لا شيء يزاحم رهجة الاعياد في ايامنا هذه الا صرعة المسجات القصيرة التي ترسل عبر الهواتف النقالة فتحل محل الكلام الإنساني المباشر، ولو عبر الهاتف. فلا يكاد يقترب عيد ما او مناسبة، الا وتبدأ نغمات ال SMS تنهال عليك من كل صوب، ناقلة كلمات وعبارات مستحدثة مصحوبة احيانا برسومات تعبيرية لتقول لك بأشكال وأساليب مختلفة ومتنوعة ما معناه 'كل عيد وأنت بخير'. ال SMS يعود الفضل بها لثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية، التي جعلت من العالم قرية صغيرة، وقربت البعيد والغت الشعور بالوحدة بالنسبة لمن يعيش بعيدا عن الاهل والاصدقاء. لا تتأخر ابدا. تقول ما يشاء مرسلها في اللحظة ذاتها. تحييك، تفرحك، تحذرك احيانا او تنبهك على امر ما، واحيانا تحزنك او تصدمك، فهي تقول ما يعجز عنه اللسان وتترك لك حيزا كبيرا من الخصوصية. اما تلك المسجات الخاصة بالمعايدات والاعياد فلها خصوصية اضافية، فهي غالبا ما تصل قبل موعد مناسبتها بأيام، بعدما كانت مهمة شراء بطاقات المعايدة وارسالها تتطلب جهدا كان يستغرق احيانا اكثر من يوم. للوهلة الاولى تشعر بالتفاؤل وبشيء من الغرور ظنا بأن المرسلين يتسابقون فيما بينهم للقول انك في الباب وانهم يتلهفون لقدوم العيد ليتمنوا لك ما يعجبك. لكن، عندما تتذكر الخصائص التي يتمتع بها الهاتف النقال اليوم، الا وهي امكانية ارسال ال SMS نفسها الى كل الارقام المخزنة او اكثر من مستلم في الوقت نفسه، تتسلل الشكوك في ما اذا كنت حقا في البال او ان المعايدة وصلت بالصدفة. وما يعزز مثل هذه الشكوك ان اغلبها تتحدث بصيغة الجمع وتخاطب ضمير الجمع، او ان تتلقى الرسالة نفسها من اكثر من مرسل من داخل البلد وخارجه، او ان تتلقى معايدة تنم عن مزاح من شخص ليس بينكما مثل هذا النوع من التعاطي. او ان يتمنى لك احدهم مشاعر اقوى بكثير من الذي بينكما. ومع ذلك انت تقبل المعايدة لانها تفرحك وترد عليها ربما بالاسلوب نفسه، اي ان تختار اكثر رسالة اعجبتك وترسلها بدورك الى الارقام المخزنة في ذاكرة هاتفك. في الطريقة القديمة (البطاقة الورقية) كان لا بد من انتقاء البطاقات بحرص شديد لتأتي منسجمة والمناسبة. لكل عيد اصوله فأعياد الميلاد تختلف عن عيدي الفطر والاضحى او رأس السنة او ذكرى الميلاد وما الى ذلك. كما ان انتقاء البطاقة يختلف باختلاف المرسل اليه. فالصديق غير الحبيب غير الزميل غير الاهل غير المسؤول. وايضا انتقاء الكلمات المناسبة التي في العادة تكون مطبوعة على البطاقة عند الشراء دون ان يمنع ذلك من خط كلمات اضافية تعبر عن ذاتنا لا عن ذات صاحب الابداع. باستعراض بعض من ال SMS يمنك تصنيفها الى فئات: - الهزلية: مثل تلك التي تقول 'ادري ادري ادري.. لسة بدري بدري بدري.. بس ما بدي ما بدي ما بدي.. حدا يحبك قدي.. كل عيد وانت حدي حدي حدي'. - العاطفية: مثل 'من.. القلب.. الى احلى قلب.. نرسل باقة ورد.. كل عام وانتم بخير..' واخرى تقول: 'اكيد سبقني غيري كتير.. بس يا رب تكون مني طعمها غير..'. او تلك المكتوبة باللغة الانكليزية: FOR SOME 1 EXTRA SPECIAL FOR SOME 1 EXTRA SWEET THIS MESSAGE COMES TO GREET TO HAVE A HAPPY EID - الجدية: اي التي يكتفي صاحبها بما قل ودل، مثل: 'كل عام وانت بخير'، واحيانا بصيغة الجمع 'كل عام وانتم بخير'. ومن يحب ان يزيد من الجدية شيئا من الود يضيف '.. لتزدهر ايامكم بالسعادة والهناء'. او '.. مع القبلات'. هناك من تلتبس عليه المناسبات فيبعث معايدة بالاضحى تقول 'مبارك عليكم الشهر'، او MERRY EID. وهناك من يجتهد في ارسال المعايدات، فيبتكر ما يدل على شخصه ومبادئه واهدافه، مثل الذين يتمنون 'ان يعم السلام العالم في مثل هذه الايام'، وهي امنية جدا رائعة، لكن لا اعلم ما اذا كان من المفيد تأجيل السلام سنة كاملة ليهل العيد مرة ثانية. لكن مشكلة ال SMS انه يضع حدا للتواصل الانساني المباشر: ولو بعبارة او جملة، ومكالمة موجزة. اعتقد ان الامر ليس بهذه الاهمية طالما ان الناس لا يزالون يفكرون في بعضهم ويتمنون لبعضهم، ولو بال SMS مشاعر جميلة ونبيلة. ففي الماضي القريب كانت متاعب البريد والتكلفة المالية غالبا ما تترك اشخاصا اسرى الوحدة والاهمال القسري في المناسبات.