لم تقف الأوضاع الأمنية المتدهورة في أي يوم من الأيام حائلاً أمام العراقيين لإتمام مراسم الزفاف وإقامة الأعراس رغم أن العديد من طقوس هذه الأفراح تلاشت وأصبحت تتم بشكل سريع للغاية بل أن غالبيتها تجرى في هدوء. واختلفت طقوس الأفراح العراقية في الوقت الراهن عما كانت عليه قبل سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، حيث كانت الحفلات تقام آنذاك في الفنادق الفخمة والقاعات الكبيرة المخصصة لمثل هذه المناسبات السعيدة وتستمر لساعات متأخرة من الليل، فيما تواصل العائلات أفراحها أسبوعا كاملاً بمشاركة فرق الموسيقى الشعبية. وكانت الاستعدادات لمثل هذه الحفلات تبدأ في الماضي قبل أسابيع من الموعد المقرر للفرح سواء من قبل العائلة أو متعهدي إقامة الحفلات. كما كانت مراسم الأفراح تضم عدداً من الحفلات المتنوعة تشمل حفل «النيشان» وحفل «المهر» ثم حفل «الحنة» ويعقبه حفل «الزفاف» الذي تتلوه احتفالات تستمر سبعة أيام. ويتعين على أهل العريس عرض جهاز العُرس على المشاركين في مراسم حفل الزفاف ليطلعوا على ما قدمه العريس لعروسه. لكن الوضع الآن تغير تماما فجميع الفنادق الكبرى لم تعد تستضيف حفلات العرس بعد إحاطتها بكتل أسمنتية خشية استهدافها بهجمات، كما أغلقت قاعات المناسبات أبوابها ولم تعد تستضيف حفلات مثل هذه إلا في منتصف النهار، وهو ما لا يروق بالطبع للعراقيين الذين اعتادوا أن تبدأ تلك الحفلات مع غروب الشمس وحتى منتصف الليل. إلى جانب ذلك تسبب إغلاق أكثر من نصف شوارع بغداد الرئيسية وانتشار الحواجز الأسمنتية ونقاط التفتيش في الشوارع إلى اللجوء لشوارع قريبة من مكان الزفاف لإتمام المراسم بهدوء بعيدا عن منغصات العنف. وتعرض العشرات من مواكب الزفاف للاستهداف من قبل الطائرات الأميركية والمسلحين على حد سواء منذ الغزو الأميركي وهو ما أوقع العشرات بين قتيل وجريح. ولم يسلم من هذه الهجمات بطبيعة الحال أصحاب العرس أنفسهم بما فيهم العريس والعروس. وتقول أم علي (41عاما) «أقوم بتهيئة لوازم الزفاف بصعوبة إذ ليس من السهل أن نتنقل لشراء الحاجات بسبب حظر التجوال الذي يفرض بين الحين والآخر من دون سابق موعد، وكذلك ارتفاع الأسعار، لكن جاراتي يساعدنني في ذلك لأننا نعتبر عائلة واحدة». وتضيف السيدة العراقية قائلة إن التقاليد والعادات الخاصة بالأعراس «لن تمحي ما بين العائلات العراقية»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنها تعاني من الأوضاع الراهنة لأن «الوضع الأمني غير مهيأ لإقامة حفلة كبرى لزفاف ولدي رغم استعداداتي، وأتوقع أن تنحصر بين الجيران بعيدا عن الأهل الذين ربما سيضطرون لعدم المجيء للمشاركة وهذا يحزنني كثيرا». من جانبها، تقول أم سعاد (47 عاما)، وهي ربة منزل عراقية كردية: «لم يعد بإمكاننا إقامة مراسم الزفاف كما اعتدنا عليها منذ زمن طويل بسبب الوضع الأمني، واقتصرت هذه المراسم على عدد محدود من الأشخاص وغالبيتهم من أهل العروسين والجيران». وأضافت: «في زفاف ابنتي مثلا لم أفرح كما خططت بل أصبح لزاماً عليّ أن اصطحبها الى مدينة بعقوبة قبل العُرس بأيام، إلى بيت أحد أقاربنا هناك، ومن ثم تجرى مراسم الزفاف إلى عريسها بسبب عدم الأمان والمواجهات المسلحة والخطف والقتل». ولكن أم سعاد قالت: «أولا وأخيرا سنفرح قليلاً رغم المعاناة ومن عاداتنا نحن الأكراد أن نأتي بالفرق الموسيقية الشعبية لنؤدي رقصة الدبكات الكردية المعروفة، وأن نلبس العروس الزي الكردي الخاص بها ونزينها بالمصوغات الذهبية». أما أنفال (42 عاما)، وهي معلمة، فقد حرصت على أن تتم مراسم زفاف ابنتها بهدوء وبعيداً عن الصخب، وانحصر الحضور بين أهل العروسين لتنتقل الابنة بعد ذلك إلى بيت عريسها في محافظة أخرى.