خلافا لردود تحمل بعض الرومانسية..... نصمت من اجل ان نحلم ..نتأمل ..نفكر...او ربما رغبة في الغموض .....مثل الصمت هروبا من كل الانكسارات والهزائم .، ولم يكن السؤال ''لماذا نصمت ''؟ سوى فرصة للبوح بالكثير من القهر والظلم والحرمان !. وثمة اجابات :'' نصمت لان الصمت احد معايير التهذيب بمفهوم الاسره ''..'' نصمت لان الصمت رديف لصفة الاحترام عند المرأة ،..'' نصمت لاننا في زمن يدعو للصمت ..والا...!!'' وفي حياتنا نكثر من ترديد مقولة ''اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب''!. ملامح متقاربة جمعت بين الاثنين ''الصمت والصبر'' ..كليهما يعتمد السكون، ولو كان اشبه بذلك الذي يسبق العاصفة ، مواجهة مختلفة كثيرا ما تتهم بالسلبية حين لايكون الصمت من ذهب او دلالة الرضا، بل يحتمل كل المعادن والعلامات الفارقة الاخرى... الصمت ليس اكثر من ظاهرة تشير لعدم الاهتمام والمبالاة في معظم الاحيان .، بعض الناس يميلون للصمت لعدم رغبتهم ابداء الراي في بعض الامور التي تحتمل الجدل والخلافات ، اخرون يرون في صمتهم نوعا من الحكمة والعقلانية، اذا ما وجدوا انفسهم امام موضوع شائك لاتتوفر لديهم معلومات عنه ،ولايريدون تحميل انفسهم مسؤولية الوقوع في اخطاء، .وربما نتائج لاتحمد عقباها ....لكن بشكل عام يفسر الصمت بانه صفة سلبية تعود في جذورها للاسرة التي لاتمنح افرادها فرصة التحدث والتعبير عن الرأي منذ مرحلة الطفولة المبكرة ،حيث ينعكس ذلك بصور مختلفة من الانطوائية والخجل والتردد ، لكن من المفيد الاقرار بوجود علاقة بين المكانة الاجتماعية والصمت ، فكلما ارتفعت مكانة الشخص قل صمته ،سواء طلب منه ان يتحدث او هو بادر للكلام ..كما يبين استاذ الاجتماع بالجامعة الاردنية ''د.مجد الدين خمش ''... كثيرا ما تكون النهايات المعلقة في الاعمال الدرامية اقرب للصمت ، فضاء يحتمل كل التوقعات ..خاتمة تترك الباب مواربا امام المشاهد لوضع النهاية التي تروق له .نهاية سعيدة تتوج بزواج البطل من البطلة ، او حزينة تنتهي بفراقهما او موت احدهما .. في الحديث عن الصمت يتبادر للذهن عهد السينما الصامته، الذي بدأ ذات ليلة شتاء باردة في ''بدروم''انيق باحد مقاهي لندن عام ''1895''، فمن خلال جهاز ''السينماتوجراف ''..قدم الاخوان ''لوميير'' عرضا متواضعا بلا مؤثرات تحاكي الطبيعة او موسيقى او اصوات ترافق الصور المتحركة ، بعدها اصبح البحث عن تقنية ناطقة يشغل صناع السينما ، فاندفعوا لجعل هذا الفن اكثر اثارة ودهشة لدى جمهور المتفرجين ، بادخال الحوار الى العرض السينمائي ...فيما كان وضع موسيقى تصويرية باستخدام ''البيانو'' فكرة اكثر ذكاء لاشهر صعلوك متشرد عرفته السينما الصامته.''شارلي شابلن''.. رؤية مختلفة للصمت ، جرأة ممزوجة بالكثير من العبث ....التصاق بهموم الطبقات الكا دحة ، ..عبراكثر من ثمانين فيلما خرج فيها عن تقليدية كوميديا تعتمد حركات الجسم والالة الميكانيكية في الاضحاك ، تخطى المبدع '' شابلن '' قيود واقع ينطق بالكثير المؤلم ... الحرب ،الفقر ،الادمان ،صراع الاغنياء والفقراء، مشاكل المجتمع الصناعي وغيرها.. الفكاهة الصامته في عصرالتكنولوجيا ...'' مستر بين '' محاولة للالتفاف على الكثير من القضايا الحياتية الشائكة بتوظيف قدرة الممثل الهائلة في التعبير بلغة الجسد، تؤكد ما رمي اليه ''شابلن'' في مذكراته '' الصمت افضل وسيلة لعبور الحدود وتخطي حاجز اللغة ''..... ..''بدون كلام'' برنامج ترفيهي اخر يعتمد الصمت.. اشتهر في ثمانينيات القرن الماضي، بذات الرؤية ....الاعتماد على حركة الجسد .في تجسيد شخصيات وافلام ومسلسلات واغاني .. عبراسئلة ومسابقات بين فريقين من الفنانين .. القراءة الصامته ... حالة اخرى . دعوة لتأمل ما بجوف الكتب من حكايا واخبار، وصفة لتحليل مكنونات الاسطر، مهارات مختلفة في الاستيعاب والاستقلالية يجهلها كثيرون ، اذ ان التقليد بالقراءة ''الجهرية'' ذات الصوت المرتفع هو ''السائد.''في مجتمعنا وهذا ما يرجحه ''د .خمش '' الى التنشئة الاسرية في المجتمع العربي التي تعتمد التسلط والقمع وعدم الاصغاء للطفل عندما يتحدث، حيث يجدها فرصة لاثبات الذات والتعبيرعن النفس والرأي من خلال القراءة بصوت مرتفع ، وهي برغم كونها مزعجة الا انها تسهم في تحفيز العديد من الحواس على العمل .. .. طبيب اسنان يستذكر رحلته الطويلة مع هذا النوع من القراءة ....'' كنت اتمنى ان اجيد تلك المطالعة ، فهي ستحميني من بحة في صوتي لازمتني طيلة سني دراستي ، الا ان محاولاتي باءت بالفشل ، اختصرت الطريق وعودت نفسي ان ادرس بصوت عال ، احيانا كان يتجاوز غرفتي الى تلك المجاورة ..في الجامعة بدأت رحلتي مع القراءة الصامته تدريجيا .. ..بدأتها بتخفيض الصوت مراعاة لمن يشاركوني المسكن من الزملاء ثم ما لبثت ان تعودت عليها ربما في السنة الثالثة من دراستي ....، لكن ما كان يتسبب في حيرتي هو ميلي الشديد للقراءة بصمت اذا تعلق الامر بقصة او مجلة ليس الغرض منها سوى الاستمتاع. دراسة مختصة توصلت لاهمية القراءة الصامته حيث تقوم بتحويل الاطفال من متلقين للمعرفة الى صناع لها ، تمنحهم فرصا مختلفة في ربط الرمز والكلمات بالمعنى المناسب وتقلل من ظاهرة النسيان التي يعاني منها نسبة من الاطفال .. في اروقة الصمت الكثير. . صمت الازواج مشكلة عالمية. برغم ايجابيته احيانا.. .تقرير حديث يبين بان تسعا من كل عشر سيدات يعانين من صمت ازواجهن بشكل اقرب للعقوبة القاسية ..، فقدان الحوار بين الزوجين ، جفاء يقود لحالات من الاكتئاب والاضطراب النفسي وخلافات تنتهي 79%.منها بالانفصال ... في ذات السياق ..تجربة مثيرة قام بها احد الباحثين .تثبيت .''ميكروفونات ''.. صغيرة في ملابس مائة زوج، لتقوم بتسجيل حوار كل منهما مع زوجته ، وكانت النتيجة بان جميع الازواج لم يتحدثوا اكثرمن ''28'' دقيقة طيلة اسبوع واحد ،اي بمعدل اربع دقائق يوميا برغم عدم وجود نزاعات بين اي منهما مع زوجته . وبرغم ما يوحي به من انطباع سلبي ...يجسد الصمت في مواقف كثيرة ما تعجز عنه لغات العالم ..حين يكون ابلغ من الكلام بل هو وحده الرد والقرار والصواب.