كيف يمكن لك أن تستمع لمعزوفة غنائية أو سمفونية عالمية وتعرف أنها من هذا البلد أو ذاك؟ بالتأكيد هي مهمة صعبة وربما مستحيلة أحيانا، لكنها لم تكن كذلك على مئات من الحضور مساء أمس الأول، الذين توافدوا إلى العاصمة القطرية الدوحة من كل مكان من أجل تسجيل حضورهم الشرفي في أول سمفونية قطرية وسط حضور قطري رسمي كبير تمثل في أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وحرمه الشيخة موزة بنت ناصر المسند. وإذا كان أهل الخليج يعرفون السمفونيات من شقيقتهم السلطنة العمانية التي تعد رائدة في هذا المجال الطربي المتميز فإن قطر سجلت نفسها كثاني دولة خليجية ورابع دولة عربية بعد مصر وسورية وعمان، التي تنجح في دخول عالم السمفونيات، بل أنها دخلت هذا العالم من بابه الصعب، عندما أصرت على أن تكون بداية طريق الأوبرا في قطر وعن قطر، من خلال عمل موسيقي فريد تحت عنوان «سمفونية قطر»، وأستغرق إعداده ثمانية أشهر قبل أن يقدم إلى جمهور الأوبرا، المتلهف بدوره لكل جديد في هذا الفن العالمي. وربما كانت مقدمة السمفونية القطرية كلاسيكية المظهرعالمية الألحان لكنها ما لبثت أن أعطت المستمع درسا في التعرف على ثقافة قطر وتاريخها وماضيها مع أنها لم تنطق بكلمة واحدة إنها الموسيقى عندما تكون لغة عالمية بلا كلمات، فشهدت المقاطع أو الحركات الأربع الرئيسية للأوبرا عددا من الأغاني الشعبية القطرية مزجت بموسيقى عالمية وعربية قبل أن تحدث المفاجأة في المقطع الأخير عندما كانت أجزاء من السلام الأميري القطري حاضرة في السمفونية القطرية لكن على طريقة الأوبرا.. القطرية. المقطع الأخير، والذي كان بعنوان إلى الأمام، أستحق أن يكون مسك الختام، فهب الجمهور واقفا لتحية الفرقة الموسيقية تصفيقا، بالرغم من أن لا التصفيق ولا الوقوف يتفق مع بورتوكولات حفلات الأوبرا، إلا أن الحماس الذي غلب الحضور، ونقص الخبرة الأوبرالية، هي من أجبر الجميع على ذلك، قبل أن تتقدم حرم أمير قطر الشيخة موزة المسند إلى المسرح، طالبة من قائد الفرقة أن يعيد جزءا من المقطع الأخير، وتحديدا ذلك الذي أحتوى على السلام الأميري القطري. وتستعرض «سمفونية قطر» قصة دولة قطر وحضارتها ومراحل تطورها وما يحمله لها المستقبل في وسط عالم دائم التغير. وقد تم تقديم السمفونية بطريقة المقاطع أو الحركات الموسيقية الأربع، حيث تمزج بين الأسلوب القطري التقليدي والموسيقى الأوروبية الكلاسكية. وتعكس كل حركة موسيقية مرحلة من مراحل تاريخ الدولة وتطورها. ويمكن القول إن «سمفونية قطر» لاقت نجاحاً منقطع النظير في عرضها العالمي الأول في الدوحة. وقد نظمت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع هذا العمل الموسيقي المبدع بإشراف الموسيقار وعازف العود الشهير العراقي الدكتور سالم عبد الكريم والذي يعد احد أهم الموسيقيين العرب حالياً. الشرق الأوسط» سألت يوسف فخرو رئيس وحدة العلاقات التسويقية والعلاقات العامة والتسويق في مؤسسة قطر، عن كيفية تمكن مؤلف الأوبرا من تقديم هذه المقطوعة الموسيقية التي تتضمن ملامح قطرية بحتة، فأجاب أن أربعة موسيقيين قطريين عاونوه في الألمام بهذا الجانب، مشيرا إلى أن كل من الموسيقار عبد العزيز ناصر، والموسيقار محمد المرزوقي، والفنانين علي عبد الستار ومطر الكواري، كانت لهم لمسات مؤثرة في الجزء الخاص باللمحات القطرية في الأوبرا، وهو ما أعطى لمسة تراثية قطرية واضحة على الأوبرا. عازفي الفرقة الموسيقية المنتمين إلى روسيا وأوروبا الشرقية، لم يتوقع أحد أن يتمكنوا من هضم تلك الجمل الموسيقية الخليجية البحتة، ويقدمونها بطريقة عالمية، لكن هذا هو ديدن السمفونيات في كل مكان، عندما تتحدث بلغة واحدة، وما على الجميع إلى الاستماع والاستمتاع. وإذا كانت السمفونية القطرية قد أرادت من خلال هذا الحدث الأول من نوعه قطريا، أن تحدث تغيرا في المجتمع القطري بإحلال ثقافة الأوبرا الراقية، فإن ذلك ربما لن يحدث بالسرعة التي يريدها المنظمين، وبدا ذلك واضحا، من العرض الأول الذي غلب عليه العنصر الأجنبي الغربي، على الحضور القطري، الذي كان اقل بكثير مما أراده المنظمون بكل تأكيد. وخلال يومين تم تقديم السمفونية فيهما، وأختتمت أمس، زاد عدد الحضور الى أكثر من 2000 شخص من جميع أنحاء العالم توافدوا على فندق ريتز كارلتون على شاطئ الدوحة الجميل في ليلة موسيقية حالمة لا تنسى. وتتألف الفرقة الموسيقية لسمفونية قطر من أكثر من 80 عازفاً من جنسيات مختلفة تجمع أعرق التقاليد الموسيقية الأوروبية والعربية. ويقول يوسف فخرو «الموسيقى لغة عالمية ويجب ألا نقلل من أهمية دورها في المجتمع كشكل من أشكال التعبير واستمرار الحضارات»، مضيفا «تعد سمفونية قطر أهم حدث موسيقي في المنطقة، إذ ان العرض الأول للسمفونية يشكل بداية نهضة موسيقية في المنطقة بما يتميز به العرض من إبداعٍ وابتكار من خلال المزج بين حضارات الشرق والغرب». ويشير فخرو الى أن هذه المبادرة الثقافية ليست إلا دليلاً واضحاً على التزام مؤسسة قطر بتطوير الثقافة والأبحاث والشؤون الاجتماعية لتبني مجتمعاً قائماً على المعرفة. وستكون مدن عالمية مثل: لندن وباريس وسيدني مسرحا للسمفونية القطرية، وتخطط الفرقة بعد عرضها العالمي الأول في الدوحة للقيام بجولة في كل من أوروبا وآسيا وأميركا لإعادة تقديم هذا العرض الفريد في أشهر دور الأوبرا لإيصال رسالة ماضي وحاضر ومستقبل دولة قطر من خلال الموسيقى، كما يتوقع أن يتم إصدار المعزوفة على قرص مضغوط CD في غضون 3 أشهر. وسيتم توزيعه على كافة محلات الموسيقى في العالم. العراقي الدكتور سالم عبد الكريم، كانت لمساته الموسيقية واضحة على السمفونية القطرية، وإعتاد سالم أن يقدم أمسيات موسيقية داخل وخارج العراق، حيث عزف في عدة دول منها تركيا والمغرب وسلطنة عمان والأردن ومصر وماليزيا والإمارات العربية المتحدة وانجلترا والبحرين وألمانيا كما أسس عدة فرق موسيقية. كما أنه كمؤلف موسيقي قام بتأليف العديد من المؤلفات الموسيقية في عدة صيغ أوركسترالية. وبالرغم من أنها الخطوة القطرية الأولى في عالم الأوبرا العالمي، فإنها أثمرت موسيقى راقية وتوليفة قطرية غير مسبوقة، لكن يبقى أن الهدف في تعميم ثقافة السموفنيات بين المجتمع القطري، في حاجة إلى عدد من المحاولات الجادة حتى يمكن صنع ثقافة الأوبرا على ساحل الخليج، وكما قال أحد المسؤولين القطريين عن تنظيم الأوبرا فإن الطريق طويل، «فمن غير السهل أن تغير من أذن تعودت على المهرجانات الغنائية الصاخبة لتتحول إلى لغة الأوبرا الراقية والمختلفة جذريا». أنتهى حديث المسؤول القطري، لكن نجاح السمفونية القطرية لا بد أنه سيغري القطريين لتكرار التجربة، في الوقت الذي يرغبون في تسويق تجربتهم السمفونية الأولى عالميا، فهل تتمكن قطر من وضع لمسة لفنها الجديد على الخارطة العالمية؟