لعلّ المسنين قادرون أكثر من غيرهم على التنبه إلى التبدل الذي طرأ على الازهار والورود خلال العقود القليلة الماضية: لقد خسرت شذاها بشكل ما، ولم تعد الوردة تحمل المعنى الشاعري ذاته الذي كان يبوح به عطرها في الماضي. فماذا حصل؟ تحت عنوان «لماذا فقدت الازهار رائحتها؟»، تحدثت دراسة نشرتها صحيفة «الاندبندنت» البريطانية، عن التلوث الذي خنق شذا النباتات، ومنع النحل من تلقيحها مهدداً إحدى أهم دورات الحياة الاساسية للطبيعة. ووجدت الدراسة التي موّلتها «مؤسسة العلوم القومية الاميركية» أن الغازات المنتشرة في الهواء، والتي تتشكل خاصة من دخان محركات السيارات، تمنع الازهار من اجتذاب النحل وغيره من الحشرات التي تقوم بتلقيح هذه الازهار. ويخشى علماء جامعة فيرجينيا الذين أعدوا الدراسة من أن تكون قدرة الحشرات على التصدي لأعدائها، وعلى اجتذاب الجنس الاخر من أجناسها، قد تعرضت هي الاخرى للضرر. أضاف هؤلاء إن التلوث تسبب بتقلص المسافة التي كانت تقطعها رائحة الازهار. وأوضح البروفيسور جوزيه فوانتوس أن «جزيئيات الرائحة التي تنتجها الازهار، كانت قادرة، في بيئة أقلّ تلوثاً، على اجتياز مسافة تتراوح بين كيلومتر و2,1 كيلومتر. أما اليوم، فقد تقلصت المسافة إلى ما بين 200 و300 متر. وهذا يصعّب على النحل وغيره من الحشرات العثور على هذه الازهار» لتلقيحها. ووجد العلماء أن جزيئيات إحدى الروائح التي درسوها تحتوي على ملوثات، مثل الاوزون والنيترات، التي تتشكل خاصة من دخان المحركات. وهذا يؤثر بشدة على الجزيئيات، التي تفقد رائحتها الاصلية الزكية. وينجم عن ذلك دورة حياة مضطربة، تتنازع فيها الحشرات للعثور على الغذاء، في وقت ينحسر فيه تكاثر النباتات التي لا يتم تلقيحها يما يكفي. ولقد بدأت قفائر النحل، الذي يشكّل أهم ملقّح لمحاصيل العالم من النباتات، تتراجع بالفعل وبشكل غير مسبوق في أرجاء المعمورة. وتم العثور على ربع مليون ونصف مليون مستعمرة نحل منتجة للعسل في الولاياتالمتحدة، مهجورة فجأة بشكل غامض، بفعل تغير الظروف البيئية. وقد انتقلت الازمة الان إلى أوروبا، وخاصة بريطانيا، حيث حذّر وزير الزراعة لورد روكر من أن «محاصيل عسل مستعمرات النحل قد تنضب في غضون عشرة أعوام».