الأهرام: 12/5/2008 يثير انعقاد مؤتمر تطوير التعاون تساؤلات عديدة حول إدارة السياسة التعليمية في مصر, وما اذا كانت تتميز بالرشادة أم تتسم بعدم التقدير لمدي تأثير تلك السياسة علي مستقبل مصر, فلم أقابل متخصصا في التعليم أو وليا لأمر طالب أو طالبة أو عضوا في جمعية أهلية أو ناشطا في المجتمع المدني, أو طالبا بإحدي المدارس أو الجامعات دعي الي هذا المؤتمر, ويتعلق السؤال المهم بمن يشارك في هذا المؤتمر وكيف يتم النظر الي نتائجه وانعكاساتها علي حال التعليم المتدني وما اذا كان ذلك سيلقي بآثاره علي إدارة السياسة التعليمية أم لا؟. وينبغي أن نميز بين ما يطلق عليه المسئولون عن التعليم استراتيجية التعليم والسياسات التعليمية, فإن الاستراتيجية تتولاها الدولة والحكومة التي تمثلها وهي مسألة تتعلق بالمستقبل المتوسط والبعيد, ولايمكن أن تطلق علي خطط وبرامج وزارات التعليم المختلفة, أما السياسة التعليمية فتتعلق بخطط وبرامج الوزارات المعنية بالتعليم والتي تضع الاستراتيجية القومية موضع التنفيذ, ويمر رسم السياسات العامة بعدة مراحل, أهمها تحديد الأهداف المبتغاة من ورائها, وتحديد المشاركين في صنعها خاصة أصحاب المصلحة الأصلية فيها, وفي حالة التعليم, فإن أصحاب المصلحة هم الطلاب وأولياء الأمور وخبراء التعليم ونشطاء المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية, ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها, وتحديد الجهات المنوطة بالتنفيذ ثم إجراء تقويم دوري للنتائج المترتبة عليها وذلك بقصد تقويم بعض الأبعاد التي لم يتم تفعيلها في أثناء التنفيذ أو ثبت أنها تحتاج الي تطوير. وعند رسم السياسات العامة التعليمية ينبغي ليس فقط البحث عن الأبعاد الداخلية التي تدفع الي التغيير وانما ينبغي أيضا النظر الي التطورات الدولية التي تمس مستوي التعليم وجودته ومدي ارتباطه بقضايا المجتمع واسهامه في حل مشكلاته ونوع المعارف التي يغرسها في عقول الطلاب, وكذلك المهارات التي يكتسبها المتعلمون, وفي هذا الشأن تلعب المنظمات الدولية مثل البنك الدولي واليونسكو والمراكز الدولية المتميزة دورا مهما في محاولة الارتقاء بمستوي التعليم في مختلف الدول بطريق المشاركةPartnership. واذا كان الوزراء مسئولين عن رسم السياسات التعليمية العامة, فإن عبء التنفيذ يقع علي عاتق وكلاء الوزارة وموظفيهم الفنيين, بيد أن ما يحدث في مصر الآن أن الوزراء تخلوا عن مسئولية رسم السياسة العامة وأوكلوها الي مستشاريهم الذين لهم مصلحة في الإبقاء علي الأوضاع القائمة, كما أنه قد تم استبدال وكلاء الوزارة الذين تدرجوا في سلمها وتفهموا دينامياتها الداخلية بمجموعة من الأكاديميين المنتدبين, الذين لا تربطهم بالموظفين والفنيين أية رابطة, وهكذا لا تدفع علاقات العمل داخل الوزارات الي زيادة الكفاءة في التنفيذ أو الرغبة الحقيقية في التغيير, فليس في الإمكان أبدع مما كان. في ضوء تدني وتدهور التعليم الأساسي والجامعي في مصر بصورة أكبر من عدد كبير من الدول المجاورة, يصير السؤال الرئيسي هو كيف يمكن رسم سياسة تعليمية تعلي من شأن الخريجين وتمنحهم المعارف التي تعدهم لمنافسة أقرانهم في الإقليم وفي العالم؟ وما هي الآليات التي يمكن استخدامها في تنفيذ تلك السياسة؟. واذا كانت الثانوية العامة تشكل عنق الزجاجة في التعليم المصري وأهم سبب في تخلفه, كما أنها السبب الأساسي وراء التوتر العائلي وضياع ثلث ميزانية الأسرة المصرية وعدم الجدية في التعليم داخل المدارس وإقلاع الطلاب عن الحضور, ومن ثم ضياع فرصة التعلم الحقيقي, فإنه ينبغي التفكير جديا من جانب القائمين علي التعليم في التخلي عن مركزيتها, وتحويلها الي امتحان عادي علي مستوي المحافظات, أي التحول الي اللامركزية التامة في عقد هذا الامتحان, وهذا ما تفعله غالبية دول العالم, فهل يجرؤ المشاركون في المؤتمر علي طرح هذا التصور؟ وفيما يتعلق بالتعليم العالي, فهل من الممكن الفصل التام بين المجلس الأعلي للجامعات ووزارة التعليم العالي باعتبار أن الجامعات لها شخصية مستقلة, ومن ثم ينبغي أن تقرر بذاتها خطط وبرامج تطويرها؟ إنه من المعروف أن الاحساس بالمسئولية يتطلب قبل كل شيء وجود سلطة ومساءلة ذاتية أو مؤسسية تعلي من الالتزام بالأهداف العليا للوطن, من هنا, فإنه قبل انعقاد المؤتمر كان ينبغي تحديد الأهداف القومية العليا وكيفية مساهمة السياسة التعليمية علي مستوياتها المختلفة في تحقيقها, بعبارة أخري, هل نعرف ما نريده للأمة في المستقبل القريب والبعيد؟ اذا كنا نعرف, فينبغي أن تحاول السياسات التعليمية الإسهام في ذلك, وإن كنا لا نعرف, وهذا هو الأرجح, فإنه لايمكن الحديث عن سياسة تعليمية ويقتصر الأمر علي مناقشات وحوارات وكتابات لا جدوي من ورائها تضاف الي فيض منها لم ينعكس علي تطوير حقيقي للتعليم يمس مصير الوطن ويحافظ عليه ويرتقي به.