التصعيد ولغة التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران ازدادت في الفترة الأخيرة, فتارة نري مسئولا اسرائيليا مثل وزير المواصلات شاؤول موفاز يهدد بمهاجمة إيران فيرد عليه قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري بأن إسرائيل بكاملها في مرمي الصواريخ الإيرانية, وفي الوقت الذي كشفت فيه وسائل الإعلام الأمريكية عن أن أكثر من100 مقاتلة اسرائيلية أجرت مناورات عسكرية في بداية الشهر الماضي للتدريب علي هجوم محتمل ضد إيران, كشفت صحيفة التايمز البريطانية نقلا عن مصادر عسكرية يوم الأحد الماضي عن أن طهران نقلت صواريخ باليستية من طراز شهاب 3 إلي منصات الإطلاق وأن مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي في نطاق أهدافها المحتملة وأن هذه الصواريخ يصل مداها إلي أكثر من1250 ميلا. كل هذا ألقي الضوء علي منظومة الصواريخ التي تملكها كل من طهران وتل أبيب, فالصاروخ حيتس 3 كما يقولون في تل أبيب هو الرد الإسرائيلي الجديد علي الصواريخ الباليستية الإيرانية, وهو كما يصفونه صاروخ صغير الحجم خفيف الوزن ويعتمد علي تكنولوجيا متقدمة للغاية يستطيع مواجهة صواريخ أرض أرض سواء كانت محملة أو مزودة بأسلحة تقليدية أو أسلحة دمار شامل, في عام2000 أصبحت صواريخ حيتس التي طورتها وأنتجتها الصناعات الجوية الإسرائيلية جاهزة للعمل, سلاح الطيران الذي يقوم بتشغيل هذه المنظومة طلب إدخال بعض التعديلات عليها وتم ذلك بالفعل, ومنذ نحو عام اتخذ قرارا بتطوير صاروخ جديد لمواجهة الصواريخ بعيدة المدي التي تطورها إيران وتقوم الصناعات الجوية الإسرائيلية هذه الأيام بتطوير صاروخ أطلقت عليه حيتس 3 وهو الجيل الجديد من حيتس 2 الموجود لدي الجيش الاسرائيلي منذ عشر سنوات, وكما يقولون في اسرائيل فإنه في حالة إطلاق إيران لصاروخ يحمل رأسا عادية ويحتوي علي مئات الكيلوجرامات من المواد المتفجرة فيكفي إطلاق حيتس 2 لتدميره علي ارتفاع كبير وعلي بعد عشرات الكيلو مترات, هذه الصورة تختلف حينما يتعلق الأمر بصاروخ يحتوي علي أسلحة غير تقليدية كيميائية أو نووية ففي حالة كهذه التدمير يجب ان يتم بعيدا بقدر الإمكان عن الأجواء الاسرائيلية وقريبا من نقطة الإطلاق, وصاروخ حيتس 3 هو المكلف بهذه المهمة, أي إصابة وتدمير الصواريخ الباليستية الإيرانية. وفي عام2000 اجتاحت موجة من الذعر أوساط العسكريين والسياسيين الإسرائيليين عقب إعلان إيران عن نجاح التجربة الثانية لإطلاق الصاروخ أرض أرض شهاب 3 الذي يصل مداه الي1300 كيلومتر أحد مسئولي المخابرات الإسرائيلية علق في ذلك الوقت علي تجربة الصاروخ الإيراني قائلا إن القلق من التهديد الإيراني يكاد يصيبنا بالجنون, وأضاف أن اليوم الذي يصبح فيه لدي الإيرانيين صواريخ تهدد حياتنا, فسوف يكون لنا شأن آخر. فمع نشوب أي أزمة تستطيع الصواريخ الإيرانية الوصول إلي قلب اسرائيل, يقول أحد قادة الجيش الإسرائيلي إن التجربة التي أجريت علي شهاب 3 في يوليو عام1999 تمت بأسرع مما توقعنا, يبدو ان الصاروخ الذي تم اطلاقه حينئذ لم يكن يحتوي علي منظومة توجيه وهي بمثابة عقل الصاروخ, مصدر عسكري اسرائيلي اخر أكد لبعض الصحف الاسرائيلية ان الإيرانيين يقومون منذ عدة سنوات بتطوير شهاب 4 وهو صاروخ يصل مداه إلي2000 كيلومتر, ويستطيع حمل رأس نووي, ويعترف أحد مسئولي المخابرات الاسرائيلية بالفشل في عرقلة وإجهاض مشروع الصاروخ الإيراني مؤكدا أن تتبع اسرائيل للمشروع الإيراني منذ منتصف التسعينيات لم يمنع الإيرانيين من السير قدما في تطوير قدراتهم العسكرية, وقد بدأت قصة الصاروخ الإيراني في كوريا الشمالية حينما تمت أول تجربة لإطلاقه هناك في مايو1993, وقد حضر تلك التجربة مجموعة من الخبراء والمهندسين الإيرانيين الذين صفقوا طويلا لنجاح تجربة الإطلاق. يقول مسئول اسرائيلي إن الطرفين أدركا حينئذ أنه بالمال الإيراني والتكنولوجيا الآسيوية يمكن الوصول إلي أبعد مدي, ويضيف المسئول إنه منذ صيف1993 حدثت عدة تطورات في علاقة طهران مع بيونج يانج, فقد قامت عدة وفود إيرانية بزيادة كوريا الشمالية, وفي نفس الوقت قام عدد من الخبراء العسكريين الكوريين بزيارة إيران للإشراف علي انتاج الصاروخ الإيراني الأول كما قاموا بتدشين موقع التجارب بجنوب طهران في ذلك الوقت, بدأت المحاولات الإسرائيلية لعرقلة جهود إيران للتحول إلي قوة إقليمية بإغراء كوريا الشمالية بالمال والمساعدات التكنولوجية للتوقف عن مساعدة طهران, وأعقب ذلك توجه إفرايم هاليفي من الموساد وايتان بن تسور من وزارة الخارجية الاسرائيلية سرا إلي كوريا الشمالية وعقدا عدة لقاءات مع المسئولين هناك, إلا أن تلك الزيارة لم تحقق النتائج المرجوة حيث تدخل الأمريكيون للدفع بالاسرائيليين خارج هذا الملعب, وأوضحوا لرئيس الوزراء الإسرائيلي حينئذ اسحق رابين انه من الخطأ وجود بعض الإسرائيليين بين أقدامهم لعرقلة مباحثاتهم مع كوريا الشمالية بهدف اقناع الأخيرة بالعدول عن برنامجها النووي وقد تقبل رابين وجهة النظر الأمريكية علي أمل ان تقوم هي بإجهاض التعاون بين كوريا الشمالية وإيران الا ان مشروع الصواريخ الإيراني لم يتوقف وفي مرحلة ما تم استبدال الخبراء الكوريين بخبراء اخرين من روسيا وظهر شهاب 3. في بداية عام1996, تجمعت لدي المخابرات الإسرائيلية معلومات عن الأنشطة الإيرانية وعلي الفور توجه الي واشنطن وفد من الجيش الإسرائيلي ومن المخابرات العسكرية( أمان) وهم في حالة ذعر علي حد وصف أحد المسئولين الإسرائيليين إلا أن الرد الأمريكي جاء ليؤكد عدم وجود مشروعات إيرانية لإنتاج الصواريخ يقول مسئول عسكري اسرائيلي: لقد تطلب الأمر منا عدة أشهر لإقناع الأمريكيين بأن إيران تطور صاروخا جديدا بمساعدة روسية إلا أن الأمريكيين علي حد اتهام مسئول اسرائيلي وضعوا أهمية كبري للاعتبارات السياسية, ويضيف هذا المسئول ان جهاز المخابرات الأمريكية سي آي ايه لم يكن معنيا في بداية عام1996 بالدخول في مواجهة مع الروس لذلك ادعت المخابرات الأمريكية عدم وجود أية مشاريع لانتاج صواريخ في إيران رغم أنها تعلم جيدا بوجود هذه المشروعات, ويضيف المسئول الاسرائيلي قائلا مع نهاية عام1996 أي بعد عدة أشهر بدأت المخابرات الأمريكية بالتعاون مع المخابرات الاسرائيلية في متابعة النشاط الإيراني. وقد تم تكليف سفير الولاياتالمتحدة في الهند حينئذ فرانك ويزنر بتنسيق عمل أجهزة المخابرات, حيث قام بتشكيل فريق عمل علي مستوي عال من الكفاءة وعقد عدة لقاءات مع ممثلين عن عدة أجهزة المخابرات الاسرائيلية وفي تلك اللقاءات تبادل الجانبان المعلومات وتقديرات الموقف عن مدي تقدم المشروع الإيراني وكان تقدير الأمريكيين ان المشروع يسير بخطي متسارعة أكثر مما قدر الاسرائيليون وقد فضلت ادارة الرئيس كلينتون عدم التورط بفرض عقوبات علي روسيا لمنعها من مساعدة إيران في مشروعها. فمثل هذه العقوبات قد تأتي بنتيجة عكسية, أما في اسرائيل فقد تلقي رئيس الوزراء الأسبق نيتانياهو نصيحة من رئيس المخابرات باستخدام اللوبي اليهودي في روسيا للضغط علي الشركات هناك لايقاف مساعداتها لإيران, ولذلك سارع وزير التجارة والصناعة في ذلك الوقت ناتان شارانكي بالسفر الي روسيا لتنفيذ نصائح رئيس المخابرات الا انه عاد من هناك بخفي حنين دون ان يحقق أية نتائج, واستمرت ايران في تطوير صاروخها دون أية عقبات رغم الملاحقة من جانب المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.