ضغط سياسي مهاتير محمد عبد الله بدوي "أصدقاء الأمس أعداء اليوم" .. هكذا بدا الأمر في ماليزيا التي تمر بأزمة سياسية حادة بعد إعلان رئيس وزرائها السابق مهاتير محمد استقالته من حزب المنظمة الوطنية للوحدة الماليزية "امنو" - الحزب الحاكم - احتجاجا على استمرار رئيس الوزراء الحالي عبد الله أحمد بدوي في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، رغم أن مهاتير محمد هو الذي اختار عبد الله بدوي خلفا له. ضغط سياسي مهاتير محمد لم يكتف باستقالته من الحزب الحاكم - بعد 60 عاماً من عضويته فيه - وإنما دعا كل وزراء "امنو" وقادة الحزب إلى أن يحذوا حذوه بالاستقالة والعودة إلى الحزب ما أن يستقيل بدوي، في خطوة تزيد الضغوط على حكومة عبد الله بدوي التي تواجه تحديا كبيرا، إثر نتائج انتخابات مارس/ آذار 2008 التي سجل خلالها الحزب أسوأ نتيجة في تاريخه، حيث خسر الائتلاف بقيادة الحزب الحاكم خمس ولايات وثلث المقاعد البرلمانية التي كان يشغلها. استقالة مهاتير محمد تتعدى كونها أزمة سياسية لتهدد أيضا الأسواق المالية الماليزية ومن ثم يخشى تأثيرها سلبيا على اقتصاد البلاد، خاصة مع رفض عبد الله بدوي الدعوات الموجهة له للاستقالة، وإصرار مهاتير محمد - صاحب الشعبية البالغة - على أنه لن يعود لحزب المنظمة الوطنية المتحدة للملايو الى أن يتنحى رئيس الوزراء، ما قد يدفع الكثير من نواب الحزب على الاستقالة. الأمر الذي إذا حدث فلا خيار أمام الحكومة حينئذ إلا تشكيل حكومة جديدة أو الدعوة إلى انتخابات جديدة. مهاتير محمد مهاتير محمد ولد مهاتير محمد في 20يونيو/ آذار عام 1925. درس الطب في جامعة الملايا وعمل ل 7 سنوات في عيادة خاصة في ولاية كيداه مسقط رأسه. وبدأ العمل السياسي عام 1946 عندما انضم إلى منظمة الملايو المتحدة بينما كان عمره 21 عاما. وأصبح "الدكتور إم" كما كان يطلق عليه عضوا في البرلمان عن منظمة الملايو المتحدة عام 1964، إلا أنه فقد مقعده في البرلمان عام 1969، وطرد من الحزب بعد أن أصدر خطابا مفتوحا هاجم فيه رئيس الوزراء الماليزي آنذاك "تونكو عبد الرحمن" لإهماله جماعة الملايو. وفي عام 1970أصدرمهاتير محمد مؤلفه المثير للجدل "معضلة الملايو"، هاجم فيه الاستعماريين الجدد في الغرب واخرين يرى أنهم يحاولون إخضاع ماليزيا وتهديد نجاحها، منتقدا في الوقت نفسه شعب المالايو بشدة، واتهمه بالكسل والرضا بأن تظل بلاده دولة زراعية متخلفة دون محاولة تطويرها. وكان "معضلة الملايو" سببا في شعور زعماء حزب منظمة الملايو المتحدة بالمشكلة، ما دفعهم إلى دعوة مهاتير محمد للعودة إلى الحزب، وسرعان ما صعد نجمه في الحياة السياسية ثانية، حيث أعيد انتخابه عضوا بالبرلمان عام 1974 وعين وزيرا للتعليم. وفي غضون أربعة أعوام أصبح مهاتير محمد نائب رئيس حزب منظمة الملايو. وفي عام 1981 تولى منصب رئيس الوزراء على مدى 22 عاما إلى أن تنحى في عام 2003. واستطاع مهاتير محمد - خلال عهده كرئيس للوزراء - أن يحول ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، خاصة القصدير والمطاط، إلى دولة صناعية متقدمة، يساهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من إجمالي الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التي تسير في الشوارع الماليزية. وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من إجمالي السكان في عام 1970إلى 5% فقط في عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 إلى 8862 دولارا في عام 2002، أي أن دخل المواطن زاد لأكثر من 7 أمثال ما كان عليه منذ 30 عاما، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3%. ومن المشروعات الوطنية التي نفذها مهاتير محمد لماليزيا إنشاء أكبر مبنى في العالم "برجا بتروناس"، وتحويل مزرعة للنخيل قرب العاصمة إلى أكبر "ممر للوسائط المتعددة في العالم" وهو مركز قوي للإنترنت كان يسعى به لمنافسة وادي السيليكون في كاليفورنيا. وسياسيا، أثار مهاتير محمد جدلا مستمرا بآرائه التي ينتقد فيها الغرب بشكل عام والولاياتالمتحدة واستراليا بشكل خاص، وخاصة تصريحاته الشهيرة عن الإسرائيليين التي قال فيها إن "اليهود يحكمون العالم بالوكالة ويرسلون غيرهم للموت نيابة عنهم." كما طالب محمد بمحاكمة الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ونظيره الاسترالي السابق جان هاوارد كمجرمي حرب لشنهم حربي أفغانستان والعراق. عبد الله بدوي عبد الله بدوي تولى عبد الله أحمد بدوي رئاسة وزراء ماليزيا في عام 2003 خلفا ل "مهاتير محمد" - الذي اختاره لهذا المنصب - ليصبح بدوي خامس رئيس وزراء لماليزيا. وفور أدائه اليمين الدستورية، تعهد بدوي بدعم الديمقراطية والمشاركة في السلطة، مشيدا بسلفه مهاتير محمد، واصفا إياه بأنه "بطل"، ومؤكدا أنه سيتبع نفس سياساته. وشدد بدوي على أن حكومته لن تتسامح مع الإرهاب أو مع من يحاولون بث الكراهية العرقية والدينية في المجتمع، لكنها في نفس الوقت ستكون منفتحة تتقبل النقد والأفكار المخالفة. وفي 10 مارس/ آذار 2008 أدى عبدالله بدوي اليمين الدستورية كرئيس للوزراء لولاية ثانية مدتها خمسة أعوام، ولكن هذه المرة كان المناخ السياسي ليس في صالحه، بعد الانتخابات - التي سبقت أداءه اليمين بيومين - والتي سجل فيها إئتلافه الحاكم أسوأ نتائج خلال خمسين عاما. وكانت الحكومة تتوقع انخفاض شعبيتها، وسط تزايد القلق حول التوتر الطائفي في البلاد المتعددة الأعراق، وبسبب القلق أيضا من ارتفاع أسعار الغذاء، إلا أن النتائج جاءت أسوأ من التوقعات، حيث حققت المعارضة مكاسب كبيرة. وحجب كثيرون من أبناء الأقليات الهندية والصينية والذين يشكلون ثلث السكان عن الإئتلاف الحاكم. وحصل الإئتلاف الحاكم 139من أصل 222 مقعدا في البرلمان، وفازت المعارضة بأكثر من 80 مقعدا، وهي زيادة كبيرة عما أحرزته في الانتخابات السابقة (19 مقعدا). كما زادت المعارضة عدد الولايات التي تسيطر فيها من ولاية إلى خمس، حيث أحكمت سيطرتها على ولايات " سيلانجور"، و"بيراك" و"كيداه" و"بينانج"، بالإضافة إلى ولاية "كيلانتان". وكانت كوالالمبور قد شهدت أواخر العام الماضي مظاهرات سار فيها نحو 10 آلاف شخص ضد عدد من السياسات والتي وصفها المتظاهرون بأنها تميز لصالح جماعة عرقية دون أخرى.