى التقرير أن تلك العيوب ومواطن الخلل والنقص الموجودة في تلك الشرائح تقوض وتدحض المزاعم القائلة إن جوازات السفر ال 3000 الخالية من البيانات، والتي تمت سرقتها في بريطانيا الأسبوع الماضي، كانت عديمة الجدوى والفائدة لأنه لا يمكن تزويرها. تقول الصحيفة إن حوالي 45 بلدا، بما فيها بريطانيا، تقوم بتمرير الجوازات يدويا أمام أجهزة قراءة الشفرات في المطارات، إلا أنه بإمكان المجرمين استخدام جوازات إلكترونية مزورة في بلدان لا تشترك باستخدام تلك الشفرات الرئيسية، وبذلك يمكنهم عبور نقاط التفتيش ومراقبة الجوازات بسهولة ودون أن يلحظهم أو أن يتعرف عليهم أحد، إلا كونهم مسافرين عاديين. وثائق مزورة يمكن تجنب ذلك من خلال اشتراك كافة الدول ال 45 التي تستخدم الجوازات الإلكترونية بنظام شامل لتقاسم الشفرات الرئيسية التي تمهر الوثائق بكلمة أصلية شون أونيل، محرر الشؤون الأمنية في صحيفة التايمز وفي السياق ذاته، تنشر الصحيفة تحليلا لمحررها للشؤون الأمنية، شون أونيل، بعنوان "الأوراق والوثائق المزورة شيء أساسي بالنسبة للإرهاب." يعود بنا الكاتب إلى حادثة اقتحام مسجد فنسبيري بارك شمال العاصمة البريطانية لندن في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2003، حيث وجد رجال الأمن حزمة من الوثائق مخبأة في أحد السقوف كان قد أخفاها هناك أبو حمزة المصري قُبيل اعتقاله. يقول أونيل إن من بين تلك الوثائق التي عُثر عليها حينئذ بطاقات هوية فرنسية وبلجيكية مزورة وشهادات قيادة سيارات وبطاقات ائتمان ودفاتر شيكات وخمسة جوازات سفر برتغالية فارغة. ويرى الكاتب أنه في حال تم اختراق العمليات المعقدة لإصدار الجوازات والوصول إلى أسرار استنساخ وتعديل بيانات الشرائح الإلكترونية الدقيقة الموجودة عليها، والتي يُفترض أن تكون حجر الزاوية بالنسبة للجوازات الإلكترونية، فسيكون هناك ثمة خطر أن تُهدر مليارات الجنيهات الإسترلينية التي يتم استثمارها على تلك التقنيات. ويختم أونيل مقاله بالقول: "يمكن تجنب ذلك من خلال اشتراك كافة الدول ال 45 التي تستخدم الجوازات الإلكترونية بنظام شامل لتقاسم الشفرات الرئيسية التي تمهر الوثائق بكلمة أصلية. إلا أن خمس دول فقط تستخدم مثل ذلك النظام كاملا، وبريطانيا ليست واحدة منها."