في عام2005 شهد تعامل الأممالمتحدة مع قضايا حقوق الإنسان تطورا جوهريا, حيث اعتمدت قمة المنظمة الدولية قرارا بإلغاء لجنة حقوق الإنسان التابعة للمنظمة, وإنشاء مجلس لحقوق الإنسان عوضا عنها, وهو التطور الذي اعتبره المراقبون والمحللون تصعيدا كبيرا لمسائل حقوق الإنسان علي أجندة المنظمة وذهب البعض آنذاك إلي القول بأن الأممالمتحدة قد أنشأت مجلس أمن لحقوق الإنسان. وبمناسبة عقد المجلس دورته الجديدة اليوم( العاشر من ديسمبر), وللتعرف عن قرب علي عمله, وعلي ملامح تعامل الأممالمتحدة مع قضايا حقوق الإنسان ككل, كان لنا هذا اللقاء مع السيد السفير سامح شكري مندوب مصر الدائم لدي الأممالمتحدة: * بداية هل لنا أن نتعرف علي الأسباب التي دعت إلي إنشاء المجلس بدلا من اللجنة السابقة؟ وما الجديد الذي يقدمه هذا المجلس لمسائل حقوق الإنسان في العالم؟ * لابد من الاعتراف بأن أعمال اللجنة السابقة كانت قد وصلت إلي درجة من الانتقائية, وازدواجية المعايير وتسييس القضايا دفعت الكثير من الدول للتفكير في ضرورة استحداث هيئة أممية جديدة تتلافي تلك العيوب خاصة أن اللجنة السابقة كانت قد أنشئت قبل نحو ستين عاما أي في ظل أجواء وآليات عمل ومنظومة من القيم والمبادئ تختلف كثيرا عما نراه في العالم اليوم, الأمر الذي جعل من المحتم مراجعة الأمر بصورة جذرية شملت تغيير عدد وتشكيل العضوية لجعل الجهاز الجديد أكثر تمثيلا للثقافات المختلفة حول العالم, بالإضافة إلي المراجعة والعدول عن بعض مجالات عمل اللجنة السابقة واستحداث مجالات جديدة. * وما الضمان.. ألا يسير المجلس الجديد علي خطي اللجنة السابقة بما سيعطي عملنا مجرد تغيير المسمي وزيادة أو تقليل حجم العضوية؟ * الحقيقة أن الضمان الوحيد لتلافي تلك المخاوف, التي نراها مشروعة تماما, هو في تغيير سياسات الدول نفسها والمنظور الذي تتعامل به مع قضايا حقوق الإنسان فلن يكون بمقدور المجلس الجديد الادعاء بقيامه بدوره في تعزيز وحماية حقوق الإنسان إذا استمرت سياسات الانتقائية وازدواجية المعايير سعيا لتحقيق أهداف سياسية بحتة ويكفي أن أشير هنا إلي أننا في الوقت الذي نري فيه دولار تزعم تصديها للدفاع عن حقوق الإنسان في العالم فإن ذات الدول تغض الطرف عما يتعرض له الفلسطينيون من انتهاكات يومية فادحة لحقوقهم, ما نتطلع لتحقيقه هو نظرة شاملة وتعامل جاد مع جميع مسائل حقوق الإنسان علي قدم المساواة. أما فيما يتعلق بالجديد الذي يقدمه هذا المجلس فإن له اختصاصا مهما للغاية لم يتوافر للجنة السابقة وهو مراجعة أوضاع حقوق الإنسان داخل الدول وبرغم أن اللجنة كان لها هذا الاختصاص فإنه كان مقصورا علي الحالات التي تستشعر فيها وجود انتهاكات فادحة داخل دولة بعينها, وشريطة قيام دولة أو عدد من الدول بإثارة الأمر داخل اللجنة, أي لم يكن لها اختصاص تلقائي في هذا الشأن, أما المجلس فإنه سيقوم تلقائيا ودوريا بمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في جميع دول العالم. * إذا كان للمجلس هذا القدر الكبير من الصلاحيات, بما في ذلك قدرته علي رفع توصيات إلي جميع أجهزة الأممالمتحدة, ومن ضمنها مجلس الأمن حول أوضاع حقوق الإنسان, ألا يعني هذا أنه بالفعل مجلس أمن لحقوق الإنسان؟ * لا أعتقد أنه يمكن النظر للمسألة بهذه الصورة, فالمجلس من الناحية القانونية جهاز تابع للجمعية العامة فهي التي تنتخب أعضاءه وتتلقي وحدها تقاريره الدورية باعتبارها الجهاز التشريعي الأعلي للمنظمة علي عكس مجلس الأمن الذي يضم خمس عشرة دولة فقط, ومن الناحية العملية فإن خمسا منهما فقط هي من يسير أعماله. * أثيرت ضجة بشأن عضوية مصر بالمجلس, خاصة عندما لم تحصل مصر علي تلك العضوية في الدورة الأولي للمجلس, فهل لك أن تلقي بعض الضوء علي ذلك؟ * هذه المسألة شابها قدر كبير من الالتباس, إن لم يكن عدم الإنصاف, حيث إن واقع الأمر أن مصر لم يكن من حقها الحصول علي عضوية المجلس في دورته الأولي لسببين الأول: أنها حصلت في العام نفسه( أي2006), وبالانتخاب في الجمعية العامة, علي عضوية لجنة بناء السلام بالأممالمتحدة التي تم إنشاؤها لمعاونة الدول الخارجة من الصراعات المسلحة, والتي تعد جهازا دوليا علي قدر كبير من الأهمية لا يمكن وفقا لقواعد العضوية المعمول بها في المجموعة الإفريقية الجمع خلال العام نفسه بين الترشيح لعضويته والترشيح لعضوية جهاز رئيسي آخر مثل مجلس حقوق الإنسان. السبب الثاني :هو أن مصر كانت عضوا في الدورة الأخيرة للجنة حقوق الإنسان الملغاة, ووفقا لقواعد العضوية الإفريقية التي أشرت إليها فقد كان من المتعين دخول دولة أخري من مجموعة دول شمال إفريقيا لدورة واحدة علي الأقل قبل عودة مصر لعضوية المجلس, حيث تم التعامل مع عضوية المجلس باعتبارها استمرارا للعضوية في اللجنة الملغاة. واليوم فإن مصر ليست فقط عضوا كاملا في المجلس للسنوات الثلاث المقبلة, لكنها أيضا المتحدث باسم المجموعة الإفريقية حيث تتولي صياغة وتنسيق مواقف دول القارة في المجلس, وهي مهمة لم يكن من الممكن تكليف مصر بالقيام بها لولا تقدير إفريقيا لدور مصر وثقتها في قدرتها علي تمثيل القارة في هذا المحفل المهم. * بالنسبة للدورة الجديدة للمجلس, ما أهم القضايا التي سيتم تناولها؟ * من المقرر أن تبحث الدورة عددا من القضايا المهمة مثل استكمال البناء المؤسسي للمجلس, وبحث أوضاع حقوق الإنسان في ليبيريا والسودان وميانمار وأوضاع النازحين داخليا نتيجة للصراعات العسكرية والاضطرابات العرقية, بالإضافة إلي قضية تأثير مكافحة الإرهاب علي أوضاع حقوق الإنسان ونعمل حاليا علي صياغة وتنسيق مواقف المجموعة الإفريقية من تلك القضايا كما نتحرك في ذات الاتجاه من خلال المجموعات الأخري التي تعمل مصر في إطارها مثل المجموعتين العربية والإسلامية وحركة عدم الانحياز التي تسير أعمالها ترويكا وتضم مصر في عضويتها.